The Accountant.. ما وراء الأقنعة

  • نقد
  • 11:02 مساءً - 4 يناير 2017
  • 1 صورة



The Accountant

"الحياة عبارة عن سلسلة من الخيارات، أولها هو أن تكون ضحية. ضحية أم لا؟ اتخذ قرارك" - The Accountant.

تدور أحداث فيلم "The Accountant" حول طفل يُدعى (كريستيان) يتم تشخيص حالته بالتوحد، ويحاول والداه الحصول على حياة طبيعية ليعيشها هذا الطفل؛ لكن تقرر الأم ترك هذا الحمل الثقيل وتهجر عائلتها، لتترك الأب وحده مع ابنه المتوحد وابنه الآخر.

تمر السنون ويصبح هذا الطفل محاسبًا مشهورًا محترفًا في عمله، لكن يتضح أن له حياة أخرى بعيدة تمامًا عن عالم الأرقام والحسابات؛ حياة أكثر خطورة، حياة مختفية تحت قناع الانعزال والثبات النفسي.

قدم المخرج جافين أوكونور لنا ألبومًا مختارًا بعناية لتقديم شخصية كريستيان (بن أفليك)، هذا المحاسب الغامض الذي يتخفى وراء قناع التوحد. بالرغم من تشخيصه بهذا المرض النفسي، إلا إنه وجد مخرجًا لسيطرة هذا الإطار النفسي المتلازم ليصبح رجلًا محترفًا في عمله.. لديه الذكاء الشديد في تحليل أي أزمة مالية.. اسمه في أول قائمة المحللين الماليين.. يستعين به أي شخص لديه مشكلة مالية.

الخط الدرامي للفيلم شكّل ملامح كريستيان وقدّم أبعادًا مختلفة عن شخصيته وتكونها وتطورها مع الوقت. ووجود قصة خلفية للشخصية تجعلك ملمًا بتفاصيلها وجذورها، وتضع أمامك قالبًا يتم تشكيله تدريجيًا مع أحداث الفيلم. شخصية الأب تعتبر العامل الأساسي في تكوين شخصية كريستيان لاتباعه طرقًا مختلفة لتربية هذا الطفل الصغير؛ حيث وجد المفتاح لحل مشكلة التوحد، ليس كشفاء، لكن كيفية احتوائه وتوجيهه في صالح الطفل. اكتشف أن مواجهة العنف الجسدي وجهًا لوجه والحفاظ على ممارسة ألعاب القوى والدفاع عن النفس تحت مدرب خبير سوف يضع حالة كريستيان النفسية في إطار يمكن السيطرة والعمل عليه.

استخدم المخرج تقنية لمحات من الذاكرة عن طريق استرجاع كريستيان للحظات قديمة عاشها خلال فترات عمرية مختلفة وأصبحت كبذور أساس ساعدت في نموه، واستمرّت هذه اللمحات في الظهور طوال الفيلم، ومن خلالها كمشاهدين نتعرف أكثر فأكثر عن ماضي كريستيان وأسباب وصوله لهذه المرحلة من نضوج وغموض وعزلة اجتماعية. فكرة ارتداء عدة أقنعة تعتبر عنصرًا مهمًا متكررًا بأشكال مختلفة، فليس كل من ارتدى قناعًا يعتبر مخادعًا؛ لكن قد يصبح القناع واقعًا لا يمكن الهروب منه.. شىء يلازمك كخيالك.. قناع طبيعته إظهار وجه محدد، لكن في الحقيقة يختبئ خلفه جمال واهتمام وخوف وقلق وتوتر وحب. من يهتم فقط هو الذي يستطيع معرفة ما وراء هذا القناع. فبالنسبة لكريستيان، لديه جميع أنواع الأقنعة المخادعة التي يرتديها بقصد وبدون قصد.. أقنعة تضعه في مسارات مختلفة.

العلاقات الاجتماعية للشخصية تظهر بشكل محدود جدًا، لكن بتطور الأحداث نكتشف أن العلاقات الاجتماعية مع أشخاص محددة تعتبر أيضًا عنصرًا مهمًا في فهم سلوك كريستيان وأسباب اتخاذه قرارات مصيرية. كما تكشف لنا أيضًا فكرة اختلاف الأقنعة التى يستخدمها ونسبة الثقة في الأشخاص المحيطة. فمن خلال كل هذه العوامل الأساسية في حياة كريستيان وعلاقاته الاجتماعية، نجح المخرج في خلق منعطف في الحبكة الدرامية من خلالها أسقط قناعًا أساسيًا مهمًا لكريستيان، ورسم نقطة التقاء حيوية في حياته.

الشخصيات الأخرى مثل راي كينج (ج.ك.سيمونز) ومادينا (سينسيا) ودانا (آنا كيندريك) وفرانسيس (جيفرى تامبور) لعبت كنوافذ مختلفة من خلالها نستكشف شخصية كريستيان طول الفيلم. فمن خلال تحركاتهم واحتكاكهم بالشخصية الرئيسة، نتعرف عليها أكثر.

شخصية (مادينا) تعتبر محرك بحث في الفيلم. على الرغم من وجود قصة خلفية لها، لكن لا يوجد تعمق في الشخصية وكان تقديمها مجرد أداة يتم استخدامها. شخصية (راى كينج) من العناصر المهمة في تقديم كريستيان. فمن خلال قصته الخلفية نتعرف على سبب قرارات اتخذها كريستيان بجانب قرارات راي نفسه، ونتعرف أكثر على راي والسبب الذي يدفعه لملاحقة كريستيان. أداء "سيمونز" كان رائعًا، وظهر تألقه في مشهد يعتبر الذروة في الخط الدرامي. شخصية (دانا) لعبت دور المساعدة والزميلة لكريستيان، لكنها أصبحت العنصر الأساسي لإثارة المشكلة داخل الفيلم وإشعال فتيل الخطر. لكن كأداء، فتمثيل آنا كان بسيطًا جدًا، فلا يوجد سيناريو مهم للشخصية، فقط تم وضعها لكشف المعضلة التي حركت مسار الأحداث.

أداء بن أفليك كان مميزًا جدًا في تجسيد شخصية كريستيان، وكان العامل المهم في الفيلم حيث الخط الدرامى يدور حول أبعاد الشخصية نفسها وتأثرها بالأجواء والأشخاص المحيطة. "أفليك" ترك بصمة لدينا كمشاهدين طول الفيلم؛ فأنت متحمس لتتعرف عليه مترقبًا ما سيحدث في توتر، وتتعاطف معه كثيرًا، لكن في نفس الوقت ترقبك لأفعاله يصدمك في مرات عديدة.

نجح "أفليك" في ترك كل هذه الأحاسيس وجعلك تشعر بصعوبة ما يمر به نفسيًا وجسديًا وذهنيًا. في نهاية الفيلم تنظر مندهشًا مصدومًا كثيرًا لما وصلت إليه الأحداث، وكيف تم التلاعب بك في منعطف درامي شكله المخرج بعناية طول الفيلم ليجعلك تندهش وتفكر في كل تفصيل قد أسقطه مسبقًا واستخدمه وهو متيقن تمامًا أنك لن تنتبه إليه. الفيلم دون شك ينضم لقائمة أهم وأقوى أفلام 2016 ويستحق المشاهدة.

وصلات



تعليقات