فعاليّة شاهين: ودعت حبك.. تجربة لطيفة وخفيفة الظِل

  • نقد
  • 09:14 مساءً - 19 سبتمبر 2018
  • 3 صور



في اليوم الرابع من فعالية أفلام شاهين المُرمَّمة، عرض في نهايته فيلم "ودعت حبك" بعد فيلمي "شيطان الصحراء" و"باب الحديد"، ويُعد "ودعت حبك" الذي أنتج عام ۱۹٥٧ من أوائل اﻷفلام الطويلة التي يخرجها شاهين، والفيلم التاسع ترتيبًا في مسيرته.

الفيلم المُصوَّر باﻷبيض واﻹسود، والذي تتصدر بطولته "دلوعة السينما" كما أُطلق عليها، الفنانة الجميلة "شادية" التي كان عمرها ۲۸ حينها، مع الموسيقار الذي مثّل في أكثر من ثلاثون فيلمًا بالسينما المصرية "فريد اﻷطرش"، يحكي في أجواءٌ بها مسحة كآبة وسوداويّة عن عنبر في مستشفىً عسكرية تجمع خمسة رجال يقضون أوقاتهم في التهريج والمرح ومُناكشة بعضهم بعضًا، إلى أن يصل الرجل المنطوي والمنغلق على ذاته الذي يجد في الموسيقى صُحبته الوحيدة (شخصية فريد اﻷطرش)، إلى العنبر معهم بأمرٌ من قائد العسكري، وهذا الرجل الذي هو بالفعل حزين ومكتئب ولا يرغب بالتحدُّث أو عمل الصداقات، لا يعلم أنه يعيش أيامه الحياتية اﻷخيرة بسبب مرض خطير مُصاب به. لكن المجموعة خفيفية الظل الذي يتصدّرهم (عبد السلام النابلسي وأحمد رمزي) بكارزميّاتهم الطاغية، يقررون إحداث تغيير في حياة هذا الرجل ولا يتركونه وشأنه ويُواصلون إزعاجه حتى يخرج من مووده، بالذات عندما يكتشون أن لديه صوتًا جميلًا مميزًا، وهم بالفعل يقومون بتحضريات لعمل حفلة موسيقية قريبة للرجال العسكريين. كما تُحاول شخصية "شادية" أن تدخل في عالم هذا الرجل الحزين رغم فظاظته الواضحة معها في البداية، إلا أنها تستحمِل اﻷمر ﻷنها أصلًا مخلوقة لطيفة وجميلة، وﻷنها تشعر بمعاناة هذا الرجل الداخلية.. فماذا سيحدث في علاقتهُما سويًا، وهل سيعلم مرضه العضال هذا أم ماذا؟


موسيقى ساحرة؟

"ودعت حبك" مصنف كفيلم موسيقي، وهذا ليس صحيح، فالفيلم درامي للغاية، وأغنياته تكاد تكون فواصل إعلانية بتعريفنا المعاصر، لكنه كفيلم ليس به رقص أو استخدام لهذه المزيكا في لب القصة أو كأسلوب ميوزيكالي، فهي لا تتعدى كونها الشيء الذي يحب البطل فعله في أوقات فراغه.. لذا فتصنيف الفيلم برأيي أفضل أن يكون "درامي"، يتحدث عن الموسيقى، لكن ربما هذه اﻷشياء جاءت للجوانب التسويقية للمنتَج، ما علينا.

الجميل في الفيلم هو روحه والمسحة التشاؤمية به، فهُنا، استخدام اﻷغاني كـ(علاج نفسي) كان له معاني عدة؛ فشخصيات الفيلم يغنون ويُعبّرون عن ما في دواخلهم بالكلمات الغنائية وهذا أمرٌ لطيف، فالفن في هذا الحالة هو بمثابة شفاء من اﻷمراض المستعصية.

الموسيقى هي بالطبع ليست بالشيء السيء، لكن ما لاحظته هو كثرة استخدامها كأنّها نمطًا عاديًا أن تُقدَّم بهذا الكمّ في هذا النوع من اﻷفلام بهذه الفترة الكلاسيكية. فالتماهي هُنا مطلوب، فلسفة "أغنيات اليوتيوب القصيرة" لم تكن موجودة بعد، اﻹيجاز وقول المختصر ليس مستحب، فهل كان هُناك أفضل من رؤية/سماع "فريد اﻷطرش" يقوم بغناء ثلاث أو أربع أغنيات تأخد نصف ساعةً كاملة من فيلم مدته ساعة ونصف أصلًا؟، لا أعتقد أن المُشاهدين كانوا يملّون كما يفعلون اﻵن، فالصوت العذب الساحر لفريد اﻷطرش كان دائمًا يُسحرهم مهما طال كما فعل معي عند مُشاهدة الفيلم الذي لا أُشاهد من أمثاله إلا كل حين.

والفيلم هو تقريبًا أول فيلم يقوم "شاهين" باستخدام الموسيقى كعنصر من القصة به، قبل أن يجد في هذه الـ"مـوسـيـقـى" و"الـمـشـاهـد الـمـوسـيـقـة" ملاذًا له ستكون واحدةً من بصماته اﻹخراجية يقوم بوضعها في أفلامٌ أخرى كثيرة بعد هذا. أفضل تلك اﻷغنيات بالفيلم هي اﻷغنية الثالثة -وما قبل اﻷخيرة التي اختُتِمَ الفيلم عليها- المُسماة "احـنـا لـهـا" التي كتب كلماتها الشاعر "أبو السعود الإبياري"، وقد غنتها "شادية" مع "اﻷطرش" في حفلٌ صباحيٌ وطني يُوثر ويُحرك ما في القلوب بسبب إيقاعاته الموسيقية وصوت "شادية" الرائع.. تقول اﻷغنية:

«احنا لها.. احنا لها -- نحمي العروبة وأهلها، احنا لهــا»

مصر العزيـزة أُمنا -- نرفع رايتها للسما

وأخواتنا وأولاد عمنا -- ويّانا بالروح والدِما

نفدي العروبة بدمنا -- جيش الأسـود حامي الحِما

. . .

«ولما ح ينادي الوطـن -- نوهب حياتنا بدون ثمن»

شوفي يا دُنيا واشهـدي -- أصبحنا من أقوى اﻷمم

اروي يا دنيا ومجّدي -- أرض العروبة والشمم

يا مصر تيهي وأسعدي -- يا مهـد أصحاب الهمم...


ونستتبع القصة التي لا تخلو من الثغرات الكلاشيهية في قصة وقوع الرجل في غرام المرأة لقضاءه وقتًا طويلًا معها.. أو ملاحقة الرجال العدة للمرأة الواحدة ﻷنها جميلة الجميلات التي تتسابق عليها العيون (وهي هُنا عكس ما حصل في "شيطان الصحراء" حيث فتاتان تتشاجران على الظفر بقلب رجل واحد هو شخصية عمر الشريف)، لكنّ هذه اﻷمور لا تأخذ نفسها على محمل جد كثيرًا، بل أنّ الفيلم كوميدي اﻷجواء للغاية، خاصةً في بداياته، فالقصة تحمل مسحة سوداوية طفيفة نعم لكن الغلبة كانت على اللحظات الكوميدية ومَرَح المواقف، ليختار الفيلم ألا ينزوي ناحية الميلودرامية، أو أن يُبالغ في مأساوية قصته.

شادية في هذا الفيلم تظهر بشكلٍ يجعلك تقول في نفسك، هل "شادية" هي ألطف إنسانة في الوجود، مثلًا؟.. "ودعت حبك" في المجمل فيلم بسيط وحلو، وربما بسبب كتيبة نجوم الشاشة الكثيرين به يكتسب جزءًا من أهميته؛ ﻷن هؤلاء النجوم استطاعوا تقديم أداءات طيّبة ليأخذونا معهم في ساعة وأربعون دقيقة من خفة الظِل الممتعة، والخفيفة على القلب.

. . . . . .

المشهد الموسيقي الختامي للفيلم:




تعليقات