Live by night .. الفساد يتسلّل من كُل جانب

  • نقد
  • 09:45 مساءً - 17 يناير 2017
  • 1 صورة



بين أفليك

"أنا أعيش في بيئة فاسدة، فلا تعتقد أني قابل للفساد أيضًا"

هل من المنطق العيش في محيط فاسد؟ فساد يتفشي كالوباء، لا يمكن السيطرة عليه ويدمر أي شيء أمامه ولا يفرق بين الطيب والشرير أو الظالم والمظلوم. الجميع في دائرة الخطر لكن السؤال هنا ماذا أنت بفاعل؟ هل ستستلم لمثل هذه الظروف أو ستندمج وتتعايش معها وتصبح جزء فعال فيها!.

فيلم "Live by night" مقتبس عن رواية للكاتب الشهير دينيس ليهان، وهي رواية جريمة تدور أحداثها في العشرينيات بالولايات المتحدة. من خلال الرواية يعرض بين أفليك صورة عن شكل الحياة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولي في الولايات المتحدة، ينقل لنا أيديولوجيات العصر من فساد أخلاقي وابتزاز وانتهاك للقوانين والتعصب الديني وصراع العصابات والعنصرية.

تبدأ القصة ونتعرف علي جوي (بن أفليك) وهو طريح الفراش في إحدي المستشفيات نظرًا لإصابات كثيرة. نذهب في رحلة في ذكريات "جوي" قبل إصابته ويبدأ في سرد الأحداث، فقد كان جندي في الحرب وبعودته أصبح خارج عن القانون؛ يقود عمليات سرقة في بوسطن بمساعدة صديقيه. تتطور الأحداث ويسرق نادي ليلي لشخصية تُدعى ألبرت (روبرت جلينيستر)، وهو رجل العصابات الأخطر في المحيط والذي يكتشف السرقة ويطلب من "جوي" الانضمام إليه والعمل معه. ينضم "جوي" له ويتعرف على حبيبته إيما (سينا ميللر) وتتعمق العلاقة بينهما وتصبح "إيما" حبيبة "جوي" دون علم "ألبرت". في الناحية الأخرى يوجد رجل عصابات إيطالي يُدعي "بيسكاتوري" يعتمد على تجارة الكحوليات. يشكِّل "ألبرت" مصدر إزعاج لـ"بيسكاتوري" نظرًا لكثرة عمليات القتل وتدمير العديد من مخازن الكحوليات التابعة له ويحاول التخلص منه. يصبح "جوي" في جدال بين العصابتين وفي مواجهة خطر هذا العالم، فعلى الرغم أنه لا يريد الانضمام لعالم العصابات إلا أنه يصبح مرغمًا عليه، بشكل أو بأخر لا يستطيع الهروب ويقرر التكيف والاندماج.

الكثير من التعقيدات والتحديات تواجه "جوي" في أي خطوة يخطوها، فلا تستطيع القول إنه رجل عصابات شرس يهوى القتل والسرقة ولا تستطيع القول أنه رجل ذو سمعة طيبة وبعيد عن الفساد. أراد بين أفليك أن يخلق شخصية مختلفة، شخصية مزدوجة ومتناقضة المعايير؛ لديها صراع داخلي بين الشر والخير أو بمعني أخر شخصية تستطيع فعل الشر ويصاحبها تأنيب ضمير من نتيجة الفعل. لا أستطيع القول إن تقديم الشخصية بهذا الشكل كان ناجح بل يجعلك كمشاهد في حالة اضطراب أو معضلة بين قبولك لمعاير الشخصية وطريقة تفكيرها وبين فعلها وبين منطقية وجودها في الواقع فهو صاحب القرار في الأول ليصبح متمرداً. فأنت أمام رجل خارج عن القانون يفعل أي شيء لمصلحته الشخصية او لإثبات وجه نظره كرجل حر مسؤول عن أفعاله دون توجيه أي اتهامات له، فالمحيط كله فاسد فلا تتهمني بفعل شيء خاطيء. أراد بين أفليك تأكيد فكرة استقلال الشخصية لهويتها برسم شخصية الأب وتقديمه كمسؤول شرطة مهم يدعى "توماس". هذا الأب الذي يمثل الانضباط يصبح لديه ابن خارج عن القانون فيواجه الكثير من المشاكل ليساعد ابنه بل يستخدم وسائل غير قانونية ليصل إلى نتائج. فكرة المحيط الفاسد ظهر في أشكال كثيرة ليس فقط من خلال العصابات والخارجين عن القانون لكن يتمثل كعامل أساسي في إطار الأحداث فأصبح يتخلل في كل شيء فداخل منظومة الشرطة يوجد فساد أخلاقي وإبتزاز، يوجد فساد في علاقات الحب، يوجد فساد في ولاء الناس ببعض، وباء يتسلل في كل شيء.

من ضمن الأيدلوجيات المهمة في هذا العصر أيضا كانت فكرة الكحوليات وإصدار لوائح وقوانين لمنع تداولها وصنعها، فمع هذا القمع إستطاع رجال العصابات في صنعها والتجارة بها بل انتشرت على نطاق واسع في العديد من الولايات وحققوا من خلالها أرباح مهولة في نفس الوقت كان يوجد تيار ديني متعصب يقف عائقًا في وجه هذة التجارة بل يعمل علي تدميرها تمامًا. جوي بعد انضمامه لعائلة بيسكاتوري إنتقل الي فلوريدا وأصبح رجل مهم في مجال تجارة الكحوليات، فحقق أرباح واسعة وأصبح لديه نفوذ وسيطرة في هذا المجال. فوجد نفسه أمام هذا التيار الديني الذي تمثل في عائلة "فيجيس"، الأب مسؤول شرطي مهم (كريس كوبر) في يبور (مدينة بفلوريدا)، ولديه ابنه تدعي لوريتا (إيلي فانينج). "فيجينس" علي الرغم من أنه رجل متدين لكن على المستوى المهني كان يعمل مع "جوي" ويقدم تسهيلات لسير عمله وتتطور الأحداث ويلجأ "جوي" لتهديد وابتزاز"فيجينس" لينفذ عملية قتل أخرى. "لوريتا" كانت هي طريقة التهديد التي استخدمها "جوي". "لوريتا" فتاة كانت تعشق التمثيل فتوجهت إلي فيجاس لكن تتحول الأقدار وتصبح "لوريتا" ضحية فساد أخلاقي وتعود مرة أخري لوالدها. يستغل "جوي" هذا السبب لينال ما يريده لكن لا يعرف نتيجه فعله مستقبًلا. تتحول "لوريتا" من فتاة ساذجة لمذنبة ثم لواعظة دينية، فتصبح العائق الأساسي لسير أعمال "جوي" لكن هذه المرة لا يستطيع فعل أي شيء للتخلص منها. استخدم "أفليك" تطور حياة "لوريتا" في الخط الدرامي لعمل منعطف مهم في نهاية الفيلم.

عنصر الإخراج و التصوير كان عامل مهم وأساسي في الفيلم، فتميز "أفليك" في استخدام تكوينات محترفة لتقديم مشاهد المطاردات ومشاهد القتل ومعارك العصابات. كمُشاهد تشعر باندماجك مع المشاهِد ومع هذا العصر الكلاسيكي القديم. فأنت أصبحت فعليًا في زمن العشرينيات؛ من خلال ديكورات المباني والشوارع وتقديم طراز العربيات الكلاسيكي المميز وتفاصيل تصميمات الملابس الجميلة وإبراز موضة هذا العصر من ألوان ومكياج ونمط حياة. لوحة فنية كلاسيكية جميلة قدمها التصوير بصورة متألقة، فتستطيع هنا إعطاء (الدرجة النهائيّة) في تقييم التصوير والإخراج.

تميز بين أفليك كذلك في رسم شخصيات الفيلم بصورة، تُعطّشك -كمُشاهد- للمزيد منها. فعلي الرغم من مشاهد قليلة لشخصيات معينة إلا أنها أثبتت نجاحها وتميزها في الدور. كمثال شخصية توماس كولين والد "جوي"، فقد لعب بريندان جليسون، دور مهم للغاية في مستوي أحداث الخط الدرامي وكان تمثيله جيد جدًا وجسد الشخصية بطريقة محترفة. شخصية لوريتا فيجيس (إيلي فانينج) مثلت فكرة التعصب الديني والنضوج الفكري، إيلي كان أدائها جيد جدًا وتعتبر إنطلاقة فعلية لمسيرتها الفنية. أتقنت الدور بشدة على الرغم من قلة المشاهد لكن تركت بصمة قوية. شخصية المأمور فيجيس (كريس كوبر) كانت عامل مهم في سير أحداث القصة وتطور الشخصية كانت مؤثرة في تقديم الصراع بين فكرة الفساد والتعصب الديني. كريس جسد الشخصية في مستوي متميز فعلًا خصوصًا في مشهد الإبتزاز كان تعابير وجهه معبرة جدًا واقعية بشكل مرعب. شخصية جراسيلا (زوي سالدانا) كانت من عائلة كوبية تعيش بفلوريدا تتاجر بالكحوليات وتزوجت جوي. زوي كان تمثيلها جميل وهاديء، جسدت دور الفتاة القوية التي لديها كيان خاص وطموح تريد أن تصل إلية. شخصية جوي كولين كانت هي محور أساسي في خط الأحداث، فجميع الشخصيات تتحرك حوله ومن خلال تعاملهم مع جوي تتعرف أكثر فأكثر على عقلية الشخصية وطريقة تفكيرها. سبق وتحدثنا بخصوص رسم تطور الشخصية وأنها كانت مرسومة بطريقة مختلفة وبها تناقضات كثيرة ويمكن هذة النقطة كانت العامل الأساسي في التقليل من تقيم الفيلم لعدم منطقيتها. قدم بين أفليك شخصية رجل عصابات في إطار بطل لا يريد الانضمام لفساد عالم العصابات بل يريد أن يصبح فاسد من منظور فردي بقوانينه الشخصية. أداء بين أفليك كان رائع وجميل وجسد الشخصية بكل ثقة.

في المجمل، كل عنصر في الفيلم كان مميز وتم تقديمه بشكل جميل. تجربة بين أفليك كمخرج وكاتب للسيناريو كانت جيدة في وقت وجيدة جدًا في أوقات أخرى. كثرة الأحداث والصراعات بين الشخصيات قلّل من التعمق في تطور شخصيات معينة على الرغم أنها ظهرت في مرات قليلة إلا أنها تركت بصمتها في سير الأحداث. التركيز على شخصية جوي كولين كان واضح جداً لكن للأسف لا يوجد تعمّق منطقي لتطور الشخصية. كان من الأفضل تقديمها كشخصية شريرة بكل مراحل صراعاتها النفسية، لكن لا تقدم شخصية رجل عصابات وتقنع المشاهد بمدى مثاليته كشخصية لديها تأنيب ضمير ولديها حياة شخصية تريد الحفاظ عليها دون الوقوع في مشاكل. أنت رجل خارج عن القانون بقرارك الشخصي فلا ترغم المشاهد في التعاطف معك لنتيجة أفعالك وتظهر في إطار المجني عليه. بين أفليك أوضح من خلال الأحداث أن عالم العصابات معروف بقسوته وفساده المطلق بمجرد الدخول فيه، فلا تعتمد على التخلص منه في وقت ما لأنه كالشبح سوف يطاردك أينما كنت وسيحاول تدميرك في النهاية.

وصلات



تعليقات