Endless Poetry.. كرنفال الواقع والخيال

  • نقد
  • 11:01 صباحًا - 18 نوفمبر 2018
  • 1 صورة



مضى أكثر من عشرون عامًا على المخرج التشيلي/الفرنسي الكبير أليخاندرو خودوروفسكي وهو يحاول مرارًا وتكرارًا العودة للسينما بعد الفشل التجاري الذي طال فيلمه The Rainbow Thief في عام 1990، خاصة مع حظوه بالكثير من المعجبين من جميع أنحاء العالم بعد أفلامه السريالية الطليعية والتي كان أهمها El Topo وThe Holy Mountain حتى عاد بعد طول انتظار في عام 2013 من خلال فيلمه The Dance Of Reality الذي بدأ من خلاله تقديم سيرته الذاتية ضمن خماسية سينمائية مخطط لها، وذلك بعد تقديمها من قبل في كتابه الذي يحمل نفس الاسم في عام 2001.

وبعد The Dance Of Reality بثلاث سنوات، يأتي Endless Poetry ليواصل ما بدأه الفيلم الأول، بل إنه يبدأ حتى بآخر مشهد رأيناه في الفيلم الأول حين يقرر أليخاندرو ووالديه الانتقال من مدينة توكوبيلا إلى العاصمة التشيلية سانتياجو، ليواصل خايمي اﻷب العمل مجددًا في تجارة الملابس الداخلية النسائية، مع الابتعاد هذه المرة عن نيران السياسة واﻷيدولوجيا التي اكتوى بها في الفيلم السابق، وكادت أن تفقده ما تبقى له من آدميته.

وبينما ارتكز الفيلم الأول على حياة أسرة خودودوفسكي في السنوات اﻷولى، مع تركيز كبير على قصة اﻷب الذي حارب طواحين الهواء ﻷجل مبادئه السياسية، ومحاولات الابن الدائمة لنيل رضا اﻷب مثل أغلب اﻷبناء الذين يرون في آبائهم مثل عليا في سنواتهم المبكرة، والتعويض الدائم للأم عن قسوة اﻷب وغيبته الطويلة عن المنزل ومخاوف الابن.

يأتي الفيلم الثاني ليكون نقيض تام للفيلم اﻷول، وربما هادمًا له، حيث يرتكز هذه المرة دراميًا على الابن الذي شب عن الطوق ويحاول العثور على صوته الخاص المكتوم بسبب قمع اﻷب، أليخاندرو هذه المرة لا يحاول إرضاء أبيه كما كان الحال في الفيلم اﻷول، الابن يتمرد دون أية قيود أو حسابات مسبقة، ويتمرد على ميراثه المتخاذل في الماضي، ويتمرد على كل ما يربطه باﻷرض واﻷسرة، وهو ما يترجمه بإمساكه الفأس والشروع في قطع شجرة اﻷسرة، الموقف الفاصل الذي يبدأ منه بدايته الجديدة، ويتوارى معه أبيه وأمه دراميًا وإنسانيًا بشكل شبه كامل من اﻷحداث.

من الممتع مراقبة بدايات فنان فريد من نوعه مثل خودوروفسكي وهو لا يزال في مراحل تشكيل رؤيته الفنية لعالمه التي يتراسل فيها الخيال والواقع والحلم دون قيود، اﻷمر الذي بدأه بالشعر ولم ينتهي عنده، بل انطلق منه إلى كافة الوسائط الفنية، وجعل منه فنانًا شاملًا يندر أن تجد مثيلًا له في عصرنا، ويبدو أن الشعر كنقطة بداية لخودوروفسكي أمر مفهوم ومنطقي في ظل الظروف التي كان يعيشها والتضييق الذي كان يمارسه اﻷب من ناحية أخرى.

كما يبدو أن الشعر وسيط مثالي لشخص في مقتبل حياته، لا يحتاج سوى إلى ورقة يخط عليها ما يفكر فيه خفية عن اﻷعين، ناسجًا عليها العالم كما يريده وكما يشعر به، ويعيد من خلالها تخليق العلاقات بين مفردات الواقع، وهو ما ينعكس على الطريقة التي يقدم بها سيرته الذاتية.

نعم، من الطبيعي أن أية سيرة ذاتية لا تمثل الواقع بحذافيره بالتأكيد، لكن اﻷمر مع خورودوفسكي ينتقل إلى مستوى مختلف تمامًا فيما يتعلق بهذا التجاوز، حيث يسير المستوى الواقعي وفوق الواقعي أو السريالي جنب إلى جنب متعانقين دون الشعور بطغيان أو سلطان أحدهما على اﻵخر، بل كأن ما لا يستنطقه الواقع يتحول إلى صورة سريالية.

لاحظ مثلًا الطريقة التي يقدم بها رفقائه في مسكن الفنانين الذي كان يعيش فيه، وإعادة التقديم الفريدة لشخصية الشاعرة ستيلا دياز فارين التي كانت ملهمته لفترة من الفترات، أو كيف يتذكر مسقط رأسه في هيئة مجسمات باﻷبيض واﻷسود، وأماكن السهر الغريبة التي كان يرتادها أو حتى مشهده المؤثر مع والده الذي لم يحدث في الواقع ويعيد تخيله كما كان يرغب بأثر رجعي.

الفيلم كسائر أفلام خورودوفسكي التي تندرج تحت مشروعه السينمائي صاخبة ومتفجرة باﻷلوان من كل حدب وصوب، خيال الرجل صاخب ومجنون وخارج من السيطرة، وكذلك تكون النتيجة في صورة أفلامه وألوانها وصورها السريالية، حتى واقعه لم يفلت من هذه التركيبة.



تعليقات