"حرب كرموز" فكرنا لما كُنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة

  • نقد
  • 09:15 مساءً - 17 يونيو 2018
  • 9 صور



لماذ يقف فيلم حرب كرموز في مقدمة أفلام العيد، محققاً أعلى الإيرادات؟ رغم أن بطله أمير كرارة كان يقابل جمهوره يومياً ولمدة ثلاثين يوما، من خلال مسلسل كلبش 2 الذي تم عرضه في رمضان؟ الإجابة تكمن في التفاصيل، بعضها يمكن استيعابه والبعض الآخر من النفحات الإلهية التي يخص بها الله بعض الفنانين فيتألق نجمهم ويحظون بتأييد الجماهير، طالما كانت لديهم الموهبة والذكاء في فك شفرة ذائقة المتفرج وتطوير الأداء من حين لآخر، وفي الحقيقة أن نجاح "حرب كرموز" له أكثر من سبب، أهمها يخص المخرج وكاتب السيناريو بيتر ميمي، الذي قفز قفزات واضحة خلال أقل من ثلاثه أعوام، ولا يهم هنا تأثره بالسينما الأمريكية، فكل مخرج في العالم لابد وأن يكون قد تأثر بمن قبله، والمهم أن ينجح بعد فترة في أن يخلق لنفسه شخصية فنية مؤثرة، بيتر ميمي من هواة أفلام الحركة "الأكشن" ويعتمد على تيمات مضمونة، ويشتغل عليها بعناية، ويختار فريق عمل مناسب بعضه يحقق درجه كبيرة من التحدي، وجود أمير كرارة سبب منطقي آخر لنجاح حرب كرموز، وذلك بعد خفوت شعبيه السقا وكريم وأحمد عز في أفلام الأكشن، ولم يبق على الساحة إلا أفلام محمد رمضان الذي صنع فجوة بينه وبين جمهوره بتصرفاته الاستفزازية، المهم أن الطريق أصبح مُعداً ومُهيئاً لنجاح كرارة، كنموذج جديد لسينما البطل الشعبي، ولانستبعد ثراء الإنتاج النسبي من أسباب النجاح.

تعود أحداث حرب كرموز إلى فترة الأربعينيات من القرن العشرين أثناء خضوع المملكة المصرية إلى الاستعمار البريطاني، وتبدأ الحكاية في المنطقة الشعبية لمدينة الإسكندرية وفي حي كرموز بشكل خاص، حيث تتعرض فتاة إلى الاغتصاب من بعض الجنود الإنجليز، مما يثير مروءة وكرامة بعض الشباب الإسكندراني، لإننا في هذا الوقت "كنا رجالة وبنقف وقفة رجالة" ولم يكن مألوفاً ولا مقبولا في هذا الزمن أن يلقى الناس اللوم على الضحية، ولا يتساءل "نطع" وهى إيه اللى وداها هناك! ينتهي الشجار بين الشباب الإسكندراني وبين العساكر الإنجليز المغتصبين بمقتل طرف من هنا وطرف من هناك، وطبعا يثور الجنرال الإنجليزى لمقتل أحد رجاله، ولا يهتم مطلقا بأن القتيل مجرم آثم ومغتصب، المهم ينتهي الأمر في قسم كرموز، حيث يساق الشباب الإسكندراني، ويزج بهم في الحجز انتظارا للحكم عليهم، ولكن مأمور السجن البكباشي يوسف المصري"كرارة" المشهور بجدعنته وقسوته في الحق، يقرر حماية الشباب الإسكندراني بعدما تأكد من نبل موقفهم، بل يرفض تسليمهم للجنرال الإنجليزي، وهنا يتصاعد الموقف ويهدد الجنرال الإنجليزي باقتحام قسم كرموز ودكه بالمدافع على من فيه، إذا لم يستسلم الجنرال المصري ويقوم بتسليم الشباب، ويتم حصار مبنى القسم، بقوات مدججة بالسلاح والدبابات، ولكن يكون بين المحتجزين في القسم شقيق الجنرال الإنجليزي الذي اتخده يوسف المصري رهينة، وفي نفس الوقت قام باطلاق سراح جميع المحتجزين خوفا على حياتهم إذا بدأت المعركة،

وهذا يذكرنا إلى حد ما بما حدث في الواقع مع مأمور قسم الإسماعيلية، الذي رفض الإذعان لعنجهية الجيش البريطاني، وقاوم هو ورجاله حتى النفس الأخير في معركة تاريخية أصبحت موعدا للاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير من كل عام، وقد تكون حدوتة حرب كرموز من وحي خيال مؤلفها ولكن هناك ملامح من قصص وحكايات شعبية بعضها حدث بالفعل، وميزة الفيلم من وجهة نظري إنه يذكرنا بما كنا عليه من شهامة وجدعنة وكبرياء وكما قال محمود المليجي: "كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة"، وينقسم الموقف إلى فريقين داخل قسم كرموز بعض المحتجزين منهم عزت الوحش "محمود حميدة" وهو ضابط سابق تم عزله استعدادا لمحاكمته لرفضه تنفيذ الأوامر، ولص شقق يحمل لقب عصفورة لخفة حركته في صعدود مواسير العمارات "مصطفى خاطر"، وعاهرة تنتظر الحصول على رخصتها "غادة عبدالرازق" بالإضافة لمجموعة من العساكر والضباط المصريين الذين قرروا البقاء مع الجنرال يوسف المصري والدفاع بإستماتة عن القسم، مهما كانت النتائج،ومعهم الشبان المتهمين بالدفاع عن شرف الفتاة التي تم اغتصابها.

أفلام الويسترن الأمريكي قدمت عشرات الحكايات عن الكاوبوي الذي يتحدى عصابة من الأقوياء ويلتف حوله من يرفضون الظلم، ويحدث صدام مسلح بين الطرفين ويتطاير الرصاص في سماء المدينة ويسقط القتلى ويتحقق العدل، ويختفي الكاوبوي أو يذهب من حيث أتى دون أن يتمتع بكونه بطلاً المهم إنه يحقق العدالة وينتصر للضعفاء ثم يختفي.

يعتمد حرب كرموز على معادلات درامية مقبولة ومتوقعة، كأن يقوم اللص المحترف عصفورة"مصطفى خاطر" بتصرف بطولي ويعرض نفسه للموت من أجل حماية القسم ومن فيه، العاهرة المحترفة تحاول إثبات إنها إنسانة ولها موقف من الحياة عندما تواتيها الفرصة ،الضابط المصري "فتحي عبدالوهاب" يتصرف بما يمليه عليه ضميره الوطني رغم احتمالات تعرضه لعقوبة الإعدام ، ومثل ما جاء في نظرية "جريفيث السينمائية" وهى الإنقاذ في اللحظات الأخيرة تنتهى أحداث "حرب كرموز".

أما عيوب الفيلم الواضحة فكانت في ماكياج الجروح والدماء الصناعية الواضحة للعين، مما يفسد جدية أى مشهد قتال، الشكل النمطي الكاريكاتوري الذي ظهرت عليه غادة عبدالرازق، هو يعني كل عاهرة لازم تلبس أحمر في أحمر؟؟ ثم أهم نقطة ضعف في الفيلم يطرحا هذا التساؤل هل كان الجيش الإنجليزي بأسلحته وعتاده ودباباته في حاجة لضابط مجنون "سكوت أدكنز" كي يقاتل في صفوفها؟ بالإضافه لأن القتال بطريقه الكونج فو والكيك بوكسينج لم يكن مطروحاً ولا مألوفا في سنوات الإربعينيات من القرن العشرين!

حرب كرموز فيلم حركة جيد الصنع ،من عناصر جودته الفنية سيناريو منضبط إلى درجة كبيرة،يضم مناطق توتر وإنقلابات درامية ومفاجآت محسوبة النتائج وقصص بطوله منطقية بلا مبالغات بالإضافة إلى حركة الكاميرا والمونتاج، واستخدام الموسيقى لتصعيد حدة التوتر، وكان لوجود محمود حميدة أثره الإيجابي في كل مشهد يظهر فيه حتى لو كان صامتاً، مصطفى خاطر يكسب أرضا مع كل عمل يشارك فيه، وقد نجح في تقديم شخصية اللص الشريف الذي يمكن أن يعرض نفسه للقتل في سبيل قضية يؤمن بها، ولكن عليه مراقبة حجمه لأنه قابل للزيادة بشكل ملحوظ، مشاركة مميزة جدا من فتحي عبدالوهاب وبيومي فؤاد وأحمد السقا، محمد على رزق، ومحمد عز أداء جيد بلا مزايدة ولا افتعال، وجه فؤاد شرف الدين المتجهم الخال من التعبيرات اختيار جيد من المخرج لتقديم الجنرال الإنجليزي، الأدوار النسائية هزيلة للغاية لم تزد عن الصراخ والانفعال الزائد عمال على بطال، في فيلم هروب اضطرارى كان وجه أمير كرارة يتصدر جانب من الأفيش ويحتل مساحة معقولة من الأحداث، ومع حرب كرموز يحتل وجهه الأفيش كاملا مع الخواجة سكوت إدكنز الذي لم يكن لوجوده أى إضافة أو قيمة في الحدث، وأعتقد أن الفيلم إضافة لشعبية كرارة يحتاج أن يدعمها ويثقلها بأدوار متنوعة بعيدة عن مواصفات شجيع السيما لإنها أدوار تحقق شهرة ونجاحاً ممكن أن ينطفىء في زمن قياسي.


وصلات



تعليقات