"Widows".. ستيف ماكوين يعود بفيلم جريمة أو أكثر قليلًا – خاص من تورنتو

  • نقد
  • 09:39 صباحًا - 12 سبتمبر 2018
  • 3 صور



"جوع Hunger" و"عار Shame" و"12 عامًا من العبودية 12 Years a Slave"، ثلاثة أعمال فقط كانت كافية ليضع البريطاني ستيف ماكوين نفسه ضمن أكثر المخرجين المعاصرين قدرة على التعبير عن أعمق الأفكار بشكل أصيل، ثلاثة أفلام شكلت ما يشبه الثلاثية غير المترابطة التي تجمعها تيمة الصراع بين الجسد والروح، لينهي ماكوين باكتمالها مرحلة من مسيرته الفنية، وتأتي بداية المرحلة الثانية بفيلمه الرابع "أرامل Widows" الذي استضاف مهرجان تورنتو السينمائي الثالث والأربعين عرضه العالمي الأول.

كتب ماكوين السيناريو الخاص بـ "Widows" بمشاركة جيليان فلين التي عرفها العالم بالسيناريو الرائع لفيلم "Gone Girl"، مستندين عن مسلسل بريطاني قديم عرض عام 1983 بنفس العنوان مع تغييرات ضخمة في بناء القصة، ليصيغا نصًا يختلف عن أفلام المخرج السابقة: فيلم جريمة عن ثلاث سيدات يُقتل أزواجهم خلال عملية سرقة، وتصير كل منهن مديونة بمبلغ ضخم لا بد من سداده، لتقررن استكمال ما بدأه الأزواج والقيام بعملية سرقة نسائية جدًا.

ليست مجرد سرقة

الملخص السابق يوحي بأننا نتحدث عن فيلم سرقة على شاكلة أفلام عصابة أوشن، لكن هذا النوع لم يكن ليثير انتباه مخرج بقيمة ستيف ماكوين، الذي أخذ من أفلام السرقات الخط الدرامي العام، وطوّعه لحكي قصة يمكن ربطها بسهولة باتحاد النساء وكفاحهن لنيل حقوقهم. فالنساء الثلاث (الأربعة للدقة لأن سيدة أخرى ستنضم لهن) جئن من خلفيات مختلفة تمامًا، تقودهم المرأة السوداء القوية (فيولا دافيز) التي كانت تعيش أجمل قصة حب مع زوجها الأبيض (ليام نيسون)، الزوجة الهسبانية ذات الأصل اللاتيني (ميشيل رودريجيز نجمة مسلسل Lost) التي قامر زوجها قبل وفاته بمتجر ملابسها وخسره، والشابة المنتمية لما يُسمى النفايات البيضاء White Trash (إليزابيث ديبيكي) التي تدفعها أمها بعد وفاة زوجها العنيف للعمل في الدعارة من أجل مصاريف الجامعة! لاحظ هنا أن السيدات الثلاثة تشكلن اتحادًا على المستويين الإثني والنفسي، فكل منهم أتت من عرق مختلف، تمتلك شخصية مختلفة، لكنهن تتشابهن في توقع العالم منهن ـ والرجال بطبيعة الحال ـ أن يكنّ الطرف السلبي المفعول به سواء في الحب أو حتى ما بعد القتل. بُعد يعمل المخرج عليه ليؤكد باستمرار أن "Widows" ليس مجرد فيلم جريمة آخر، وإنما يحمل وراء حكايته الشيقة مستوى آخر مطروح للتفكير والتأويل، وملائم للحظة الاجتماعية العالمية.

في ذم الفيلم القضية

غير أن ما سبق لا يجعل من فيلم ماكوين الجديد فيلم قضية، صُنع لطرح مشكلات المرأة ووضعها في المجتمع؛ فالحقيقة أن هذا الوصف صار سيئ السمعة من كثرة استغلال القضايا في الترويج لأفلام متوسطة على الأكثر، تلعب في المضمون، وتستغل انشغال الرأي العام بموضوع ما للتكسب ـ الفني قبل المادي ـ من وراءه.

"Widows" بالأساس هو فيلم له طابع جماهيري، يهتم صانعه بوضوح أن يقدم حكاية جذابة للجمهور العريض كما لم يفعل من قبل في سينماه، صحيح أن هذا أفقده الكثير من السمات الشعرية لأعماله السابقة، لكنه وضعه بالفيلم الرابع في مكان جديد اختاره عن عمد، والدليل هو فريق التمثيل المكون بالكامل تقريبًا من النجوم، فبخلاف الأسماء السابقة يجسد شخصيات الفيلم الأخرى كولين فاريل وروبرت دوفال ودانيال كالويا (بطل Get Out المرشح للأوسكار)، بأداء ناجح لكل الممثلين تقريبًا يمكن توقعه دائمًا من ماكوين، الذي يقدم بالمناسبة فيلمه الأول بدون ممثله المفضل مايكل فاسبندر.

القضية إذن في خلفية العمل، يمكن حتى ألا يلتفت لها بعض المشاهدين، مكتفين بالاستمتاع بالقصة التي تنطلق من اللحظات الأولى وتتحرك بإيقاع لاهث لا يُشعرك بطول الفيلم الذي يتجاوز الساعتين بثماني دقائق، بالحوار المكتوب بذكاء حتى وإن احتوى على بعض الجمل المعتادة أو الكليشيهات اللفظية، وبالانقلابات الدرامية التي يأتي على رأسها اكتشاف يظهر في ثلث الفيلم الأخير يقلب الأمور رأسًا على عقب. اكتشاف يمكن أن ننصح كتاب السينما المصرية بالإطلاع عليه من باب إننا إذا استسلمنا لكونهم مهووسين بالانقلاب الدرامي twist، فربما علينا أن نلفت نظرهم لكيفية كتابته بشكل سليم!

فيلم "Widows" سيُعرض في بريطانيا في السادس من نوفمبر، ثم في الولايات المتحدة في 16 من الشهر نفسه، وهو اختيار مواعيد يوحي بثقة منتجي وموزعي الفيلم في إنه سيكون أحد الأعمال المطروحة بقوة للتنافس في موسم الجوائز وصولًا للأوسكار. ثقة يمكننا القول بأنها في محلها.



تعليقات