أسباب تدفعُكَ للتحمُّس والترقُّب لفيلم أحمد عبدالله الجديد "ليل خارجي"

  • مقال
  • 01:51 مساءً - 15 سبتمبر 2018
  • 1 صورة



عادةً في حالة الأفلام المستقلة، صدور الفيلم يأتي أولًا، ومن بعده يتم الاحتفاء والحديث عنه إن كان قويًا ويستحق حقًا ذلك. لكن في فيلم أحمد عبدالله الجديد "ليل/ خارجي"، العكس يحدث؛ فهُناك حالة -ملحوظة جدًا- من الترقُّب والحديث عن الفيلم في أوساط الميديا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بالأشهر القليلة الماضية. المُتابع الجيد للسينما والأعمال المستقلة يعلم أن الحديث عن هذه اﻷفلام يأتي متأخرًا، وأحيانًا متاخرًا جدًا حتى، وهذا بسبب طبيعة هذه الأفلام التي تُنتَج في ظروف إنتاجية متواضعة مُقارنةً بنظام الشركات الكبرى.. لذا، فالدعاية حتى تكون ضئيلة بها، إن وجدت من الأساس.

وهذا إن دلّ على شيء، فهو أن "أحمد عبدالله" استطاع جذب اهتمام الجمهور حوله بعد أن قدّم أربع أعمال روائية جميعها يغلُب عليها التجريب، وأغلبها نال استحسان الجمهور والنقاد. فلَكَ أن تتخيّل أن فيلمًا لم يُصدَر له إعلانًا دعائيًا حتى يتم الحديث عنه وانتظارهُ بهذا الشكل من قبل السينمائيين، فماذا سيحدُث إذن عندما يُصدَر في السينمات المصرية في الشهرين الأخيرين من العام؟

في الكلمات القليلة القادمة، سنقصِد الحقائق، لنخرج بعدة نقاط هامة في رحلة تصوير العمل الجديد لأحمد عبدالله، فإن كُنتَ واحدًا من هؤلاء المتحمسين بشدة لمُشاهدة الفيلم بالفعل، فهذه المقالة تُكتَب لَك..

أولًا: الفيلم معتمد اعتمادًا كليًا في تكاليفه، على مجهودات صُنّاعه..

لا وجود لشركة إنتاج كبيرة وراء الفيلم.. هذا أول شيء. فمرحلة التصوير كاملةً كان التمويل فيها من اﻷصدقاء والمُشاركين في العمل، وبتصوير مُتقطّع كلما توافر المال، وهذا رغبةً من صُنّاع الفيلم -وعلى رأسهم المخرج- في التحدي، وقبول الرهان بخلق ما وصفوه بـ(بديل إنتاجي). وهذا على غير ما حدث في أعمال عبدالله السابِقة، حيث كان إنتاج (هليوبوليس) من قبل المخرج "شريف مندور". وكان فيلمي "ميكروفون" و"فرش وغطا" من إنتاج شركة محمد حفظي (فيلم كلينيك)، بينما فيلمه اﻷسبق (ديكور) أنتجته شركة نيوسينشري والتي خاب أملها بحصد الفيلم ﻷقل من نصف جنيه مصري فقط. لكن هذه المرّة قرر عبدالله بأن يتعاون مع شركة إنتاج "شابة" على حد قوله، هي "حصالة" للمنتجة والمخرجة "هالة لطفي" (التي أخرجت فيلم "الخروج للنهار" بعام ۲۰۱۲). ونفذ إنتاج الفيلم 'Executive Production' من قبل شركة "ديتيلز" للمنتج الفني "محمد جابر".

والجزء التالي من البيان الذي أصدره طاقم العمل:

«ولا يمكن نسيان الدعم الرائع الذي تلقاه الفيلم من مؤسسة غير سينمائية تحمست لهذه التجربة وقررت المساعدة، وهي شركة "كانون" في الشرق الأوسط التي صوِّر الفيلم كاملًا بمعداتها وعدساتها المعدة للسينما. وهكذا أنهينا تصوير الفيلم بدون الحاجة لتدخل أية شركة غير المذكورين (حصالة - ديتيلز - كانون). وشعرنا حقا بأننا نقوم بمحاولة جديدة نفخر بها وقد تثمر عن محاولات مستقبلية تعتمد تجارب إنتاج مشابهة.»

ثانيًا: الفيلم حالة مختلفة جدًا عن أفلام عبدالله السابقة

مَن شاهد أفلام عبدالله السابقة، يعلم وجود هذا الـ(جروب) الذي يعمل معه في معظم أفلامه؛ سواءً من المصور "طارق حِفني" الذي لازم عبدالله في أفلامه الروائية اﻷربعة. أو ممثلين كـ"خالد أبو النجا"، و"عاطف يوسف"، و"هاني عادل" الذين اعتادوا على لعب كاراكترات في أفلامه. هؤلاء جميعًا غائبين في "ليل خارجي"، وقد استعان المخرج بأسماء صاعدة جديدة أثبتت نفسها في أعمال درامية سابقة، وأخرى قديمة غابت فترة عن الشاشة الكبيرة، كـ"دنيا ماهر" (بطلة فيلم الخروج للنهار)، و"كريم قاسم"، و"منى هلا"، و"علي قاسم" و"شريف دسوقي".. وبالتأكيد "أحمد مالِك" الذي تُخبر الكتابات اﻷوليّة للفيلم أنه يلعب شخصية فريدة جدًا من نوعها.

والفيلم حالة مختلفة أيضًا بسبب تولي "أحمد عبدالله" مهمة التصوير اﻷساسية، ليكون بذلك هو مدير التصوير اﻷول بالفيلم (للمرة اﻷولى في أفلامه)، بالتعاون مع المصور "مصطفى الششتاوي". والسيناريو يكتبه "شريف اﻷلفي" وهي المرة الثانية على التوالي الذي يترك فيها عبدالله مهمة التأليف لشخص غيره بعدما اعتاد الكتابة بأفلامه الثلاثة اﻷولى.

ثالثًا: جنسية الفيلم هي مِصري/إماراتي

«حينما خضنا مرحلة ما بعد الإنتاج (المونتاچ والصوت والتصحيح) كان لابد من البحث عن تمويل لدفع الأجور واﻹستوديوهات. وحصلنا بالفعل على الدعم من مهرجان دبي السينمائي الدولي لإنهاء هذه المرحلة عن طريق برنامج "إنجاز"، ولذا فجنسية الفيلم مصرية/إماراتية لمشاركة المهرجان في إنتاج الفيلم. لَحقَ ذلك دعمٌ تقنيّ من شركة "بكسل موب" في بيروت التي تقوم بتصحيح ألوان الفيلم كجزء من جائزة حصل عليها الفيلم من فعالية "بيروت سينما بلاتفورم" بلبنان»

كان هذا جزء من بيان صُنّاع الفيلم على الصفحة الفيسبوكية لشركة "حصالة"، وازدواجية الجنسية تحدث للمرة اﻷولى في أفلام عبدالله أيضًا.

رابعًا: الفيلم يبدو أنه متميّز من ناحية الصوت..

يبدو من خلال الكتابات اﻷوّلية عن الفيلم بمهرجان تورونتو السينمائي في اليومين اﻷخيرين، أن الموسيقى هي أحد أهم عناصر العمل. والموسيقى المقصودة هُنا هي "موسيقى الشارع" ذاته، وموسيقى الراديو (أم كلثوم - عبد الوهاب - شيرين - حماقي - وأغاني المهرجانات الشعبية حتى) لا موسيقى تصويرية تدور بالخلفية، وهذا نبأٌ رائع على جميع مهاويس فيلم (ميكروفون) كأمثالي!

يُذكَر أن شركة "نجوم ريكوردز" التابعة لـ"نجوم إف إم" قد دعمت الفيلم بالكثير من أغانيه، ووافقوا على حقوق الملكية لاستخدامِها به.

خامسًا: صوِّر الفيلم كاملًا تقريبًا باﻹضاءة الطبيعية..

وهذه ربما أبرز سمات السينما المستقلة ذات الميزانيات القليلة، التي تقتصد الواقعية كأسلوب، وتسرد قصصًا ذات هموم مجتمعية. مَن شاهد فيلم عبدالله الثالث "فرش وغطا" يعلم جيدًا مدى براعة استخدام هذه الخاصية به. وهذا شيء يُزيد من حماستنا للفيلم الجديد..

سادسًا: الفيلم اجتماعي القضية..

«قبل بضعة سنينٍ مضت، قال المخرج يسري نصر الله أن السينما المِصرية رَكَدَت عندما توقَّفَت عن حكي حكاياتٍ عن النساء، أوافقه تمامًا في هذا»

- أحمد عبدالله في أحد حواراته

يبدو على الفيلم الجديد أن قضيته هامة وسيكون بها صراع أيدولوچي من نوع خاص بين الرجل والمرأة، حيث تحكي القصة عن تجمُّع ثلاث أشخاص من خلفيات مختلفة (مخرج أفلام - سائق تاكسي - فتاة ليل)، يقوموا بالاكتشاف والتعرّف على أشياء في حيواتهم من خلال اﻵخر، وتَتَلوّن هذه المُصادفة القدرية بأن تصير مغامرةً يتكشف بها جوانب مخفية من المدينة.

وبذِكر "المدينة"، لابُد من الانتباه لجزئية التوثيق للمكان في أفلام عبدالله؛ فهليوبوليس مثلًا، يحكي عن "مدينة نصر" بالقاهرة.. "ميكروفون" يحكي عن اﻹسكندرية.. "فرش وغطا" يحكي عن شكل وحياة الناس بحي السيدة زينب. هذه اﻷفلام تحكي عن اﻷماكن بقدر ما تحكي الشخصيات بداخلها، وهو ما يعني أن ننتظر شيئًا "محليًا" للغاية من "ليل خارجي".

سابعًا: أفـلام داخل اﻷفــلام (مِن جديد!)

أحمد عبدالله قام في ثلاث من أربع أفلامه باستخدام "السينما" كجزء من القصة وكأن حبه للسينما لا يقتصر على صناعة أفلام، بل حكي حكايات عن الأفلام؛ ففي فيلمه الأول كان "إبراهيم" (خالد أبو النجا) يصور محيط منطقة مدينة نصر من محلاتها وكنائِسها، لأنه يقوم بمشروع دراسي (ڤيديوهات ولقاءات تسجيلية) سيقدمه في جامعته. تطور الأمر تدريجيًا حتى قام عبدالله برسم شخصيتين في فيلمه الثاني (يسرا اللوزي، وأحمد مجدي) يقومان بتصوير فيلمًا تسجيليًا قصيرًا كمشروع تخرجهم من مدرسة سينما الچيزويت، ليتخذ بذلك من فن السينما -مع الموسيقى- وسيلةً لحكي قصة تمرُّد شباب الإسكندرية على الأعراف والمُسمّيات للتعبير عن أصواتهم باسم الفن. تَبَلوَر الأمر في "ديكور" الذي اختار عبدالله قصته أن تكون حول واحدةً من أكثر المواضيع التي يمكن أن ينزلق فيها أي محب عادي، أو مهووس للسينما (سـيـنـيـفـيـل)؛ وهي تخيُّل أشياء لا علاقة لها بالواقع من كثرة، ربما، حبه لتلك الأفلام وعيشه في عوالمها.

"ليل خارجي" سيقوم بتقديم حكايته على خلفية فيلمية هو اﻵخر (لاحظوا عنوان الفيلم)، حيث أن كريم قاسم يلعب شخصية مخرج سينمائي في العشرينات من عمره يطمح بأن يُوفّق في صناعته لفيلمه الثاني بعد تعثر فيلمه اﻷول في شباك التذاكر.

ثامنًا: هُناك ضيوف شرف كثيرين..

أحمد عبدالله يحب إضفاء لمسة "تجارية" نوعًا ما ﻷفلامه، لتساعده على أي شيء متعلق بإمكانية عرضها في السينمات، وهي ظهور "ضيوف شرف"؛ فحَضُر المخرج "إبراهيم البطوط" بفيلميه "هليوبوليس" و"ديكور"، كما حضر "يسري نصر الله" بلقطةً من "ميكروفون".

هذه المرة ضيوف الشرف هم أكثر كممثلين، ومنهم "بسمة"، و"عمرو عاب"، و"أحمد مجدي".

...................

هذا كل ما استطعنا أن نجمعه، وليس لنا اﻵن إلا انتظار الفيلم بفارغ الصبر على أمل أن يكون شيئًا مذهلًا حقًا، ونُقطة تحوّل في سينما عبدالله.

  • في هذا المقال يمكنكُم القراءة عن أحمد عبدالله: أسلوب سينماه، وأفكارٌ عن أفلامه التي صنعها:

فيلموجرافيا: سينما أحمد عبدالله.. تجريبٌ وخروج عن النمط

  • وهذان لقاءان حواريان مختلفان مع المخرج حول عرض فيلمه الجديد في "تورونتو"، وبالنسخة القادمة من "مهرجان القاهرة":

۱- أحمد عبدالله السيد: "ليل / خارجي" محاولة لإثبات أننا لا نزال قادرين على صناعة أفلامنا بنفسنا

۲- أحمد عبدالله: "ليل خارجي" أُنتج بالجهود الذاتية.. وعرضه في "القاهرة السينمائي" لن يؤثر عليه تجاريًا

وصلات



تعليقات