Logan... وداع مثالي لأسطورة ستظل خالدة

  • نقد
  • 06:30 مساءً - 29 نوفمبر 2017
  • 1 صورة



تستمر شركة "مارفيل" بالتعاون مع شركة "تونتيث سينتشوري فوكس" في تقديم أفلام "رجال إكس" منذ عام 2000 وحتى الآن من دون انقطاع، وفي مستهل عام 2017 قدمت إلينا تلك الشراكة فيلمها الأخير الذي يحمل عنوان "لوجان" لعشاق السلسلة كمكافأة لهم على متابعتهم الدؤوبة، ليبلغ عدد أفلام السلسلة الشهيرة حينها الرقم عشرة، فبجانب التسعة أفلام الصافية لرجال إكس لا يمكن تناسي فيلم "ديدبول"، فهو الإبن الشرعي للسلسلة، ولكن إذا أردت وصف أكثر دقة فيمكننا أن نطلق عليه الإبن العاق للسلسلة، لأنه أول من خرج عن الإطار العائلي، والآن ينضم إليه فيلم "لوجان"، وكأن شركة "مارفيل" استطابت الأمر متطلعة إلى إيرادات لا يمكن للأفلام العائلية تحقيقها.

لكن بصرف النظر عن التصنيف غير العائلي لفيلم "لوجان"، نظير كمية الألفاظ الخادشة للحياء التي لا حصر لها، بجانب مشاهد العنف والدماء التي تسبب التوتر، إلا أن الفيلم هو مثال حي لشركة انتاج سينمائي تفكر خارج الصندوق، شركة قررت اتباع منهج مختلف عما كانت تتبعه من قبل، وعما تتبعه باقي الشركات التي تقدم هذا النوع من الأفلام، هذه الطريقة في التفكير هي السبب المباشر للنجاح المستحق الذي حققه الفيلم من الناحيتين المادية والجماهيرية، بالطبع يكفي أن تضع اسم "لوجان" على عنوان الفيلم لتحقيق ايرادات ضخمة وأنت معصوب العينين، لكن النجاح الجماهيري لن يأتي إلا إذا شعر المتلقي بقيمة العمل الحقيقية.

جيمس مانجولد، مخرج العمل وكاتب فكرته، خرج عن النص وخالف المعايير المحددة سلفًا لأفلام الأبطال الخارقين باعتماده الرئيسي على لغة العواطف، وهي لغة غير دارجة في مثل هذا النوع من الأفلام، فستكون مخطئًا إذا اعتقدت أنه فيلما اعتياديًا من أفلام "رجال إكس" المستهلكة، و"لوجان" يأتي من وقت لآخر ليغرس مخالبه في رؤوس كل من هب ودب من أعدائه، بالتأكيد هناك مشاهد عنيفة تصل لدرجة البشاعة، لكن ليس هذا ما يدور حوله الفيلم، حتى مع كثرة مشاهد الأكشن لم أشعر بأنني أشاهد هذا النوع الدموي من الأفلام، بل كانت الكلمة العليا هنا للقصة التي تحمل بين طياتها عمقًا دراميًا وترسم لمن يشاهدها مناخًا سوداويًا كئيبًا، في توازن مثالي وغير مسبوق بين العنف الدامي والدراما الحزينة.

"لوجان" هو فيلم مبني على قصة مصورة "كوميكس" تحت عنوان "Old Man Logan"، نحن الآن في عام 2029، لم يتبقى من مئات المتحولين الذين تعرفنا عليهم في الأجزاء السابقة سوى ثلاثة أشخاص فقط، الأول هو "لوجان" الذي يحمل عنوان الفيلم اسمه، تقدم به العمر كثيرًا في هذا الجزء، وجهه يحمل نظرات جادة وقسمات حادة، لكنها تظل جذابة، يعيش في عزلة محاولًا أن يقضي ما ستمنحه له الحياة من أيام بعيدًا عن المشاكل التي يبدو بأنها مصرة على ملاحقته أينما ذهب، يبدو عليه الضعف البدني بالرغم من الافتراض السائد عن كونه خالد غير قابل للموت، حتى أنني شاهدته بأم عيني يتم قتله عشرات المرات في الأجزاء السابقة، وبطرق مختلفة، وفي كل مرة كان يعود أقوى مما سبق، لكن يبدو بأنه فقد الكثير من قدراته التحولية، خاصة قدرته على شفاء نفسه التي تتقهقر كلما تقدم عمره، وأعتقد بأن الفضل في ذلك يعود للجنرال "سترايكر"، الشخصية الشريرة من فيلم السلسلة لعام 2009، عندما قام بتجنيد "لوجان" في فريقه، ولتحقيق أقصى استفادة منه، قام بحقن عظامه بمادة الأدمانتيوم، لينتج عنها مخالب فولاذية تجعل عمليات الذبح أكثر سهولة، لكنها تبقى مادة سامة تحول بينه وبين استخدام قدراته بنفس الدرجة من الكفاءة مع مرور الزمن.

الشخص الثاني هو "بروفيسور إكس" صاحب موهبة الوصول إلى عقول الآخرين، ما زال يملك تلك الموهبة لكنه لا يتمكن من السيطرة عليها بعد أن أصبح كهلًا في سن الشيخوخة تنتابه نوبات ذهنية من وقت لآخر تصيب كل من حوله بشلل تام وألم شديد، ويبدو بأن أحد تلك النوبات هي من قتلت جميع المتحولين بدون إدراك منه، ولولا الرعاية الطبية التي يتلقاها من "لوجان" ويساعده فيها "كاليبان"، المتحول الثالث المتبقي على قيد الحياة، لساءت الأمور أكثر من ذلك، وبالرغم من أن القصة المصورة الأصلية تلقي باللوم على "لوجان" في قتل جميع المتحولين، عندما كان يحاول حمايتهم من هجوم وهمي من الشرير "ميستريوس"، فذبح أصدقائه عوضًا عن أعدائه، إلا أن المخرج يريد إظهار غير ذلك.

بشكل عام، إذا تمعنت النظر في أعمار هؤلاء المكافحين الثلاثة ستعتقد حينها بأن السلسلة راقدة تحتضر على فراش الموت، لكن شركة "مارفيل" لن تسمح بذلك أن يحدث، لأنها ببساطة لم تكتفي بعد من الأموال التي مازالت تدرها السلسلة، لذا تداركت الأمر سريعًا، وقامت بتصعيد مجموعة من الناشئين ذوي المواهب التحولية إلى الفريق الأول للعمل، فمن خلال أحد مراكز البحوث الأمريكية بمدينة ميكسيكو، تم تخصيب أرحام بعض الفتيات المكسيكيات بسوائل عدد من المتحولين القدامى الذي تصادف أن يكون من بينهم "لوجان" لينجب لنا المتحولة الجميلة "لورا"، فهي تمتلك نفس قدراته مع بعض الإختلافات البسيطة في كونها تمتلك مخلبين في كل ذراع بدلا من ثلاثة بجانب مخلب يخرج من قدمها يميزها عن والدها.

هيو جاكمان قدم عبر فيلم هذا العام أفضل وأعمق أداء له منذ بداية رحلته مع "رجال إكس"، معلنًا بوضوح وضع نهاية لمشواره الفني مع شخصية لوجان التي منحها ما كانت تحتاجه من تبجح وتعجرف طيلة هذه السنوات، ليقرر الاكتفاء أخيرًا بعد أن عثر على الفيلم الذي غرس فيه مخالبه قبل أن يخلعها ويسلمها إلى شركة "مارفيل" التي ستقع في ورطة كبيرة عند بحثها عن بديل له على نفس المستوى، أما باتريك ستيوارت فهو ناظر مدرسة الموهوين ومؤسسها، منح شخصية "البروفيسور إكس" ما كانت تحتاجه من وقار ورزانة، "جاكمان" و"ستيوارت"، هؤلاء العجزة الذين كانوا يقومون بحماية العالم من الأشرار في الماضي، قررا أخيرًا الاكتفاء والتقاعد عن العمل مع رجال إكس، لكنهما يظلا عملاقي السلسلة بلا منازع، والسبب الرئيسي لمتابعة الجماهير لها طيلة هذه السنوات، فلترقد أرواحهما في سلام.

لكن في الوقت الذي تغلق فيه السلسلة الصفحة الخاصة بأيقوناتها القديمة، فانها تفتح صفحة جديدة مع الموهبة الواعدة دافني كين، فتاة تمتلك نضجًا سينمائيًا كبيرًا بالرغم من أن عمرها لم يتجاوز أحد عشر عامًا أثناء التصوير، اتسمت بالثقة بالنفس رغم ظهورها بجانب أشخاص سيطرت طولًا وعرضًا على أحداث السلسلة، قدمت الأداء الجسدي الذي يتطلبه العمل على أكمل وجه، فهي تمتلك مهارات جيدة من الفنون القتالية، لكن الطبيعة الدرامية للفيلم طالبت الفتاة بأداء عاطفي لا يقل براعة عن نظيره الجسدي، وبالفعل كانت في الموعد، رغم أن السيناريو اعتمد لها لغة الصمت تقريبًا في أغلب المشاهد، إلا أنها لم تحتاج إلى حوارات كثيرة لتثبت موهبتها، وتمكنت بعيونها البريئة من التعبير عن مشاعرها وردود أفعالها بصورة أعمق وأشد تأثيرًا مما كانت ستصفه سحر الكلمات، ولا تنسى بأنها منحتك مخالب جديدة لتتابعها، وهذا سبب كافي لتحبها.

ولأن الفيلم الحلو لا يكتمل أحيانًا، فهناك بعض العيوب التي أزعجت قلمي، إذ أن الفيلم يلقيك في منتصف مكان ما حيث تتسائل ما الذي أتى بي إلى هنا فلا تجد اجابة لتضطر أن تستكمل رحلتك مع الفيلم، محاولا الاستمتاع به من دون منغصات، أيضا من العيوب المخيبة للآمال هنا هو سيناريو الفيلم الذي لم يفصح عن معلومات أو تفاصيل كافية عن الجانب الشرير، فأصبحت شخصياته مهمشة من فرط الإهمال، لدرجة يصعب معها الشعور بتلك الشخصيات أثناء المشاهدة أو تذكرهم لاحقًا.

لم يرق لي أيضًا أسلوب حشر شخصية ما داخل الأحداث رغمًا عن أنف الفيلم لغرض ما ثم إهمال تلك الشخصية بعد أن يأخذ المخرج حاجته منها، هذا الاسلوب كان من الممكن تقبله إذا كنا نمتلك عدد ضخم من الشخصيات كعادة تلك النوعية من الأفلام، لكن هذا الفيلم بالتحديد يمتلك عدد محدود من الشخصيات خاصة المتحولين، لذا وجب على المخرج انتقائهم بعناية شديدة، وهنا أتحدث عن شخصية "كاليبان"، حيث أنه لم يكن المتحول ذو الأهمية من قبل، فهذا التواجد هو الثاني للشخصية بعد ظهوره الغير ملفت في فيلم العام الماضي، لكنه بدأ فيلم هذا العام بقوة، ظهر كثيرا في البداية وكان يساعد في رعاية البروفيسور عندما يكون "لوجان" في مهمة توصيل أحدهم بالخارج، ومع مرور الوقت اتضح بأن إحضاره للفيلم لم يكن إلا لاستغلال الموهبة التعقبية التي يمتلكها في تعقب "لوجان" وابنته بعد أن أجبره على ذلك الشرير "بيرس"، ليتجاهله المخرج تمامًا بعدها ثم يقتله في أحد المشاهد حتى ينتهي من عبء ظهوره مرة أخرى.

إن لم أكن مخطئًا، "لوجان" هو الفيلم الأفضل في سلسلة "رجال إكس" حتى الآن، فيلم استثنائي مثل هذا لابد وأن يحمل مكانة بين ضلوع عام 2017، لكن هل يستطيع "لوجان" تحقيق المعادلة الصعبة ويتم ترشيحه كأول فيلم أبطال خارقين لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم سينمائي، شخصيًا لا أعتقد ذلك، لكن لننتظر ونرى.

وصلات



تعليقات