Captain Fantastic.. والمدينة الفاضلة

  • نقد
  • 04:22 مساءً - 25 ديسمبر 2016
  • 1 صورة



Captain Fantastic

"إذا كنت تفترض أنه لا يوجد أمل، يمكنك أن تضمن أنه لن يكون هناك أي أمل. إذا كنت تفترض أن هناك غريزة من أجل الحرية، وأن هناك فرصًا لتغيير الأمور؛ إذًا هناك احتمالية أن تصنع عالمًا أفضل".

لكن ما هو تعريف "عالم أفضل"؟ أين نجده وكيف نحافظ عليه؟ تخيل للحظة وارسم هذه الصورة! ماذا يحدث لو استيقظت على أنغام الطيور في الصباح الباكر، تشعر بنسيم الهواء الدافئ يلامس وجهك، تسمع صوت ماء النهر يتدفق من أعلى الجبال، ترى الأشجار العالية بأوراقها الخضراء تحيطك من كل جانب. اترك نفسك لتحلق عاليًا لترى هذه الصورة من زاوية أخرى، كطائر يحلق في السماء يستمتع بسحر الطبيعة، ثم اهبط مرة ثانية وسط الأشجار وأنت تشهد كيف تتسلل أشعة الشمس بين أغصانه، لتجد أمامك حيوانًا يتجول للبحث عن طعامه اليومي، لحظات وينقض عليه شخصان ويقتلانه ليشاركاه بقية أفراد العائلة؛ فيتحول من مشهد صيد إلى مراسم بلوغ، وهي طقوس يجعل الأب ابنه فيها يأكل كبدًا نيئًا ليُعلن تحوله من طفل إلى رجل راشد.

يرسم لنا المخرج حياة بدائية تعيشها عائلة مكونة من أب وستة أبناء في مراحل عمرية مختلفة، لكنها ليست بدائية كالعصور الحجرية بل حياة مع الطبيعة، حياة لا يوجد بها أي مصدر إلهاء.. لا يوجد بها ضوضاء.. لا يوجد بها تصنع.. فقط أنت والطبيعة.. هذا الفضاء الشاسع بكل رونقه. أنت كمشاهد تشعر أنك فرد من هذه العائلة، متحمس جدًا لمشاركتهم في كل تفاصيل حياتهم اليومية، فتتوقف للحظه وتسأل كيف يكون هناك روتين يومي؟ ما نوع الأنشطة التي تُمارس إذا كنا نتحدث عن حياه بدائية؟ أستطيع القول إن المخرج أضاف لمسة جميلة لتزيين شكل هذه الحياة البدائية، فأنت مع الطبيعة التي تحيطك من كل جانب، لكن استطعت أن تأخذ بعض الملامح الإنسانية من المدينة ووضعتها في قالب الطبيعة لتشكل بها واقعًا مرسومة تفاصيله بمنظورك الشخصي.

الأب "فيجو مورتينسين" أراد أن يربي أبناءه بمنظوره الشخصي وسط الطبيعة بلا تشويه من العالم الخارجي المتصنع. استطاع أن يجعل أبناءه مثالًا للقوة البدنية والطاقة، وفي نفس الوقت أن يصنع لديهم حس فني وإبداع وإدراك وثقافة ومهارات مختلفة. أراد أن يحقق معنى "عالم أفضل"، عالم يوجد به أشخاص قادرون أن يرتقوا به. طيلة مدة الفيلم وأنت تشاركهم أوقاتهم منبهرًا بكل تفاصيل المعيشة.. كيف استطاع أن يفعل هذا؟ كيف قرر أن يترك كل شيء ويختبئ وسط الطبيعة ويصنع عالمًا خاصًا به؟ كيف تأقلم؟

صنع المخرج عالمًا موازيًا، رحلة بعيدًا عن العالم الخارجي؛ لتجد نفسك تتعايش مع الطبيعة دون روابط أو أفكار مشوشة أو قيود اجتماعية.. فقط أظهر هذا العالم بعفويته، وترك لك سؤال هل هذا العالم جيد حقًا؟ هل هذا العالم يجعلك إنسانًا أفضل؟ هل هذا العالم سيحميك من شرور التصنع والقيود الاجتماعية؟ هل تستطيع مواجهة الحياة بكل ثقة؟ كلها أسئلة تم طرحها في الفيلم لكن دون إجابات محددة، بل وجدت نفسك كمشاهد مندمجًا في هذا العالم ومتأثرًا بسحره وبساطته. وهذا ما توصل إليه الأب؛ أصبح في قبضة هذا العالم مؤمنًا بأن وجهة نظره صحيحة وأنه استطاع أن يخلق "مدينة فاضلة"، هو فقط من يعيش بداخلها.. هو فقط من يتحكم بها.. لكنه اصطدم بالواقع أمامه ليدرك "أنها غلطة جميلة، لكنها غلطة".

أجاد المخرج في توصيل فكرة الفيلم بكل التفاصيل، استخدم كادرات متنوعة لينقل لك فكرة اندماج الإنسان بالطبيعة. لا يوجد تعقيد في التصوير، بل تركيز في نقل ألوان وملامح الطبيعة من حوله، وتوصيل فكرة المدينة الفاضلة بمنظور مصغر في صورة عائلة. ثم تطوير الأحداث وتغير الآراء لصنع فوضى عائلية تهدد فكرة العالم الخاص وتكشف مدى هشاشته حتى لو ظهر قويًا متماسكًا. الحبكة الدرامية كانت مرتكزة على الأفكار المتحيزة وأنانية التفكير والانغلاق داخل عالم منعزل، وعلى الرغم من أنه قد يظهر عالم جميل وخلاب، لكنه في النهاية يعتبر دائرة مغلقة، إذا واجهت ما يوجد خارجها سوف تنهار تدريجيًا.

الموسيقى التصويرية في مشاهد الذروة كانت متناغمة جدًا مع الجو العام. أداء فيجو مورتينسين كان أكثر من رائع في تجسيده لشخصية الأب. كذلك الأبناء كان يتسم أداؤهم جميعًا بالتلقائية والتجانس كعائلة واحدة. أيضًا أشيد بشدة بتصوير الفيلم والسيناريو، الأخير تحديدًا كان مدعمًا بالعديد من الاقتباسات والإشارات التاريخية والأدبية الشهيرة والجميلة. تجربة الفيلم كانت ممتعة، وأضمه بلا شك إلى أفضل أفلام عام 2016.

وصلات



تعليقات