"Before Midnight".. الحب في أوقع حالاته

  • نقد
  • 12:11 صباحًا - 31 ديسمبر 2016
  • 5 صور



Before Midnight

هناك نظرية تقترح أن عناوين ثلاثية "ما قبل" تعبّر عن الوقت الذي تتم فيه ممارسة الجنس، في "ما قبل الشروق Before Sunrise" مارسا الجنس في الحديقة ثم أشرقت الشمس، في "ما قبل الغروب Before Sunset" مارسا الجنس في شقتها ثم غربت الشمس، وفي "ما قبل منتصف الليل Before Midnigh" مارسا الجنس ثم دقت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل. وهي نظريّة منطقيّة ومرجحة وأميل لها شخصيّا. إلا أن عنوان الفيلم الثالث "ما قبل منتصف الليل" في رأيي يعبر أكثر عن حالة الفيلم. باعتبار أن "منتصف الليل" عادةً لحظة حاسمة. منتصف الليل هو الخط الفاصل بين الليل والنهار، منتصف الليل يقسم اليوم نصفين، ما قبله وما بعده يمثل اليوم، أما لحظة منتصف الليل هي القاسمة له. وفي الفيلم يمر "جيسي" و"سيلين" بلحظة حاسمة تخيّرهما دون سابق إنذار بين أن يبقيان سويًا أو يفترقان، وفي لحظة كل منهما كان يميل لأن يفترقا.

في "ما قبل منتصف الليل" وعلى عكس الأجزاء الأخرى ندخل عالم "جيسي" و"سيلين" في قلب زحام حياتهما. المرة الأولى نشاهدهما على وشك التعارف (بداية) وفي المرة الثانية نشاهدهما يتحدثان عن التسع سنوات التي افترقا فيها، أيضًا للمرة الأولى (شبه بداية)، أما في المرة الثالثة نلتقطهما وهما بداخل الحياة، في زحام الزمن الذي عادة كان يتوقف في مقابلاتهما الماضية. لعلّه الأمر الذي بسببه اختلف محبو الثلاثية على هذا الفيلم، لأنه غير ساحر، ولا يتوقف الزمن في أي لحظة مثلما حدث في الأجزاء الماضية، بل تمضي الحياة ونشاهدها تمضي، و"سيلين" و"جيسي" هنا مجرد أجزاء من الصورة الكبيرة، ليسا موضع الحدث.

الدليل على ذلك هو أن الجزء الثالث هو تقريبًا الجزء الوحيد الذي يضم مشاهد لم يكونا فيها المتكلم أو البطل، والفيلم الوحيد الذي يحوي بالفعل أناس آخرين غيرهما، وأيضًا الفيلم الوحيد الذي يفترق فيه "جيسي" و"سيلين" في مشاهد عديدة مثل مشهد "جيسي" متحدثًا عن كتبه ومشهد "سيلين" في المطبخ مع صديقاتها. كأن المخرج يحاول إخبارك أن الأمر لم يعد قاصرًا على قصة الحب المشتعلة تلك، والحياة لم تعد تعبأ بهذا، أشياء كثيرة تحدث لم تشوش فقط على سحر الحب بل أنها قتلته.

الحب له مراحل كثيرة، ولينكلاتر على الأرجح أوضح معظمها في ثلاثيته الخلابة، هناك مرحلة السحر، ومرحلة الاشتياق، ثم المرحلة الثالثة التي تبقى، والأمر الذي بسببه أعشق الجزء الثالث وأعتبره الأفضل في نظري هو أنه يُظهر الحب في أوقع حالاته، الحب الذي غاب عنه القبلات والجنس والمشاعر، الحب الذي يتطلب مجهودًا. ولا أحاول بكلامي هذا تحقير أنواع الحب الأخرى بل هو مجرد وصف، ﻷن الحب الساحر ربما يبدو خلقه سهل، والبدايات عادةً سلسة، أما الاستمرارية فصعبة، لأن الاستمرار في الحب يقتله أحيانًا. والذي يحصن الحب ضد ظروف الحياة التي تتعطش لقتله هو المجهود المبذول فيه، واختيار الشخص بكامل إرادته، وهو في أكثر مراحل حياته إحباطًا، أن يبقى مع محبوبه. من السهل البقاء بجانب شخص أقمت معه للتو علاقة، من السهل البقاء بجانب شخص يعطيك بشكل مستمر الاهتمام الكافي، من السهل البقاء بجانب شخص لم تره منذ تسع سنوات لتقع في حبه مجددًا في مدينة رومانسية مثل باريس، لكن الصعب حقًا هو البقاء بجانب شخص يدفعك للجنون كل يوم، من الصعب البقاء بجانب شخص لم تعد قادرًا على التواصل معه.

بسبب هذا يفترق الأحباء كل يوم في جميع أنحاء العالم، ليس بسبب الأشياء التي عادةً يخبرونها لأنفسهم. اذهب لأي ثنائي بقيا سويًا لفترة طويلة واسألهما ما هو سر وجودكما معًا طوال هذه المدة سيخبرانك –إن كانا صادقين- "أتت أوقات كنت أود فيها أن أخرج من هذا الباب ولا أعود أبدًا، ولكني بقيت"، هذا لأنك لن تبقى واقعًا تحت سحر البدايات دائمًا ومرحلة باريس في قصة "جيسي" و"سيلين" على الأرجح انتهت في الصباح حينما استيقظ كل منهما هي لعملها وهو ليعود وطنه مفكرًا في طريقة يصارح بها زوجته وابنه بأنه يعشق فتاة أخرى. لأن الحياة لا تعطيك أبدًا الحب والراحة معًا.

لا نعلم ما الذي آلت الأمور له في النهاية، لا نعلم ما إذا كان "جيسي" و"سيلين" قد حلا مشاكلهما بعد تلك الليلة في الفندق، لا نعلم ما إذا اختار "جيسي" أن يبقى بجانب "سيلين" أم أن أبوته غلبته فعاد إلى ابنه وحياته السابقة، ربما نعلم يومًا ما إذا قرر "لينكلاتر" البدء في جزء رابع للثلاثية، ولكننا حتى هذه اللحظة لم نعلم إذا كانت طريقة "جيسي" في السفر بـ"سيلين" إلى المستقبل قد نجحت في حل المشاكل أم أن نجاحها كان مؤقت حتى يمارسا الجنس ثم يبقى كل شيء كما هو، والحقيقة أن ذلك لا يهم، لأن الحب لا يُقاس نجاحه بطول مدته، بل بكيف أعطاك الحب في أوقات وجوده القدرة على أن تصبح شخص أفضل، كيف جعلك تشعر لوقت مهما كان قصيرًا أن الحياة ربما ليست بذلك السوء.

شخصيًا أعتقد أنهما وجدا حلًا لمشكلتهما في النهاية، لم أعتقد أصلًا أنها مشكلة عظيمة تستطيع قتل حب بهذه الروعة، بل هي مشكلة من مشاكل عديدة على الأرجح قابلا منها العديد في سنواتهما التي لم نرها، ولكنهما تغلبا عليها حتى اللحظة التي قابلناهما فيها ثانيةً في الجزء الثالث، وكما عرفا كيف يتغلبا عليها في الماضي أؤمن أنهما تغلبا عليها هذه المرة أيضًا. والتغلب على المشاكل هنا لا يعني أنهما مكثا في غرفتهما ليمارسا الجنس عشرة أيام بلياليهم مثلما تصور "جيسي" تلك الليلة في فيينا بفرض أن "سيلين" بالفعل حضرت حسب الاتفاق، بل يعني قبول "سيلين" للحقيقة التي أخبرها "جيسي" في النهاية: "أنتِ تريدين أن تعيشي داخل حكاية خرافية ما، إنني فقط أحاول تحسين الأمور، أقول لك إن حبي لكِ غير مشروط، أقول لكِ إنكِ جميلة، أقول لكِ كم تبدو مؤخرتك رائعة وإنتِ في الثمانين، إنني أحاول إضحاكك، ولكنني سئمت حماقاتك، وإذا كنتِ تظنين أنني كلب ما سيظل يأتي عائدًا كل مرة إذًا فأنتِ مخطئة، ولكن إذا كنتِ تريدين الحب الحقيقي هذا هو، هذه هي الحياة الواقعية، ليست مثالية ولكنها حقيقية، وإذا لم تستطعي رؤية ذلك، فأنتِ عمياء."

في النهاية، أي كان ما سيؤول له الأمر في النهاية، ما زلت أحلم، والحلم مشروع، أن أعيش قصة حب مثل تلك التي عاشها "سيلين" و"جيسي" في الثلاثية، وأن أعيشها كاملة، أريدها بكل مراحلها، أريدها بمرحلة السحر، ثم النضوج والأهم أنني أريد الواقع الذي يتحدى حبي داخلي، الواقع الذي سيضطرني داخل زحام الحياة لأن أبقى وأنا أريد ألا أبقى. أعلم يا جيسي أن هذا هو الحب الحقيقي، وأعلم أنه سيدفعني أوقات عديدة لأن أضحي وأصبر بل وأن أتخلى عن جزء من ذاتي أحيانًا، لكنني ما زلت أريده، لأن جزء مني متيقن أن حبًا كهذا يستحق المحاربة لأجله.




تعليقات