تقرير | أعمال سينمائية مُستهلكة (1)

  • مقال
  • 12:45 صباحًا - 12 مارس 2017
  • 8 صور



The Green Lantern

شهد عام 1896 عرض أول فيلم بالتاريخ للأخوين "لوميار" تحت عنوان "وصول القطار"، وهو بالفعل مجرد مشهد وصول قطار إلى محطته، تم عرضه على شاشة كبيرة أمام جمهور فظن الناس أن القطار حقيقي وهرعوا إلى آخر القاعة، هكذا كانت بداية السينما. منذ ذلك العام وصناعة الأفلام تتقدم بشكل سريع، فاليوم، أي بعد أكثر من 120 عامًا لازلنا في مرحلة تطوير الأفلام على أكثر من صعيد، فنشهد على تقنيات جديدة وطرق تصوير مبتكرة ومونتاج متقن، حتى أنواع الأفلام تطورت وظهرت "أنماط" حديثة منها.

مع التطور الكبير أصبح التكرار أكبر، فعلى الرغم من غزارة الإنتاجات سنويًا، معظم الأفلام باتت "عادية"، فلا تقدم شيئًا جديدًا بل تكتفي بالعناصر "الآمنة" التي تضمن لها نجاحًا على شباك التذاكر. في عالم السينما اليوم الكثير من التقنيات "المُهمَلة" على حساب غيرها، نذكر منها على سبيل المثال الـStop-Motion وهي تقنية في أفلام الأنيميشن ترتكز على الدمى، فيتم تثبيتها بوضعية معينة ويتم تصوير كل إطار أو "Frame" مع تغير حركة الدمية، ثم يعاد جمعها كلها لتكوين المشهد. الشركات التي تصنع هذه النوعية قليلة جدًا، أهمها شركة Laika Entertainment التي قدمت أفلام مثل Coraline وأخيرًا Kubo and the Two Strings.

في هذا المقال التحليلي سوف نستعرض بعض "الكليشيهات" التي أصبحت مُستهلكة في أيامنا هذه، فالأنواع التي سنناقشها لم تعد تقدم أي جديد، والجمهور بأمس الحاجة لشيء غير مألوف وغير عادي:

أفلام موجهة لفئة معينة من الجمهور:

في هذه الحلقة سوف نناقش أفلام تستهدف جمهور بعينه، فالجمهور غير المهتم لن يستمتع، لا، بل لن يكترث لمشاهدتها، لأنها تحصر نفسها في خانة معينة صعب الخروج منها.

أفلام الألعاب الإلكترونية

الأفلام المقتبسة عن ألعاب إلكترونية أو Video Games كثيرة، بدأت عام 1993 مع فيلم Super Mario Bros، من بطولة بوب هوسكنز، ومقتبس عن لعبة ماريو الشهيرة، الفيلم فشل بشباك التذاكر، حيث حقق 20 مليون دولار مقابل ميزانية وصلت لـ48 مليون، كما أنه لم يلق استحسان النقاد، خاصةً وأن قصته كانت بسيطة جدًا ولم تحمل شيئًا جديدًا يُذكر. لكن صناع الأفلام أعادوا الكرة مرات ومرات حتى أن معظم الألعاب الناجحة حاليًا لها أفلام على الشاشة الكبيرة.

المشكلة في هذه الأفلام أن معظم الألعاب تحمل قصة، لكنها ليست صالحة لتصبح فيلمًا، ففي أغلب الأحيان يحتاج كتّاب الأفلام "اختراع" قصة أو زيادة عناصر ليصبح السيناريو كاملًا مع المحافظة على هوية اللعبة، وعند صدور الفيلم يقع بين وجهتي نظر:

الأولى هي جمهور اللعبة، الذي ظل ساعات وليالي يلعبها وكأنه "يسكن بداخلها"، ففرصة رؤية شخصياتهم المفضلة أمام عينيهم على الشاشة الكبيرة ستعجبهم حتمًا مهما كان الفيلم سيئًا، دون نسيان أن الفيلم لن يستطيع تغطية اللعبة كلها، فبعض الأشياء ستكون مضللة، ولن يفهمها إلا جمهور اللعبة الذي حفظها عن ظهر القلب.

الثانية هي النقاد والجمهور الذي لا يعرف شيئًا عن اللعبة، فينظرون إلى العمل كأي فيلم سينمائي آخر، ويحكمون على السيناريو والتمثيل كما الإخراج وكل العناصر السينمائية الأخرى، فمن لا يعرف اللعبة لن تستهويه هذه النوعية خصوصًا إن لم تكن على المستوى المطلوب.

Angry Birds Movie

لا يمكن تجاهل بعض الأفلام المقتبسة عن ألعاب إلكترونية، والتي نجحت بالفعل، فسلسلة Resident Evil أصدرت فيلمها السادس والأخير هذا العام، مع أن أفلامها فقدت سحر الفيلم الأول. فيلم Assassin's Creed العام الفائت كان خيبة أمل حيث أن عناصره كانت واعدة، أبرزهم بطلي الفيلم مايكل فاسبندر وماريون كوتيار، لكن الرياح لم تأت كما تشتهي سفينة المخرج جاستين كورزيل، وانضم الفيلم لقائمة المحاولات غير الموفقة لتحويل لعبة شهيرة ومحبوبة إلى فيلم سينمائي.

Assassin's Creed

موضة الألعاب الإلكترونية على الشاشة الكبيرة لن تتوقف في الوقت القريب، لكن يمكن حصول تغير طفيف في المستقبل، فبعد فيلم Angry Birds Movie يبدو أن شركات الإنتاج تتوجه أكثر لتحويل ألعاب الهواتف الذكية، التي تلقى رواجًا كبيرًا في الأيام الحالية، إلى أفلام، فهل سنشهد موضة جديدة تضع أفلام الألعاب الإلكترونية في الماضي؟

أفلام الأنيميشن "للأطفال فقط"

عند إصدار شركة بيكسار أول أفلامها Toy Story عام 1995، والذي كان منفذ بكامله عبر تقنية التحريك بالكمبيوتر، لم يتخيل أحد أن الرسوم المتحركة التقليدية ستبدأ بالاختفاء تدريجيًا لتحل مكانها أفلام الـComputer-Animated. فعلًا وبعد 22 سنة أصبحت أفلام الأنيميشن بكاملها تعتمد على هذه التقنية، فبإستثناء بعض الأفلام، التي بمعظمها ليست "هوليودية"، لم نعد نرى رسوم متحركة، حتى شركة "ديزني" التي اشتهرت بالرسوم الكلاسيكية، تماشت مع الموضة الرائجة وحولت أفلامها.

صحيح أن هذه التقنية هي مثال للتطور في السينما، وساعدت على إظهار المشاعر، وضخت الأحاسيس بالشخصيات، فضلًا عن المناظر الجميلة التي أصبحت تُستعمل، لكن وقعت بمشكلة كبيرة وهي "الجودة". فـ"بيكسار" لم تغير تقنية الأنيميشن فحسب، بل غيرت نظرة الناس لأفلام الكرتون من "مجرد أفلام للأطفال" إلى أعمالٍ عميقة وذات بعد سينمائي مهم، وهذا ما ظلم الأفلام التي إُنتجت من قِبل شركات أخرى، وكانت دون المستوى المطلوب، فتوجهت إلى الجمهور الصغير وكانت بمعظمها "سطحية".

Norm of the North

الأمثال عن أفلام الأنيميشن التي فشلت مؤخرًا كثيرة، كان أبرزها العام الفائت فيلم Norm of the North بصوت روب شنايدر، الذي كان كارثة لدى النقاد، فالأنيميشن فيه كانت بسيطة جدًا حتى أن ملامح الشخصيات لم تكن واضحة، والقصة سطحية حتى الصغار لم تجذبهم. فيلم آخر لم يكن موفقًا هو "The Nut Job" من إنتاج شركة "جولف ستريم" والذي حصل أيضًا على انتقادات سلبية بسبب قصته، حيث قارنه الجمهور بفيلم آخر عن الفئران وهو Ratatouille.

The Nut Job

مشكلة بعض أفلام الأنيميشن اليوم أنها تتجاهل ذكاء الصغار وتتعامل معهم كأنهم مجرد "روبوتات" سيعجبهم أي شيء يقدَم لهم، إذا كان فيه ألوان وحركة، لكن الحقيقة هي العكس، فالصغار هم النقاد الأصعب خصوصًا في عالم السينما. ومن الأفلام الجميلة التي يجب ذكرها فيلم Zootopia من إنتاج "ديزني"، الذي يعتبر من أكثر الأفلام "نضوجًا" بالعام الفائت، فرغم أنه فيلم كوميدي مع شخصيات قريبة وقصة مؤثرة، فيه عبر كثيرة ويتناول موضوع سيفهمه الأولاد والكبار بشكل مختلف تمامًا، كل على طريقته، الفيلم استطاع الجمع بين أحداث مشوقة وقصة عميقة، وهذا ما رفع فعلًا من مستوى أفلام الأنيميشن، ووضع ضغوطًا على شركات الإنتاج الأخرى كي تقدم شيء بمستوى أكبر فيما بعد.

إذًا أفلام الأنيميشن الموجهة فقط للأطفال بسبب قصتها السطحية أو تقنياتها البسيطة لم تعد تجذب الجمهور، فأصبحت من الخلطات المستهلكة والتي تحتاج تجديد، فالجمهور يريد شيئًا ملائمًا للجميع، يمتع كل أفراد العائلة، وتستطيع أن تميز ما بين فيلم له معنى وفيلم فقط "للتسلية".

أفلام الحفلات الموسيقية

وان دايراكشن

تعود أول أفلام الحفلات الموسيقية أو ما يعرف بـConcert Films إلى العام 1960 مع حفلة موسيقية لمهرجان "نيوبورت" للجاز، ومنذ ذلك الحين تتحفنا شركات الإنتاج بأفلام موسيقية لنجوم لديهم شهرة واسعة ولكن لا شيء يذكر ليقدموه، فالأيام تغيرت والموسيقى أيضًا.

في الأعوام الأخيرة شهدنا الكثير من هذه الأفلام: من جاستين بيبر إلى مايلي سايرس وصولًا إلى كاتي بيري وفريق "وان دايراكشن". كل هؤلاء النجوم يتمتعون بموهبة دون شك، ولهم جمهور عريض يتخطى حدود الأرض، لكن الدوافع وراء إنتاج هكذا أفلام تكون:

*زيادة شهرة النجم/النجمة من خلال عرض حفلته الموسيقية المصورة على الشاشة الكبيرة في مختلف دول العالم، خصوصًا في الدول المستبعد إقامة حفل فيها بسبب الأوضاع الأمنية.

*إعطاء النجم استراحة للتركيز على أعمال جديدة بينما يكسب من خلال إيرادات فيلمه ولا يغيب عن جمهوره.

*إظهار حياة النجم الشخصية وبعض الذكريات التي يطلبها منه جمهوره، فالنجم يظهر بصورة الـIdol والقريب من الناس.

المشكلة أن الأسباب هي تجارية وتنافسية بحتة، فهي موضة يتبعها أغلب النجوم، فلا سبب فني لإنتاج هكذا أفلام، حتى أنها ضائعة بين أن تكون وثائقية أو لا. طبعًا هذه الأفلام تستهدف جمهور النجوم فقط، فلا أحد سيفكر بمشاهدة فيلم عن حفل موسيقي لنجم بالكاد يعرف أغانيه. في معظم الأحيان يكون هذا "الفيلم" فارغًا، فالأحداث داخل الكواليس مفتعلة وهناك دائمًا لعب على العواطف ستؤثر بالمراهقين أو المعجبين من أجل إعطاء الفيلم رابطًا عاطفيًا.

طبعًا هناك استثناءات، فوثائقي مايكل جاكسون "This Is It" الذي صدر عام 2009 يتابع تحضيرات جولة جاكسون الفنية التي تحمل نفس الاسم. المقارنة هنا شبه مستحيلة، فنحن نتكلم عن ملك البوب الذي أسر العالم بفنه، وعن جولة لم تحصل بسبب وفاته المفاجئة في 25 يونيو 2009 التي تركت محبيه خائبي الأمل. هذا الفيلم كان بمثابة تكريم لجمهور جاكسون الوفي، ووداعًا لائق له.

Metallica Through the Never

فيلم آخر استطاع كسر القاعدة في أفلام الحفلات الموسيقية وهو Metallica Through the Never عام 2013، وطبعًا حسب الاسم نستنتج أنه لفريق الروك الأشهر "ميتاليكا"، لكن الفيلم ليس تقليديًا، إنها قصة شاب يدعى تريب "دان ديهان" الذي يهتم بتركيب وصيانة المعدات لجولات الفريق، ويتم إرساله بمهمة عاجلة أثناء الحفل، لكنه لا يعلم الخطر الذي ينتظره. الفيلم مميز بدون شك، فهو لم يتبع كليشيهات سابقيه، بل قدم قصة مشوقة مترافقة مع أغاني للفريق، بما أن أحداث الفيلم تدور أثناء حفل لهم، فجمع بين أفلام الثريلر والحفلات الموسيقية واستطاع أن يقدم شيئًا جديدًا وذكيًا.

إذًا أفلام الحفلات الموسيقية هي أفلام تجارية بشكل بحت وتستهدف جمهور صغير جدًا، فاليوم حفل موسيقي لأي نجم صاعد لن يكون بمقياس حفلات أساطير مثل Pink Floyd وإلفيس بريسلي، الذين حصلوا على أفلامهم الخاصة، لكن في ذلك الحين كان الكل يحلم بمشاهدتهم ولو عبر شاشة عملاقة.

أفلام مليئة بالـCGI

الـCGI أو تقنية التحريك بالكمبيوتر هي "موضة" هذا العصر، فكل تكنولوجيا جديدة تجذب صناع الأفلام لاستخدامها لأنها تسهل عملهم وتعطيهم نتيجة أفضل، إلى حدٍ ما، لكن البعض يفرط في استخدامها.

مع تقنية الـCGI أصبح كل شيء ممكنًا، فيمكن خلق شخصية حيوانية مطابقة للحقيقة، مثل حيوانات فيلم Life of Pi، أو حتى إعادة ممثل من الموت مثل شخصية بيتر كوشينج في Star Wars: Rogue One، لكن هذه التقنية سيف ذو حدين، فإذا أُحسن استخدامها أبهرت، وإن لم يُحسن ستكون السقطة الكبيرة.

لنستعرض بعض الأفلام التي نجحت في استخدامها للـCGI:

The Jungle Book

The Jungle Book من إخراج جون فافرو هو خير مثال عن استخدام صحيح للـGCI، فالشخصيات كلها من صنع الكمبيوتر وحتى الغابات لم تكن حقيقية، فالفيلم كله صُور داخل إستوديو ولم يتم استخدام أي منظر طبيعي، لكن النتيجة كانت مبهرة بالفعل. الشخصيات واقعية، الأدغال حقيقية إلى حد كبير، ولا يوجد أي خلل يجعلك تعود للواقع وتقول: "هذا المشهد حتمًا من صنع الكمبيوتر".

Rise of the Planet of the Apes من إخراج روبرت وايت ومن بطولة أندي سيركس، ملك الـMotion Capture بلا منازع، في هذه التقنية يلبس الممثل ملابس خاصة موصولة على شاشة تحول حركاته إلى أي شكل تريده عبر برامج الجرافيكس، فأنت تتخيل قردًا يقف أمامك، بكل ملامحه وتعابير وجهه وحركاته. الـCGI المستخدم كان متقنًا إلى حد كبير، وأعطى القصة طابعًا مختلفًا وكان أيضًا خالِ من الشوائب.

طبعًا بما أننا نتحدث عن الأفلام التي أحسنت استخدام الـCGI، فلنتحدث عن بعض الأفلام التي أساءت استخدامها:

The Green Lantern

The Green Lantern كان مشكلة كبيرة لشركته المنتجة "وارنر بروس" وممثليه وفريق عمله بسبب الفشل الكبير على شباك التذاكر وأمام النقاد. الكل انتقد الـCGI، التي تم استخدامها بشكل مبالغ فيه، حتى أن بعض الشخصيات كانت مصنوعة عبر الكمبيوتر بالكامل، فقللت من واقعية الفيلم، كأننا نشاهد عملًا مصطنعًا.

Gods of Egypt كان أيضًا فيلمًا "مكروهًا"، فبغض النظر عن المشاكل التمثيلية، حيث أن كل الممثلين لهم ملامح أجنبية في فيلم تدور أحداثه في مصر القديمة، فأن استخدام الـCGI كان أكثر من ركيك، فعلًا كأن لا شيء حقيقي فيه، فأين المتعة في ذلك؟ فيلم مصنوع بأغلبيته على الكمبيوتر وكأنه أحد أفلام بيكسار لكن مع ممثلين حقيقيين.

لا شك أن الـCGI خدمت السينما كثيرًا، وأن استخدامها الصحيح يعطي الفيلم مؤثرات خلابة إلى حد بعيد، لكن المشكلة هنا أن بعض الأفلام أفرطت في استخدامها فانعكست سلبًا عليها. جدير بالذكر أن تقنيات الكمبيوتر الحديثة خففت من "ابتكار" المخرجين، حيث أن كل شيء أصبح سهلًا ولا حاجة لابتكار شيء يبهر الجمهور، إليكم فيديو مشهد شهير من فيلم المخرج ستانلي كوبريك "2001: A Space Odyssey"، والذي تم ابتكاره من خلال ديكور متقن وخدع تصويرية فقط، (الفيلم إنتاج عام 1968):

في الحلقة الأولى من مقالنا تناولنا أفلام أصبحت مستهلكة لأنها تستهدف جمهور معين وتتجاهل الآخر، فأفلامنا هذه "حبست" نفسها في غرفة ضيقة من الصعب الخروج منها. إذا راقبنا الأفلام الناجحة نرى أنها، وبغض النظر عن نوعها، تحاول جمع العناصر كي تصل إلى العدد الأكبر من الجمهور دون أن تفقد هويتها، وهذا هو سر النجاح في عصرنا الحالي، فعدد جمهور السينما كبير والآراء كثيرة، وطبعًا فيلم محدود لن ينال الاستحسان الكافي حتى لو توفرت فيه العناصر الجيدة، في النهاية كما يقول الكاتب والمخرج شاين بلاك: "عليك دائمًا أن تفاجئ جمهورك".


وصلات



تعليقات