نور وعاطف .. الشريف والطيب... رحلة فنية بدأت مع «سائق الأتوبيس» وانتهت بـ «ليلة ساخنة»!

  • مقال
  • 12:17 مساءً - 27 ابريل 2018
  • 9 صور



في لقاء مع نور الشريف، عندما كان يسكن منطقة المهندسين، تطرق الأمر للحديث عن ابنتيه سارة ومي، وقال لي متبرعاً دون أن أساله: "عمري ما ندمت لأني لم أنجب صبياً"، فكرة التعلق بأمل الخلود لا تزعج المبدعين، لأن المبدع حظه أفضل من غيره، لأن إبداعه وما تركه من أعمال كفيلاً بتخليد اسمه، هل يحتاج نجيب محفوظ لابن يُخلد ذكراه؟، إنه ترك للتاريخ عشرات الروايات مليئة بالشخصيات التي لا يٌمكن أن تُنسى، وسوف تظل وثيقة الصلة بمبدعها حتى نهايه العمر؟، من يمكن أن ينسى "محجوب عبد الدايم"؟، أو "نفيسة بداية ونهاية"؟، أو "علي طه"، و"عاشور الناجي"؟، كلها شخصيات سوف تعيش أجيال بعد إختفاء مبدعها؟، كما عاش "هاملت" و"ماكبث" و"عطيل" رغم وفاة شكسبير من 400 عام!، ثم يستطرد وهو يضحك،هو حد يعرف شكبير عنده عيال ولا لأ؟

  • كان نور الشريف الذي سوف نحتفل بميلاده في الثامن والعشرين من إبريل، من أكثر نجوم عصره ثقافه وإتزاناً، وقدرة على تحليل الأمور ومعرفة موقعه بين النجوم وتحديد قدراته ومواطن قوته أو ضعفه، وكان يدرك أن الفنان إذا لم يتسلح بالثقافة المتنوعة، فتلك بداية لنهايته، ولذلك كان حريصا على المتابعة والقراءة ومشاهدة الأفلام من كافة الجنسيات، والأهم من ذلك إنه كان يملك مشروعا فنيا يقوم على معادلة موضوعية، وهي أن أي ممثل مهما بلغ حجم موهبته فهو في حاجة إلى مخرج مبدع يجيد اختيار النصوص التي يقدمها صاحب رؤية ومثقف يستطيع أن يكتشف أبعاد تلك الموهبة ويوظفها بأفضل الطرق!، ولذلك كان نور الشريف حريصاً على تدعيم الخطوات الأولى لمجموعة من المخرجين الشبان أصبحوا بعد ذلك هم نجوم سنوات السبعينيات والثمانينيات وما بعدها. -

بدأ نور الشريف حياته الفنية بشخصية كمال عبد الجواد أحد أبطال ثلاثية نجيب محفوظ، وجاء اختياره للمشاركة في فيلم "قصر الشوق" عام 1966 نتيجة لتوصية من عادل إمام الذي اقترح اسمه على المخرج حسن الإمام، بعدها أصبح اسم الممثل الشاب نور الشريف يمكن الرهان عليه، وشارك في عدد ضخم من الأفلام متباينة المستوى، واشتهر بشخصية الفتى العاشق المستهتر قدمها في أكثر من فيلم ولاقت صدى، ولا بأس به، وكانت مرحلة ما يسمى الانتشار هي مرحلة من الإرتباك كادت تطيح بمستقبل نور الشريف تماما، حيث اسرف في الاستهتار بمواعيد التصوير وإصابة بعض الغرور نظرا لحداثة سنه، ولشهرته المفاجئة، وهي مرحلة قدم فيها أفلاما سقطت من ذاكرته هو شخصيا لم يجن منها إلا بعض الأموال وفرصة السفر لبيروت لتصوير أفلام مع بعض حسناوات لبنان، منها فيلم "شروال وميني جيب!!"، وكان من بطولة جلاديس أبو جودة التي عرفناها باسم "حبيبة"، بمشاركة ناهد شريف وبعض نجوم لبنان، لكن الفشل المتلاحق لتلك النوعية من الأفلام كان بمثابة لطمة قاسية للنجم الشاب الذي ادرك أن مستقبله في خطر، فقرر أن يعيد صياغة مستقبله ويهتم بعمله إلى حد الإسراف في الإلتزام واحترام المواعيد، وقبل أن يسبق اسمه بعض النجمات اللائي يتمتعن ببعض الشهرة، فقد كان في أمس الحاجة أن يصعد السلم على مهل، وفي هذا السياق، وقبل أن يشارك نيللي وشمس البارودي وسهير رمزي أفلاما تجارية يلعب فيها دور العاشق، ضربة الحظ جاءته مرة أخرى عندما اختارته ماجدة الصباحي ليشاركها بطولة فيلم "السراب" المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ وأخرج الفيلم أنور الشناوي، وقدم نور في "السراب" شخصية شاب مأزوم نفسياً يُعاني من "عقدة أوديب" مما يجعله يفشل في علاقته الحميمة مع زوجته الشابة!، ربما كانت شجاعته في قبول الدور طوقا للنجاة، خاصة أن كثير من الممثلين الرجال يحرصون على تقديم أدوار تؤكد فحولتهم الجنسية وتميزهم في هذا المجال، لكن نور لم يهتم إلا بالتأكيد على كونه ممثل للأدوار الصعبة المُعقدة التي لا يجيدها غيره، وكان قد وضع نصب عينيه أن هناك منافسين من النجوم الشباب بدأوا يطلون برؤوسهم، وبعضهم أصبح يسبقه في ترتيب النجومية، مثل محمود ياسين الذي كان "فتى الشاشة الأول" في سنوات السبعينيات بدون منافسة تذكر من بقيه رفاقه، خاصة بعد أن شارك الفنانة شادية فيلمها "نحن لا نزرع الشوك" للمخرج حسين كمال، ثم إزداد نجمه صعوداً بعد أن شارك فاتن حمامة بطولة "الخيط الرفيع". - من مميزات نور الشريف أنه يجيد تقييم مسيرته وتحليل كل خطوة فنية يقوم بها، ويدرك تماما متى يتراجع للخلف خطوات ومتى يستعد للقفز مرة أخرى ليعوض المساحة التي خسرها أثناء تراجعه، المهم أن يظل متواجدا على الساحة وبين قائمة النجوم الجدد، سواء كان ترتيبه الثاني أو الثالث، لكنه وضع نصب عينيه ألا يأتي ترتيبه الرابع بأي حال من الأحوال، لذلك لم يعتمد كثيرا على الحظ، وبدأ يسعى لإختيار الأفضل من الأفلام وفق قيمة المخرج، وربما كان فيلم "السكرية" مع حسن الإمام فرصة جيدة للتحدي رغم أن الفيلم كان يزخر بالنجوم من الأجيال الراسخة أو الجديدة، لكن على أي حال كان دور "كمال عبد الجواد" المثقف المهزوم على جميع الأصعدة، فرصة جديدة للتأكيد على عمق موهبة نور الشريف الذي كان يلعب في منطقة يصعب أن ينافسه فيها أي نجم آخر، وأزدادت المنافسة بعد دخول حسين فهمي حلبة الصراع على النجومية، خاصة أنه يمتاز بملامح مختلفة تؤهله لأداء شخصية الشاب الوسيم حلم الفتيات، وجاء نجاحه صارخا بعد مشاركته في فيلم "نار الشوق" مع صباح وابنتها هويدا، ثم "خللي بالك من زوزو" الذي استمر عرضه أكثر من عام في دور السينما، وأدرك نور أنه لا قبل له بمنافسة حسين فهمي في نوعية الأدوار التي تعتمد على الشكل، لكنه في نفس الوقت أدرك أن إمكانياته كممثل تتيح له أن ينافس محمود يس، ويتفوق عليه أيضا!، وكان سبيله إلى ذلك التعاون مع المخرجين الجدد ويدعم مسيرتهم، بل قرر أن يخوض تجربة الإنتاج ليقدم مع سمير سيف أول أفلامه كمخرج في فيلم "دائرة الإنتقام" المأخوذ عن رواية "الكونت دي مونت كريستو" لألكسندر دوماس،

وجاء نجاح الفيلم لافتاً للأنظار وحقق المعادلة الصعبة ونال إعجاب كل من الجماهير والنقاد، وكان أول فيلم حركة يلعب بطولته نور الشريف، الذي قرر أن يكمل مسيرة "الملك"! و"الملك" هو الفنان الرائع فريد شوقي الذي كان يحمل لقب "ملك الترسو"، نظراً لنجاحه في تقديم أدوار ابن البلد الشهم قوي البنية الذي يحقق العدالة بطريقته الخاصة، وينتصر للحق وينال من الأشرار نتيجة قوته البدنية، وهي أدوار تثير إعجاب الطبقات الشعبية من جمهور سينما الدرجه الثانية والثالثة، لكن فريد شوقي نجح في نفس الوقت بتقديم مجموعة من الأدوار الكوميدية، بعضها إعادة لأدوار لعبها نجيب الريحاني في مسرحياته، ثم جنح إلى الأدوار الإنسانية الميلودرامية، مثل "وداعا يا صديق العمر، مضى قطار العمر، البؤساء" وغيرها، وقد ربطت الصداقة بين "الملك" والممثل الشاب نور الشريف الذي كان يطيب له أن يستمع بحرص وإهتمام لتجربة فريد شوقي في عالم السينما، وكيف يقفز بين الأدوار المختلفة ويقدمها ببراعة مع حرصه على أختيار ما يناسبه وفقا للمرحلة العمرية التي يمر بها، لذلك ظل "الملك" محافظأ ومحتفظاً بمكانته السينمائية طوال عمره، وتوفى وهو يحمل لقب "الملك"! ولذلك قرر نور أن يلعب الأدوار الشعبية، وفي نفس الوقت يقدم الشخصيات التي تحمل صفات إنسانية مُركبة، ولا مانع من تقديم الأفلام الكوميدية التي تعتمد على إجادة رسم الموقف دون "فرسكه"، لأنه كان يدرك دون سواه أنه لا يحمل مواصفات الكوميديان كما كان يقدمها عادل إمام الذي جاء من آخر الصفوف وقفز بسرعة صاروخية وأصبح نجم النجوم متفوقا على الجميع ومحدثا حالة ارتباك واضحة في ترتيب النجوم! • بدأت مرحلة الثمانينيات وقد تأكد للجميع أن خريطة السينما قد تغيرت تماما مع وجود جيل جديد من النجوم ومن المخرجين، وظل نور على ثقة بأن عامل الإنقاذ والحفاظ على مكانته لن يكون ألا من خلال مخرج موهوب ومبدع ولديه رؤية، فكان أول لقاء له مع المخرج محمد خان في فيلم "ضربة شمس" الذي كان إستمرارا لنجاح نور في أدوار الحركة، مضافا لها بعض الغموض والإثارة،

وخاصة وأن محمد خان يعشق التصوير في الشوارع وفوق الكباري، وقد لعبت كاميرا سعيد شيمي دورا كبيرا في نجاح الفيلم وتميزه بصرياً، لكن لسبب ما لم يكن أي منهما خان أو نور لديه خطة للتعاون مجدداً، حيث لم يقدما معاً بعد ذلك إلا فيلم "الرغبة" المأخوذ عن الفيلم الأمريكي "جاتسبي العظيم"، الذي لعب بطولته روبرت ريد فورد، لكن النسخة المصرية التي قدمها خان باسم "الرغبه"، ولعب بطولتها نور الشريف ومديحة كامل لم يكن يرقى للمقارنة، وحتى لم يتمكن من النجاح الجماهيري ولا التجاري، وكان إعلانا عن نهاية التعاون بين نور وخان الذي وجد ضالته ونموذجه المفضل مع أحمد زكي فقدم له "طائر على الطريق" و"أحلام هند وكاميليا" و"دعوة على العشاء" و"زوجة رجل مهم" وأخيرا "أيام السادات"! • أما نور فقد وجد ضالته مع المخرج عاطف الطيب الذي أصبح أهم مخرجي جيله، وأكثرهم غزارة في الإنتاج، وجودة الأفلام، وكان يشترك مع نور في إهتمامه الشديد بالنص السينمائي والقضايا الإجتماعية ذات البعد السياسي، ولم تكن تجربة عاطف الأولى "الغيرة القاتلة" تبشر بالخير، فالفيلم معالجة باهتة وضعيفة لمسرحية "عطيل" لويليام شكسبير، ورغم فشل الفيلم الذي لعب بطولته نور الشريف ويحيى الفخراني ونورا، إلا أن نور لم يفقد إيمانه بالمخرج الشاب، بل قرر أن يدعمه ويشارك في فيلمه التالي، الذي أصبح بعد ذلك من أهم علامات السينما المصرية في حقبة الثمانينيات!، الفيلم يقدم نقدا سياسيا واجتماعيا لسياسة الإنفتاح الإقتصادي التي ميزت عصر السادات، وجاءت بعد نصر أكتوبر الذي استغله البعض في تحقيق الثراء الفاحش، وبداية انهيار القيم المصرية الأصيلة التي تقوم على تقاليد وسلوكيات الطبقة الوسطى.. قدم نور شخصية "حسن سلطان" سائق الأوتوبيس الشاب الذى لا يزج بنفسه في المشاكل ويتغاضى عن وجود سارق في العربة التي يقودها، لكنه يكتشف أن اللصوص تزايد وجودهم في المجتمع مع تقلبهم في أشكال عدة، ويبدأ وعيه يتفتح عندما تعرضت ورشة والده (عماد حمدي) للخطر نتيجة تراكم الديون عليه، مع زحف شراء الأثاث الجاهز مما أدى إلى أزمات متلاحقة في تجارة الأخشاب وقلة العمل وهجرة العمال إلى الخليج، ويحاول "حسن" مساندة والده حتى لا يتم بيع ورشة النجارة التي يعيش عليها، وكانت يوما مصدر رزق الأسرة كاملة، ويلجأ إلى شقيقته (نبيلة السيد) التي تعيش مع زوجها في بورسعيد ويعملان في تجارة الأدوات الكهربائية والسلع الاستهلاكية، لكن لا يجد لديهما أي نية في التعاون لإنقاذ الورشة، وفي رحلة البحث عن وسيلة للإنقاذ يكتشف "حسن" أن المجتمع المصري أصابه داء السعر والرغبة في الثراء السريع بأقل قدر من الجهد، ولو حتى كان هذا الثراء بمثابة القفز على أكتاف الفقراء والمحتاجين ودهس لكل القيم الإنسانية، ولم يجد "حسن" العون إلا مع زملاء دفعته في الجيش الذين شاركوا في حرب 73، ومع إستعادة ذكريات روح أكتوبر في مشهد من أهم ما قدمه عاطف الطيب في فيلمه "سواق الأوتوبيس"، يجتمع الزملاء بعد طول فرقة وتكون خلفيتهم الأهرامات - عنوان الحضارة المصرية الخالدة - ليتم النقاش وطرح القضية للبحث عن مخرج لإنقاذ الورشة التي ترمز إلى مصر، وينتهي الفيلم بالمشهد البديع الذي فيه يطارد سواق الأوتوبيس أحد اللصوص ويتعقبه وهو يصرخ فيه وفي كل من يسرق أقوات الناس قائلا: "يا ولاد الكلب"! • دخل عاطف الطيب باب النجاح وحفر اسمه في ذاكرة السينما المصرية بتقديمه لمجموعة من أهم الأفلام المأخوذة عن روايات لكبار الأدباء، على رأسهم نجيب محفوظ في "الحب فوق هضبة الهرم" الذي لعب بطولته أحمد زكي، و"أبناء وقتلة" بطوله محمود عبد العزيز، ثم عاد ليقدم نور الشريف في فيلم "قلب الليل"، وهو من أعقد روايات نجيب نجيب، ونسج له السيناريو محسن زايد، وشارك في البطولة فريد شوقي ومحسنة توفيق، وقدم نور شخصية مثقف مدعي يبحث عن النجاح وتطارده عقدة الاضطهاد ويرفض أراء النقاد الذين لم يأمنوا بموهبته، بل سخروا منه، ويزداد شعوره بالمؤامرة على وجوده حتى يصاب بلوثة عقلية تدفعه لقتل أحد النقاد!، ورغم روعة الفيلم فنيا ألا أنه لم يحقق أي نجاح تجاري، وتاه الجمهور في تفسير بعض رموزه، خاصه الشخصية التي قدمها فريد شوقي، وهذا ما اصاب المخرج عاطف الطيب بحالة من الاحباط، وأعلن أنه كان يراهن على المثقفين لكنهم خذلوه ولم يدافعوا عن الفيلم، ومع ذلك لم يكن عاطف يملك رفاهية الإحباط أو اليأس.

وقدم مع نور فيلم "الزمار" الذي لم يصب حظا من النجاح، ولم يتاح له العرض التجاري العام نظرا لخلاف بين المنتج وشركات التوزيع نتيجة دين سابق على المنتج فتم حجب الفيلم، ليتم عرضه في شرائط فيديو بعد ذلك، وكانت تجربة فيلم "ناجي العلي" تستحق أن يكتب عنها حكايات، فقد تحمس نور لتقديم شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي عاش يقاوم بريشته من خلال شخصية "حنظلة"، التى ابتدعها، ومن خلالها كان يطرح نقدا لسياسات الحكام العرب الذين انصرفوا إلى معاركهم الداخلية تاركين شعب فلسطين يعاني مذابح يومية وهمجية، والغريب أن حياة ناجي العلي انتهت بإغتياله بأيدي بعض الفصائل، ولم يتم معرفة الفاعل، وتفرق دمه بين الفصائل المتقاتلة!، وقدم عاطف ونور مستوى فني متميز جدا في الفيلم دفع سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي في ذاك الوقت لاختيار فيلم "ناجي العلي" ليكون فيلم افتتاح المهرجان، حيث نال اعجاب النقاد الذين أشادوا به وإحتفوا بكل المشاركين فيه، وبينهم نور ومحمود الجندي، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث قام البعض بمهاجمة الفيلم وبطله الذي ناله النصيب الأكبر من الهجوم تحت زعم أنه قام بتجسيد شخصية ناجي العلي رسام الكاريكاتير الذي كان يدين اتفاقية "كامب دافيد" مصورا إياها على إنها نكوصا وتراجعا عن انتصار أكتوبر وبيع للقضية الفلسطينية!، وتم منع تداول الفيلم على شرائط الفيديو، لكن الأمور تبدلت عندما تغيرت الوجوه الحاكمة، وعاد لفيلم "ناجي العلي" إعتباره، لكن بعد مرور سنوات على تاريخ إنتاجه!

• قدم عاطف مع نور فيلما أراه من أهم ما قدماه معا، وهو "ضربة معلم"، الذى كتب له السيناريو بشير الديك، وفيه يقدم نور شخصية ضابط شاب يحقق في قضية قتل يتورط فيها ابن أحد أصحاب السلطة المتنفذين (كمال الشناوي)، والذي يسخر كل طاقاته ونفوذه ليضمن لابنه القاتل السلامة والهرب من المساءلة القانونية، ويحاول أن يجبر الضابط الشاب على تبديل محاضر التحقيق، ويلبغ من جبروته محاصرة قسم الشرطه وتهديد الضابط الشاب صراحة، لكن الضابط ينجح ببعض الدهاء من قلب الدفة والخروج من المأزق مع إحكام القبض على المجرم الشاب رغم حماية والده، الفيلم شارك في بطولته شريف منير وسميرة محسن.

• في عام 1989 قدم عاطف الطيب فيلمه "كتيبة الإعدام" عن سيناريو لأسامه أنور عكاشة، وأحداث الفيلم تدور في أجواء من الغموض والإثارة والطرح السياسي لعملية سرقة لمرتبات بعض العاملين في مدينة السويس أثناء فترة حصارها من قبل العدو الإسرائيلي، وينجح أحد الخونة في الاستيلاء على حقيبة المرتبات ويسهل للعدو اغتيال وقتل رجال المقاومة، ويتهم "حسن عز الرجال"، وهو الناجي الوحيد من عملية القتل، بسرقة حقيبة المرتبات، ويعجز عن اثبات براءته، فيتم محاكمته وحبسه وتلاحقه تهمة الخيانة، وبعد مرور سنوات وخروجه من السجن يسعى للانتقام والبحث عن من أوقعه في هذا الفخ، وينضم إليه عناصر أخرى تشاركه البحث عن الخائن الحقيقي، ويكون الجميع كتيبة مهمتها الانتقام وتنفيذ القصاص، الفيلم شارك في بطولته معالي زايد وممدوح عبد العليم وشوقي شامخ مع نور، وحقق نجاحاً تجارياً وفنياً ملحوظاً.

• أما فيلم "دماء على الأسفلت" فكان واحدأ من أهم الأفلام التي جمعت الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب ونور الشريف، وهو مثل معظم أعمال أسامة، يقوم على النقد الاجتماعي والسياسي، وإدانة أوجه الفساد التي أصبحت مثل السوس الذي ينخر في أعمدة الشخصية المصرية ولا يتركها إلا بعد أن تتهاوى، حيث يعود "دكتور ثناء - نور الشريف" من الخارج - حيث كان يعمل في موقع مميز لإحدى المنظمات الدولية بالخارج وهي "اليونسكو" - وعند عودته يفاجأ بتبدل أحوال أشقائه، وإنهيارهم أخلاقيا نتيجة عجز الأب عن تلبية إحتياجات أسرته، خاصة بعد زواجه من أخرى وأنجاب مزيد من الأبناء، ويحاول "دكتور ثناء" أن يلملم شمل الأسرة ومعالجة انحراف أشقائه، لكنه يكتشف إنهما سقطا في بئرا بلا قرار، إحدهما (طارق لطفي) المتورط مع شبكة لتجارة الهيروين ولا يستطيع التراجع، أما شقيقته فتدعي إنها تعمل في فندق سياحي وحقيقة الأمر إنها تعمل بالدعارة، وتنتهي حياتها بصورة مفجعة، ويدرك "دكتور ثناء" أنه تأخر كثيرا لإنقاذ عائلته، وكان الفيلم أول مشاركة لطارق لطفي الذي تنبأ له النقاد بمستقبل فني كبير، ونال حسن حسني جائزة التمثيل من المهرجان القومي للسينما عن دوره في الفيلم. • في عام 1995، وقبل أشهر قليلة من وفاته، قدم عاطف الطيب آخر أفلامه مع نور الشريف، وهو "ليلة ساخنة"، عن سيناريو لرفيق الصبان، وفيه يقدم نور شخصية سائق تاكسي يمر بليلة عاصفة في محاولة لجمع مبلغ من المال لاجراء جراحة لحماته، لكنه يمر بكثير من الأحداث الغريبة في تلك الليلة التي صادفت أن تكون رأس السنة، حيث الصخب والضجيج، وخروج الناس للسهر في الملاهي وأماكن اللهو، ويصادف سائق التاكسي امرأة تبيع جسدها مضطرة (لبلبة)، وتستغل رغبه الساهرين في قضاء أوقات متعة، لكنها تتعرض للمهانة من أحد الزبائن الذي يسرق مالها ومصوغاتها، فتستقل سيارة التاكسي كي تلحق بالسارق، الذي يذهب للسهر في أحد الملاهي بشارع الهرم، وتمر هي والسائق بمواقف ومغامرات معقدة تقرب المسافة بينهما، حيث يكتشف كل منهما الجانب الإنساني في الآخر، وتنتهي الليلة بموقف لم يخطر ببال أحدهما، حيث يتم القبض على السائق للتحقيق معه في جريمة لم يرتكبها، بينما تحتفظ المرأة بحقيبة نقود تمكنت من اخفاءها عن عيون رجال الشرطة حتى تكون عوضا لها عن سنوات شقاء عاشتها في مهانة، وذلك بعد أن تعد السائق الشهم بانتظاره بعد خروجه من التهمة التي إلتصقت به زوراً، وكتب الفيلم بداية جديدة للبلبة التي قدمت شخصية فجرت طاقات لم يكن أحد غير عاطف الطيب ملتفت إليها، ويمر الفيلم بشخصيات ومواقف عدة في زمن محدود لا يزيد عن عدة ساعات تفصل منتصف الليل عن فجر اليوم التالي، وهو من أروع أفلام عاطف، وأكثرها إكتمالأ ونضجا فنيا، وكان ختاما يليق بمكانته في السينما المصرية، حيث لم يمهله القدر أن يكمل فيلمه "جبر الخواطر" الذي لعبت بطولته شريهان، وتم الإنتهاء من تصويره ومونتاجه بعد وفاة مخرجه، فجاء مثل جنين مبتسر! • أما نور الشريف فقد أكمل مشواره السينمائي، وقدم مجموعة من الأفلام، أكثرها أهمية "المصير" مع يوسف شاهين، وهو الفيلم الذي شارك عام 1997 في مسابقة مهرجان "كان"، وشارك في بطولته محمود حميدة وليلى علوي، وكان بداية انطلاق هاني سلامة، وقدم نور شخصية العالم والفيلسوف العربي ابن رشد، ولم تكن مشاركات نور التي تلت "المصير" تناسب المكانة الفنية التي وصل إليها، فقرر أن يدخر جهوده لمسلسلات التليفزيون، وقدم من خلالها مجموعه من الأعمال الناجحة، كان آخرها "الدالي"، ثم أقعده المرض لفترة من الوقت، وقبل وفاته أقنعه المخرج الشاب أمير رمسيس بالعودة لشاشة السينما من خلال فيلم "بتوقيت القاهرة"، وقام بتصوير الفيلم وهو في حالة هائلة من الإعياء، لكن حالته الصحيه كانت مناسبة لشخصية رجل يمر بأزمة صحية ومصاب بحالة "زهايمر" ومع ذلك يقرر البحث عن المرأة التي رافقته رحلة حياته قبل أن تفرقهما الظروف، الفيلم طاف عدة مهرجانات محلية وعالمية، وشارك في بطولته ميرفت أمين وسمير صبري، والغريب – والذي يستحق التأمل - أن نور الشريف كان قد بدأ رحلته الفنية مع فيلم "قصر الشوق" الذي شاركته بطولته ميرفت أمين وسمير صبري، وكان فيلم النهاية أيضا بمشاركة ثلاثتهم! بعد رحلة مع الفن استغرقت 48 عاما، حقق نور الشريف في نهايتها ما كان يربو إليه من البداية، فقد كان حلمه أن يظل نجماً لآخر يوم في عمره، ولا تنحسر عنه الأضواء طالما كان قادراً على التنفس، وقد كان له ذلك.

تم نشر المقال في مجلة "أخبار النجوم" بتارخ 4/26/2018 3:32:34 PM




تعليقات