"Get out".. أنت سجين هذا المنزل

  • نقد
  • 11:47 مساءً - 25 مايو 2017
  • 1 صورة



فيلم "Get Out"

"لقد قلت لك من قبل ألّا تدخل هذا المنزل"

كيف لك أن تكون مضطر لدخول عالم ما وفى نفس الوقت أنت بالفعل عضو أساسي في هذا العالم؛ ليس عالم جديد أو مختلف، لكنه واقع تعيشه مدركًا كل جوانبه لكن لا تريد الموافقة عليها كلها.

تدور أحداث فيلم "Get out" حول "كريس" شاب أمريكي يعمل كمصور فوتوغرافي من أصول إفريقية داكن البشرة، يواعد فتاة أمريكية تدعى "روز" ذات بشرة بيضاء، وتطلب منه التعرف إلى عائلتها وقضاء عطلة لمدة أسبوع فى منزل الأسرة. وبالفعل يقوم الثنائي بحزم الأمتعة والتوجه لمنزل العائلة لكن قبل السفر يشعر كريس بعدم الراحة لعدم إخبار روز عائلتها بأنها تواعد شابًا داكن البشرة فتقول روز له موضحة أن عائلتها ليست عنصرية. وبوصول الثنائي لمنزل العائلة تتطور الأحداث ويشعر كريس بأجواء غير مريحة ومعاملة تبدو جيدة لكن بها غرابة.

تعتبر تلك التجربة، هي الأولى للكاتب والمخرج جوردن بيلي في مجال الرعب التشويقي فهو كاتب و ممثل كوميدي بعيد عن أجواء فيلمه الجديد تمامًا لكن أثبت جوردن تفوقه المتميز لعرض فكرة الفيلم بطريقة مختلفة لينال إعجاب الجميع. ففكرة الفيلم تتمثل في العلاقة بين القوة والسيطرة والطابع العنصري الذي ترعرع عليه المجتمع الأمريكي؛ من خلال التاريخ الطويل له مع العنصرية وتطور منظورها عبر أجيال عديدة تشكل طابع جديد غير مباشر لفكرة العنصرية و الاستغلال لمصالح شخصية. فهنا ليست التفرقة العنصرية ذات ملامح تعذيب صريح أو معاملة عنيفة بل تبدو طبيعية لا يشوبها أي ظلم أو تهديد أو عنف خارجي وهي في الحقيقة مخفيّة في صورة بشعة من الاستغلال غير الآدمي والتشويش والقهر الداخلي في أسوأ حالاته وترسم الجانب المظلم للإنسانية.

من خلال سيناريو جوردن، تستطيع أن تتبع فتات التميز العنصري من خلال وجهة نظر كل شخصية في الفيلم بدايةً من البطل حتى الشخصيات الثانوية؛ كريس نفسه يعرف جيدًا مدى التوتر في المجتمع بين العرقين حتى وإن ظهر عكس ذلك وأبدى المجتمع عن تقبله لمختلف الطبقات فهذا لا يستطيع أن يمحو من ذاكرة التاريخ مدى الذل والتعصب الذى واجهه طبقات المجتمع من أصول إفريقية. من خلال المحادثات مع عائلة روز يتسلل دائمًا مدى الاختلاف الجسدي والفكري بين العرقين حتى إذا كان مرحب به لكن يشوبه غيرة او اندهاش ومن هنا يتم رسم الشكل المختلف من العنصرية فهو يتمثل بمنظور فكرة السيطرة الذي أصبح هوسًا للعرق الأبيض لأنه يريد أن يعيش ويتكيف بقوة العرق الأسود ليس ليخدمه بل ليستخدمه كوعاء يصب نفسه داخله ليشعر بقوة جسده. جسّد جوردن فكرة الاستغلال والسيطرة بشكل هجائي غير مباشر في إطار تشويق رعب من خلال ممارسات عنيفة لنقل النفس والوعي داخل إطار جسدي يمتاز بالقوة والصلابة.

كادرات التصوير تعتبر عنصر مهم ومميز في إبراز ملامح فكرة الفيلم وتقديمه في إطار تشويقي صادم؛ فأنت لا تشاهد فيلم رعب دعائي تقليدي يهدف إلى بث الفزع من خلال لقطات ترويعية لكن فيلم يقدم مدى أهمية الفكرة ومدى تأثيرها القوي على نفوس المشاهد من خلال بث القلق والتوتر وعدم الراحة في التعامل مع الأخرين فتصبح سجين هذا العالم لا تستطيع الحركة أو التعبير عن مدى الألم الذي تحسه. تقديم شخصية كريس كمصور فوتوغرافي اُسُتخدِمت كأداة لإظهار ملامح الرعب النفسي والجسدي والفكري؛ فعين كريس قامت بدور العدسة التي تأخذك بين كادراتها وزواياها المختلفة لتنقل الشعور بالقلق والرهبة والخوف الذي يشعر به كريس طوال الفيلم وتتركك كمشاهد في حالة من التوتر والتساؤل عن أسباب ما يحدث.

التركيز على التفاصيل التي رُسمت في العديد من المشاهد كانت تعمل كتقنية التركيز (focus) في العدسة أثناء التصوير، فأنت كمصور تأخذ اللقطات التي تشعر ملائمتها لمنظورك فمن خلال عدسة كريس تنقل لك كمشاهد تفاصيل أحاسيسه المخالفة ومراحل تطور حالته النفسية ليس هذا فقط بل أيضا تم استخدام فكرة فلاش الكاميرا الذي يعمل بشكل عام لتوضيح الشيء المظلم ليظهر ساطعًا، والفعل المظلم المريع الذي تستخدمه عائلة روز للوصول لفكرة الاستحواذ والسيطرة وكان هذا الاستخدام عبقري من خلال مشهد تصوير أندرو لوجان كينج، واحد من ضيوف حفلة تجمع أصحاب عائلة روز السنوي، بالإضافة لنوعية التصوير التي يستخدمها كريس وهي تصوير (chrome) الأبيض والأسود تعتبر مرآة لتعكس رسالة وفكرة الفيلم، فتقديم شخصية كريس كمصور كانت عبقرية ومؤثرة في تقديم حبكة الفيلم.

مشهد تجمع أصحاب عائلة روز السنوي يعتبر عمود مهم في تشكيل فكرة الفيلم؛ من خلال الشخصيات العديدة التي تمت دعوتها، فتتعرف على تفكير ومنظور المجتمع في الوقت الراهن ويظهر أيضًا هدف كل شخصية من التعرف على كريس. فجوردن بيلى أراد ان يلفت إنتباه المشاهد لما سوف تتطور إليه الأحداث فرسم مسرح كبير وقدم شخصيات كتير ليوضح نواياهم وتحمسهم لمعرفة تفاصيل غريبة لصديق روز فى إطار عائلى تمويهى ليتحول التجمع لمزاد علنى بشكل لعبة جماعية لكن تكتشف ان هذا المشهد يوضح بشكل بارز فكرة السيطرة والإستغلال فكريس بالنسبة لهم سلعه مهمة من يستطيع الفوز بها يستطيع السيطرة وإثبات الذات ، هوس يتحول لمرض عقلى يتسلسل ليصبح ناقوس خطراً يهدد حياة كريس، حياة عرق ، حياة مجتمع.

أداء دور كريس من قِبل الممثل دانيال كالويا كان مميز جدًا وأثبت براعته فى تشكيل ملامح وتعابير وجهه لتقديم الحالات الشعورية المختلفه التى مر بها خلال الفيلم. فأنت كمشاهد ينتابك نفس شعور كريس من خوف وقلق وتوتر وعدم راحة، فهذا يؤكد نجاح دانيال فى تقمص دور شخصية كريس بحرفية وكان عامل مهم فى نجاح الفيلم. من المشاهد المميزة التى ابرزت كاريزمة دانيال مشهد التنويم المغناطيس لوالده روز لكريس فى المكتب. مشهد جسِد فية دانيال لمخاوف دفينة جعلت شخصية كريس سجين لها منذ الطفولة مشلول الحركة لا يستطيع المقاومة فإستخدمت والده روز ميسى هذة المخاوف للسيطرة على عقل ووعى كريس لتستخدمه كما تريد فى المستقبل. يعتبر المخاوف القديمة لكريس مثال تجسيدى للتاريخ الأسود للعنصرية التى عانت منها طبقات معينة فى المجتمع الأمريكى فأصبحت كشبح سيطر على وعى كريس وجعلته سجين او بمنظور اعمق واوسع جعلت المجتمع مهما إظهار تحرره من قيود العنصرية الا ان تاريخها يهيمن كشبح على تفكير العديد من الأجيال المختلفة فتصبح مركز ضعف يدخل منه الإستغلال. أداء دور روز من قِبل الممثلة أليسون ويليامز كان جميل وعفوى أتقنت فى تقديم الشخصية الخادعة التى تلونت لتصل لهدفها او هدف عائلتها للإستحواذ على كريس. على الرغم من تجسيدها دور الفتاة البيضاء لكن كانت تمثل الجانب المظلم الداكن للعرق البشرى المجنون بفكرة السيطرة والإستغلال فتم تحويل الادوار بشكل رمزى مجازى ليوضح المظهر الخادع.

نقطة مهمه تناولها المخرج وهى رمزية إسم الفيلم "الخروج" ، فكرة الخروج يمكن توضها بمستويات مختلفة وهما فكرة خروج العنصرية والاستغلال من المجتمع كمستوى اوسع وأعمق والمستوى الأخر خروج جسدياً من قهر عائلة روز وأخيرا خروج الوحش من داخل كريس. جوردان لا يريد ان يظهر بشكل مباشر مدى ضعف العرق داكن البشرة لكن يريد ان يوضح ان تكرار عملية الاستحواذ والاستغلال سوف يترتب عليها تأثير لا يمكن السيطرة عليه فمن خلال عائلة روز ظهر مدى أهمية استخدام العرق الأخر ليعمل كإطار يتميز بقوة جسدية وعقلية يمكن أن تغير بها واقعهم، فبجهل منهم تم عكس فكرة السيطرة والقوة لتنقلب عليهم وينجحوا في إطلاق الوحش المدفون داخل كريس كصورة جديدة للسيطرة والقوة التى لا تستطيع التحكم بها فتتحول لأداة تدمر كل شىء كان السبب فى قهر واستغلال النفس.

الفيلم يمثّل اتجاه مختلف لتقديم نوعية الرعب بل أثبت أن فكرة الرعب لا يجب أن تكون بشكل دعائي فقط، لكن بتناول فكرة مهمة تمثل اتجاه مجتمع وتوضيح فكرة القمع العقلي والفكري، التي من الممكن أن تكون غير ظاهرة، لكنها مستحوذة على عقليات الكثير في المجتمع بطريقة غير مباشرة. فالفيلم أوضح رسالة أن الرعب الحقيقي يكون في العقل فهو مفتاح لإطلاق القوة والسيطرة عليها.

وصلات



تعليقات