مديرة المركز السينمائي التونسي: عصر الدعم المباشر للأفلام انتهي

  • حوار‎
  • 08:42 صباحًا - 3 ابريل 2018
  • 4 صور



مساء 21 مارس الماضي شهدت تونس افتتاح أكبر مجمع ثقافي في أفريقيا، المدينة الثقافية التي تضم ثلاثة مسارح، متحف للفنون المعاصرة ومركز وطني للكتاب، ومؤسسات ثقافية مختلفة منها بيت الرواية وبيت الشعر ومنتدى تونس الدولي للحضارات، بخلاف فضاءات متنوعة للإنتاج والتمارين. لكن الأهم بالنسبة لمحبي السينما أن المدينة احتضنت منذ لحظة افتتاحها التجمع السينمائي الأهم في تونس، والذي يتضمن مقر المركز الوطني للسينما والصورة، مقر أيام قرطاج السينمائية، مجمع سينمائي من ثلاث صالات تتسع إلى 350 و150 و100 مقعد، بالإضافة للمشروع الأهم: السينماتك التونسي، المكتبة التي تضم أرشيفًا كاملًا للسينما التونسية منذ نشأتها، وتنظم يوميًا عروضًا متنوعة ولقاءات مع مخرجين عالميين وغيرها من الأنشطة التي ستغير الكثير من شكل الثقافة السينمائية في تونس.

لا ينفصل هذا عن النهضة التي تعيشها السينما التونسية، والتي رصدنا تفاصيلها في مقال سابق اضغط هنا. وإذا كان المقال السابق تطرق لدور صناع السينما الأفراد في هذا الحراك، كان لا بد من الرجوع للجهة الرسمية الداعمة للنشاط، المركز الوطني للسينما والصورة الذي التقيت بمديرته شيراز العتيري، الأستاذة الجامعية في علوم المعلوماتية والتي تملك مشروعًا متكاملًا للسينما التونسية تعد أن تبدأ ثماره في التحقيق في غضون عام واحد.

لقرابة الساعة دار هذا الحوار في مكتب مديرة المركز الجديد داخل المدينة الثقافية، لتكشف لنا فيه الكثير من التفاصيل عن تطويرات نظام الدعم وعمل السينماتك وغيرها من أوجه السينما وثقافة الصورة في تونس..

توليتِ إدارة المركز الوطني للسينما والصورة في مرحلة حساسة من تاريخ السينما التونسية الآخذة في التطور على المستويين الكمي والكيفي. عدد المخرجين يتصاعد وهناك نشاط وحضور دائمين في المهرجانات الكبرى. كيف تلقيت قرار التعيين وما منهجك للتوازن بين متطلبات العمل الرسمي واحتياجات صناع الأفلام؟

بالفعل توليت المهمة في لحظة تغير كبير في المشهد السينمائي التونسي، الذي صار يضم لأول مرة ثلاثة أجيال: كبار المخرجين والمنتجين، الجيل الجديد الآت بفلسفة مختلفة وخطط إنتاجية مغايرة وموضوعات مختلفة لم تكن تُطرح من قبل الثورة التونسية وحرية مكتسبة لا أعتقد أن أي حكومة قادرة أن تنزعها من الفنانين مرة أخرى، وجيل ثالث بينهما يعاني من بعض التذبذب بين الجيلين. أتيت وهدفي لمّ الشمل، ووضع أهداف عامة لصناعة تشهد تقدم ملحوظ. في أيام قرطاج السينمائية الأخيرة شاهد الأفلام 286 ألف شخص، هذا رقم يخبرك بقدر الإقبال والشغف والجوع للسينما. إذا أضفنا مؤشرًا آخر هو أننا حاليًا لدينا فيلم تونسي جديد يخرج للقاعات شهريًا، وبعضها شديد الجرأة لدرجة عرضتنا مثلًا لبعض الانتقادات بسبب فوز فيلم وثائقي تونسي يتناول المثلية الجنسية بجائزة في مهرجان قرطاج. هذا الحراك لا بد وأن يجبرك على عمل توازن بين الكم والكيف.

وضعت لمّ الشمل شعارًا، وبدأت في خلق قنوات تواصل مع الأجيال المختلفة للسينمائيين، أن نجلس لنتناقش سويًا في قضايا السينما مهما كانت الاختلافات، بهدف واحد نتفق عليه جميعًا هو النهوض بالسينما التونسية، وضمن مشروع رئيسي هو مراجعة النصوص القانونية التي تحكم النظام السينمائي وتنظيم آليات العمل، ومنها الاتجاه من الدعم المباشر إلى سياسة الاسترجاع، إلغاء الرقابة والاستعاضة بنظام التصنيف العمري. كل هذا نقوم به بمشاركة نقابة المنتجين وجمعية المخرجين ونقابة التقنيين السينمائيين. وانتقال مقر المركز مؤخرًا لداخل مدينة الثقافة الجديدة استمرار لهذا الحراك والسعي بأن تكون المدينة هي "دار السينما".

هل من الممكن أن توضحي بشكل أكبر التغيير في سياسة الدعم نحو الاسترجاع لمن لا يعرف الفروق بين النظامين؟

حتى لحظتنا هذه المركز يقدم دعمًا مباشرًا للمشروعات المختارة بما يوازي 35 بالمائة من الميزانية المقدمة، على أن يعود للمركز بعد سنتين حق استغلال الفيلم في العروض الثقافية غير الهادفة للربح دون حق الاستفادة في عروض تجارية. التغيير يهدف لتحقيق هدفين: الأول ضمان الشفافية لأن البعض يقدم ميزانيات مُضخمّة ليحصل على مبلغ يفوق نسبة ال35%، وهو أمر لا يمكن التحكم فيه في ظل عدم وجود رقابة مباشرة على عملية التصوير. هذا مال عام تحاسبني الدولة عليه في نهاية الأمر ولا بد من مراقبة أوجه إنفاقه.

الهدف الثاني هو تنظيم قطاع التوزيع وبالتحديد العلاقة بين الموزع وصاحب القاعة، العلاقة التي تفتقر لأي أرضية قانونية تنظمها في تنوس. سنقوم بتطبيق نظام محكم للقاعات ينقل البيانات فورًا للمركز بعدد التذاكر المباعة والإيرادات التي حققها كل فيلم، حتى لا يغالطنا أي منتج بأرقام غير مراقبة تقول بأن فيلمه حقق إيرادات أقل من الواقع. هذا يتماشى أيضًا مع سياستنا في توسعة النطاق الجغرافي لصالات السينما، وتشجيع المستثمرين على إنشاء وإعادة افتتاح قاعات جديدة في كل أنحاء الجمهورية.

أضف لكل هذا أن كل البلاد التي تحترم نفسها لم تعد تتعامل بشكل الدعم المباشر وإنما الشراكة الإنتاجية. حالة البلاد لا تتحمل الدعم غير المشروط بدون المشاركة في الأرباح. مع التأكيد على أن النظام لن يبدأ في مشاركة الأرباح إلا بعد استرجاع المنتج لكافة أمواله في البداية ثم المشاركة فيما يزيد عنها. وأنا متأكدة أن هذا النظام لن يأت للدولة التونسية بدينار واحد لمدة عشرين سنة، لكنه يؤسس لنظام مهني محكم سيظهر مردوده الحقيقي في المستقبل. الشراكة هنا تحمل المعاني الرمزية لتنظيم العلاقات والعمل بشفافية لاحترام مال الدولة، والتأكد من إنفاقه داخل الفيلم. مال الدولة ليس سائبًا وليس كما يقول المثل التونسي "رزق الباي ليك". ستجتمع لجنة الدعم مرتين في العام ويتم إعلان معايير التقييم والاختيار بشكل واضح للجميع، وسنساعد الأفلام في عملية التوزيع كنوع من الدعم.

توزيع الفيلم التونسي خارجيًا وفي المنطقة العربية تحديدًا هو بالفعل هدف يجب العمل على تحقيقه. كيف سيدعم المركز التوزيع؟

لدينا تحدٍ كبير يتعلق بالتوزيع الخارجي، الأفلام لا تُباع خارجيًا لأسباب تتعلق باللهجة والترجمة. ألتقيت بإدارة مركز السينما العربية وسنوقع اتفاقية يتم من خلالها ترجمة الأفلام التونسية للعربية الفصحى، وسيقوم المركز بدعم توزيع الأفلام التونسية في الخارج بمساعدة مركز السينما العربية وتقييم ما ستسفر عنه هذه الشراكة.

هذا قرار جرئ في ظل كون المخرجين القدامى رفضوا أكثر من مرة ترجمة الأفلام للعربية باعتبارها ناطقة بها بالأساس.

لا يزال بعضهم يرفضون الفكرة، ووجدت الحل في أنني ببساطة سأطلق دعوة لكل المخرجين الراغبين في ترجمة أفلامهم ودعم توزيعها في العالم العربي، من يرغب فليتقدم ومن يرفض لا يفعل. هي مبادرة ومحاولة لدعم توزيع الأفلام في المنطقة، والمنتجون الذين عقدوا اتفاقات مماثلة مع مركز السينما العربية كانت تجربتهم مرضية وتم توزيع الأفلام بالفعل، لماذا إذن نرفض الفكرة من أساسها؟

ننتقل لمشروع السينماتك أو المكتبة السينمائية، المشروع الرائع الذي تم إنجازه في زمن قياسي، أعلنتم عنه يوم 7 نوفمبر الماضي خلال مهرجان قرطاج، لتفتتحوه 21 مارس التالي. لا أعتقد أن العمل بدأ بالإعلان فهذه فترة قليلة جدًا لإنجاز أرشيف سينمائي.

بدأنا العمل من عام بالظبط، في مارس 2017 تولى هشام بن عمّار مشروع السينماتك. المركز الوطني للسينما والصورة لديه استقلالية مالية وإدارية، لكن المشروع تحرك سريعًا بسبب إيمان وزير الثقافة محمد زين العابدين للفكرة وحماسه لها. منحنا الوزير الدعم التام لإنشاء المكتبة السينمائية والمقر الجديد للمركز الوطني مما ساهم في تسريع الخطوات.

لديكم في مصر مشروع عمره تجاوز العقود لإنشاء مكتبة سينمائية، تناقلته أجيال من مثقفين سينمايين مؤمنين بضرورة امتلاك الوطن لذاكرته السينمائية، لكن التوجه العام للدولة لم يساعدهم في تحقيق هذا الحلم. ما حدث في تونس بعد 2011 هو أن المجتمع المدني قرر بشكل جماعي إنه لم يعد من الممكن الصبر على ما هو ضروري ولازم لتأكيد صورة تونس الجديدة. لا يجوز التهاون عندما يتعلق الأمر بذاكرة تونس ومنها ذاكرة الصورة والسينما. عقدنا شراكة مع المكتبة الوطنية لحفظ الأرشيف، نسقنا كل شيء مع الوزارة، وبدأ فريق كامل العمل بالتعاون مع مكتبات سينمائية شريكة في تولوز وبولونيا وميلانو لرقمنة الأفلام. اخترنا كلاوديا كاردينال تونسية الأصل لتكون موضوع أول برنامج عروض للسينماتك.

كنا نعمل حتى الرابعة صباحًا لكنه مشروع لابد وأن يتم دون انتظار. لا يجوز أن تكون السينما تنهض وتتحرر ونحن نصبر على امتلاك الذاكرة. وضعنا تحدٍ لأنفسنا وحققنا، وهذه عمومًا هي الطريقة التي أعمل بها. الآن مثلًا، أضع لنفسي سنة من الآن يكون بعدها برنامج المركز كامل وواضح ومستند إلى نصوص قانونية مصدق عليها من البرلمان ومنشورة في الجريدة الرسمية، وقتها أكون قد أكملت مهمتي وأعود للعمل في الجامعة.

هناك تخّوف لمسته لدى بعض السينمائيين التونسيين تجاه السينماتك، بل تجاه مشروع مدينة الثقافة بشكل عام، هو الخوف من أن تؤثر الميزانية الكبيرة اللازمة لتسيير هذه الصروح الكبرى على وفاء وزارة الثقافة بالتزماتها تجاه الفنانين، كأن يؤثر إنفاق السينماتك مثلًا على دعم الأفلام. ما رأيك؟

لا توجد أدنى علاقة بين الأمرين. ميزانية المركز الوطني للسينما والصورة مقسمة لبنود الدعم أحدها، لا نملك أن نأخذ ولو دينار واحد ونضعه في وجه إنفاق آخر. حتى نهاية 2018 لدينا ميزانية مخصصة من قبل الوزارة لتأسيس السينماتك وبرمجته وتسييره. قبل أن تنتهي هذه الفترة وفي شهر أغسطس المقبل سأذهب لمناقشة ميزانية المركز الجديدة، التي تعلم وزارة المالية إنها ستتضمن بندًا جديدًا اسمه المكتبة السينمائية، والتي بدورها من المستحيل أخذ أي مبلغ منها وتخصيصه للدعم. لدى الجميع الحق في التخوف على مصالحه بالطبع، لكنني أوكد أن الأمر لا يدعو للقلق.

لديك اهتمام واضح بعمل شراكات مع المراكز السينمائية المختلفة سواء في الدول العربية أو الأوروبية، هناك تعاون معلن مع المركز الفرنسي والمغربي والجزائري، وآخر قيد التوقيع مع المركز المصري وغيرها، ما أهمية هذا التوسع في الشراكات؟

بشكل عام وفي أي مجال أو تخصص، أي مشروع تخنقه بالمحلية وترغب في تصميمه ليكون على قياسك أنت في الحقيقة تحكم عليه بالموت. عليك أن تفخر بمشروعك وتطمح في وضعه على المعيار الدولي. إذا كانت صناعتك ضعيفة تنغلق على نفسك وتخشى الخروج للعالم، لكننا نمتلك سينما تونسية نفخر بها، بتاريخها وصناعها ومن ناضلوا في سبيلها، لا يمكنني أن أتناسى كل هذا وانغلق بالمركز على نفسه وعلى السوق المحلي، بل ينبغي أن ننفتح على آفاق كبيرة تفوق الحدود الجغرافية. بدأنا بالجيران المغرب والجزائر، والأقرب لنا مصر، وشراكات أخرى مع فرنسا والأردن وألمانيا وإيطاليا وحتى الأرجنتين التي يجمعنا بها تقارب ثقافي انتهى على تنظيم ملتقى الإنتاج المشترك اللاتيني العربي في تونس خلال أيام قرطاج السينمائية المقبلة. لدينا علاقات وطيدة بسفارات المجموعة الفرانكوفونية ولا زلنا نتوسع بمزيد من الشراكات. أؤمن أن نجاح أي مشروع يرتبط بإخراجه من سجن المحلية خاصة إذا كان لديك ما تريه للآخرين وتفخر به أمامهم.

أخيرًا، قرار الاهتمام بإنشاء قسم جديد في المركز الوطني يتعلق بالإبداع الرقمي والبرمجة والألعاب، هل يرتبط بخلفتيك كأستاذة جامعية في علوم الاتصال والمعلوماتية؟ وما قيمة هذا القسم؟

استحداث قسم جديد بالمركز يهتم بالإبداع الرقم والترانس ميديا لا يرتبط كثيرًا بكوني أستاذة جامعية في علوم الاتصال أقوم بتدريس موضوعات مقاربة، وإنما يرتبط أكثر بمتابعتي للسوق التونسية التي تمتلك عددًا كبيرًا من العقول المميزة في هذا المجال. شركات كبرى فرنسية وأوروبية تأتي وتستعين بالمهندسين والمبرمجين التونسيين، لماذا أترك هذه الخبرات ليستفيد بها الغير؟ لدينا أكثر من 30 "ستارت آب" لمشروعات رقمية سنويًا، من أفلام ثلاثية الأبعاد ووثائقيات إلكترونية وألعاب، هذا مجال موجود بالفعل وناجح في تونس، لماذا أغض النظر عنه؟

إذا لم تنظم سوق العمل لهذه العقول فمن حقها الهجرة للبحث عن فرصة أفضل. كما أن لدينا علاقة وطيدة وصندوق مشترك مع المركز السينمائي الفرنسي، وهم يملكون قسمًا مناظرًا. امتلاك قسم كهذا صار تطورًا طبيعيًا لأي مركز يريد أن يكون مواكبًا لتطورات العصر في صناعة الصورة بشكل عام. في سبتمبر 2019 سننظم "دي جي سي أفريكا"، أكبر مؤتمر للإبداع الرقمي في القارة، لنربط المواهب في هذا المجال من كافة أرجاء القارة الأفريقية بدول الشمال وحوض البحر المتوسط.


وصلات



تعليقات