Mission: Impossible - Fallout.. الخلطة التشويقية الناجحة

  • نقد
  • 06:22 مساءً - 26 يوليو 2018
  • 2 صورتين



من المعروف أن سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة" تتمتع بجاذبيّتها بين جمهور السينما وخصوصيتها بين صنف أفلام الأكشن والجاسوسيّة، فهي جنبًا إلى سلسلتي "بورن" و"جيمس بوند" دائمًا ما يوضعون في صفٍ واحدٍ لعقد مُقارنات بينهم. شخصيًا أرى أفلام "المهمة المستحيلة" تقف بعيدًا قليلًا عنهم لما بها من عنصر خفة الظِل والكوميديا، في المُقابل تجد سلسلتي بورن وبوند يغلُب عليهِما جديّة المواقف، وقَتامة السيناريوهات. وفي الحين الذي ينظر صُنّاع السلسلة إلى خلق (توليفة) أو (خَلطة) من نوعٌ ما، تحوي عناصر جذب وموتيفات مُعيّنة يصبّونها في كل أفلامهم (لعل أبرزها هو إبقاء العامل التشويقي هو عنصر الجذب الأول أثناء المُتابعة)، يبقى السؤال المكرر عند إنتاج كل جزء جديد: هل ستنجح الخلطة من جديد؟

الجزء الأحدث والذي يملك عنوان (Fallout) يُصرّ على إبقاء للسلسلة بريقها، ويرفع التحدّيات مع نفسهُ، بل ويرغب بأن يكون الفيلم المفضّل بين الأفلام الستة لدى عشاق هذه السلسلة.. ويفعل هذا بكل حرفيّة ممكنة لديه دون أن يبخل في ذرّة مجهود، والنتيجة: تجربة صيفية قليلٌ عليها كلمة "رائعة"!

القصة هذه المرّة تدور حول مهمة تلعب على وتر ماضي شخصية "إيثان هانت" بالجزء الثالث وهو زوجته السابقة "جوليا". والمهمة هي ايجاد ثلاث أحجار من البلاتينيوم يرغب الرجل اﻹرهابي "سولومون لين" (شون هاريس) -الذي يحلّ للمرة الثانية على التوالي شرير فيلم "المهمة المستحيلة"- أن يلوث بها أحد منابع اﻷنهار الرئيسية في منطقة "كشمير" بالهند، لتسميم ثُلث سكان اﻷرض الذين -وبحسب فلسفته- يجب على شخصٌ ما أن ينقذهم عبر شقائهم ومعاناتهم.

سيناريوهات هذه السلسلة شبه متطابقة تقريبًا؛ هناك حبكة مطاردة لاهثة، وهناك "مهمة محددة" ستنجح في النهاية على اﻷرجح. لذا، اﻷمر كله يتعلق بطريقة خلق اﻷجواء -التشويقية- والمناورات وتتابعات الحبكة، وكيفية الانتصار هذه المرّة. الاشتباكات، المعارك، قتالات اﻷيدي، اﻷسلحة، السيارات، الدراجات النارية.. إلخ.

هناك حركة ذكية للغاية جاءت في التتر الافتتاحي لهذا الفيلم؛ وهي إظهار معظم -إن لم يكن كل- المشاهد الحركية الجذابة على مدار الفيلم، في مشهد تتري فوتومونتاچي، إذا كان له أية معنىً فهو أنّ القصة ليست هي المهمة هُنا، وأنّه في حالة حَرَقَ أحدهم عليك القصة، لا يجب ذلك أن ينتقص شيئًا من متعة التي أنتَ على وشك التهامها. لا تُسيؤا فَهمي، أنا لا أقصد أن القصة ضعيفة أو شيء، بالعكس (في الواقع هذه المرّة القصة سوداوية قليلًا بكوميديا أقل عن اﻷجزاء السابقة، وتركز على الجانب العاطفي بشخصية "هانت"، ومنذ مشهد الفيلم الافتتاحي)، بل أقصد أنّه وبرغم نمطيّة قصص السلسلة التي يصعب معها مراوغة فكرة أنّك شاهدتها مُسبقًا، إلا أن في هذا الفيلم بالتحديد، ربما الجزئية اﻷبرز في تميُّزه ونجاح (خلطته) تلك، هي أن القصة لا تفقد جاذبيتها أبدًا على مدار عمر الفيلم؛ من ناحية صُنّاع السلسلة لا يودّون الاعتماد الكلي على المشاهد المبهرة بدون التواصل القصصي معها، ومن ناحية أخرى هم لا يرغبون بأن تصبح للقصة أهمية ومكانة عنصر التشويق، بحيث تُصنَّف هذه اﻷفلام في چونر "التشويق واﻹثارة" قبل اﻷكشن/الحركة، وقبل الدراما.. لذا، الخط القصصي عندما يكون هام، هو يكون كذلك فقط ﻹضفاء المزيد من الترقُّب والتواصل والمتابعة بالنسبة للمشاهد الحركيّة.

ربما الثغرة الوحيدة بالفيلم هي اﻹصرار على تكرار سيناريو التلفيق والحيَل التي تنطوي على الشخصيات كما حصل باﻷفلام السابقة، اﻷمر الذي يجعل من جملة "كل شيء يمكن أن يحدث" -بمعناها السلبي- يُفقد قليلٌ من الترقُّب المفترض حدوثه. في العموم هناك مقولة شهيرة أنّه طالما أنتَ تُشاهد فيلمًا روائيًا، لا تُصدِّق ما يحدث أمامَك طالما من المؤكد أنه ليس حقيقيًا، فما بالُك بفيلم حبكته تتلاعب بهذه المقولة؟!

وبالحديث عن الواقعية، هناك أكثر من مشهد مبهر لـ"توم كروز" من المستحيل تصديق أنه ليس حقيقيًا. كروز هُنا يتباهى ويرفع تحدّياته ويُصرّ على اتباع الجنون في العملية التصويرية للدرجة التي تجعل من هذا الرجل -الذي أكمل هذا الشهر عامه السادس والخمسون- يكسر ركبته، ويُعيق تصوير العمل ثمان أسابيعٍ كاملة، ويعود كما لو أن شيئًا لم يكن!. أما "هنري كافيل" فيقدّم أداء طيب هُنا، لا هو به شيئًا مختلفًا أو غير متوقّع، ولا هو متواضع.. أداء مُناسب وجيد.

هل مدة الفيلم طويلة فعلًا؟

بالنسبة لي، أفلام البلوكبوستر اﻷكثر انتظارًا بالعام كحال هذا الفيلم، من اﻷفضل عليّ رؤيتها طويلة المدة عن المعتاد/الساعتين، ﻷنها في حالة كانت قوية، تكون بمثابة ولائم بصرية وتجارب سينمائيّة بالمعنى المُشبَّع للكلِمة. وهُنا الساعتين وسبع وعشرون دقيقة يمضيان كالبرق بفضل إيقاع شديد السرعة والحركة، وتتابعات قوية تتنقل زمنيًا ومكانيًا بشكل يدفع الملل بعيدًا عنها.

سـيـنـمـا الـسـيـاحـة. . .

يبدو أن فكرة تصوير هذا النوع من اﻷفلام -اﻷكثر جماهيريةً- في أشهر البلدان والعواصم اﻷوروبية، أصبحت موضة شائعة؛ فهُنا الفيلم يتنقّل بين بلدان مثل فرنسا، بريطانيا، النرويج، ونيوزيلندا. هذه الفكرة أصبحت مؤخرًا أحد السياسات الترويجيّة الهامة لهوليوود، والتي تجعلها تستقطب المزيد من اﻷنظار ﻷفلامها، فأصبح دائمًا من اﻷفضل التنويع قدر المستطاع من البلدان والقارات اﻷم ﻷبطال العمل. شيء آخر وهو أن معظم المطاردات أصلًا في هذا الفيلم تدور في اﻷماكن السياحية والشوارع والممرات والميادين العامة. اﻷمر الذي يجعل وصف هذه اﻷفلام بالـ"سياحية" ليس ببعيدًا عنها، خاصةً عندما يتقرر وضع العروض اﻷوّلية 'Premiere' لهذه اﻷفلام على هذه اﻷراضي (هُنا تحدث تحت أنظار برج إيڤل بالعاصمة الفرنسية مثلًا). فـ«أهلًا بك إذن في بلادنا، ونتمنى أن تنال إعجابك»!

ماذا عن الـ«3D»؟.. واﻵيماكس؟

كثيرون انزعجوا من كون الفيلم -وللمرّة اﻷولى في السلسلة- سيُصدَر بتقنيّة ثلاثية اﻷبعاد التي لا تكون دائمًا موفقة الاستخدام. يمكننا القول هنا أن الـ3D لم يُقلل من المتعة البصرية -كما يخشى البعض- ولم يُضف كثيرًا أيضًا. للأمانة، هناك مشهدان بالتحديد بالفيلم (أحدهُما لقطة طويلة بسقوط حر من الطائرة) يستحقوا رؤيتهم بالـ3D عن العرض العادي، ولحُسن الحظ فقط، معظم مشاهد الفيلم مُصوَّرة بالفترات الصباحية من اليوم ما يجعل الـ3D يبدو جيد ومُلائم، بشكل يُضيف إلى تجربة الاندماج بعالَم القصة.

أما بالنسبة لاستحقاق مُشاهدته على الشاشة اﻵيماكسيّة العِملاقة من عدمها؛ فإني -وبعد أن شاهدته عليها- أعتقد أن هناك أفضيلة في جانب المؤثرات الخاصة واﻷصوات والموسيقى تحديدًا (الرائعة والملائمة للغاية لجانب القصة السوداوي أيضًا)، لكن ليس الجانب البصري -واﻷهم برأيي- الذي لن يختلف كثيرًا بالمُشاهدة على الشاشة العادية.

(Mission: Impossible - Fallout) هو ساعتان ونصف من المتعة التشويقية المغامراتية والحركيّة التي لا تهدأ، صحيح هو يعود بمعظم طاقم عمل جزءه السابق وعلى رأسهم المخرج "كريستوفر ماكويري"، لكنه لا يصنع فيلمًا مُشابه له أبدًا بل يُضفي عدد من التجديدات الملحوظة والمشاهد المُبتكرة، ويُغيّر في الشكل المعهود للسلسلة، أملًا، ربما، في أخذِها لمنعطفٌ جديدٌ كُليًّا.




تعليقات