"أهو ده اللي صار"... سيمفونية الحاضر والماضي الجميل

  • مقال
  • 12:44 مساءً - 24 مارس 2019
  • 5 صور



اختلف الكثير من صناع الفن علي توقيت عرض العمل خارج شهر رمضان، فبعضهم يصرون علي عرض المسلسل في رمضان، اعتبارا على أنه الأعلي من حيث نسب المشاهدة، بينما يقتنع أخرون أن عرض المسلسل في توقيت أخر يحظي بفرصة أكبر للنجاح، بأن يتم مشاهدته بالمزيد من الشغف والتركيز، وخاصة إذا كان العمل مثل مسلسل أهو ده اللي صار، والذي ينتمي إلى الدراما التاريخية التي تلعب علي المشاعر والأحاسيس، فهي تيمة لا يستوعبها سوا شريحة معينة من الجمهور.

يبدأ المسلسل علي نغمة أهو ده اللي صار وهي إحدي روائع المطرب سيد درويش، والمرتبطة بثورة 1919، وتعود قصة الأغنية مع الاحتلال البريطاني لمصر في بداية القرن العشرين، حيث نهر وكيل وزارة الداخلية الشاعر محمد يونس القاضي، الذي تم إيقافه بسبب أشعاره قائلا له: (بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دور إزاي تصنع جبة في بلدك)، ليرد عليه الشاعر قائلا: (تلوم عليا إزاي يا سيدنا وخير بلدنا ما هوش في إيدنا)، ومع ألحان المبدع سيد درويش ارتبطت هذه الأغنية بثورة 1919، التي اكتفي المخرج بسردها في مشهد واحد بديع لمظاهرة ظهر فيها جميع أطياف الشعب، وظهر فيها سيد درويش محمولا على الأعناق، ومرددا: قوم يا مصري مصر دائما بتناديلك، وعلي لحن أهو ده اللي صار، والموسيقي التصويرية البديعة لأمين بوحافة المصاحبة لجميع أحداث المسلسل، نرى أمامنا لوحة فنية بديعة يستعرضها المبدع عبدالرحيم كمال، والمشهور بأنه مؤرخ أكثر ما هو كاتب يستعرض من خلال المسلسل تاريخ مصر في مائة عام.

التيمة الرئيسية للمسلسل ليست فقط مقتصرة علي تحرر المرأة خلال ال 100 عام الماضية، كما ذكر في ملخص القصة، ولكن مع مرور الأحداث يتضح أن المسلسل يلعب علي عدة أوتار ومعاني، وإنسانيات تشعر مع مرور كل حلقة، وكأنك تتصفح في كتاب تاريخي يوثق مصر في هذه الفترة مع نبذة قصيرة عن جميع الشخصيات، والتي مرت علي مصر وتحديدا في مدينة الإسكندرية، مر عليها الكاتب مثل البرق مثل سيد درويش، وريا وسكينة، وأم كلثوم، وكذلك عدد من الطوائف سواء الشعراء أو الكتاب أو المشخاصتية، والذي كان يطلق علي الفنانين وممثلين المسرح في ذلك الوقت استخدم فيها الكاتب اللغة السائدة في ذلك الوقت، ولم يترك المخرج تفصيلة لم يتطرق إليها حتي المصطلحات الإسكندرانية الدارجة في ذلك الوقت.

يدور المسلسل في ثلاثة محاور رئيسية المحور الاول:- وهو قصة الحب بين أحمد داود، وروبي في زمنين مختلفين الأول في عام 1919، و الثاني في عام 2018، والتي تعكس تحرر المرأة تدريجيا حتي وصلت إلى أن تتقدم البنت لخطبة الشاب بنفسها.

في هذا الإطار استطاع المخرج تحقيق مزج رائع بين أسلوب الحب في كل زمان مع مراعاة كل شعرة اختلاف، بداية من الحب من خلال شباك ضيق، وبعض الخطابات المتبادلة مرورا بالحب في عصر السوشيال ميديا وتبادل الرسائل علي الواتساب، كما استخدم المخرج أسلوب مختلف تماما في الحديث بين الزمنين فنرى في الزمن القديم الحديث بصوت خافت وبنبرة شديدة الهدوء، أبدعت فيها النجمة روبي، والسرعة في الحديث والحركة والانفعالات، وسرعة القرارات والأحداث للشخصية الحديثة وكذلك أحمد داود، والذي اعتمد علي الانفعالات والمشاعر الداخلية والتعبير بالوجه أكثر.

والمحور الثاني فهو شخصيات المسلسل، والتي تمثل كل شخصية منهم نموذج إنساني موجود في المجتمع، ومنهم شخصية وديع البساطي والذي كتب شهادة ميلاد جديدة للفنان علي الطيب ، وهو الشخص عديم المبادئ، والذي يستبيح لنفسه أي شيء في سبيل مصلحته، ولو أدى الأمر لاعترافه بابن مش ابنه، أو الإبلاغ عن صديقه ليذكرك بشخصية محجوب عبدالدايم في فيلم القاهرة 30، وإما محمد فراج، وهو يمثل شخصية الفنان بكل ما تعني الكلمة من معني، صادقا في مشاعره يعتبر الكلمة الحرة للفنان هي أمانة لا بد من توصيلها للجمهور، يكره القيود حتي في الزواج معتبرا حريته أهم شيء في حياته، بالإضافة إلى رومانسيته الشديدة، والتي أجبرته بأن يكتفي بقصة حب من طرف واحد طوال حياته،

وأما "أصداف" والتي تلعب دورها أروى جودة فهي نموذج للفنانة التي تتلون، وتتأقلم مع أي مناخ جديد حتي، لو تطلبت المرحلة الاستغناء عن الحبيب أو الزوج في سبيل طموحها، أو الوصول إلى ما تريد، وأما يوسف الأول وهو أحمد داوود في العصر القديم، فهو مثال الإنسان الذي يقع أسير للعادات والتقاليد في المجتمع، الأمر الذي أدى إلى تعاسته علي مدار حياته، مما يؤكد نظرية أن التحرر من القيود ليس مقتصرا علي البنت فقط، وأن الحرية الشخصية لا بد وأن تكون قرار الإنسان من البداية.

وأما المحور الثالث والأهم فهو قصر نوار باشا وكم الألغاز والغموض المثار حوله، ولكن مع مرور الحلقات تميل بأنه يمثل مصر بكل خيراتها وكنوزها، وبكل ما مر عليها من أحداث، وصراعات جميع الأطياف حولها سواء الجماعات الإرهابية، أو اللصوص والنصابين أو طبقة رجال الأعمال المستغلة، الذين استطاعوا بالمال تزييف التاريخ، والحقائق لتتأكد هذه النهاية في الحلقة الأخيرة، وبعد أن قرر يوسف الأخير والذي اعترف لزوجته أنه ليس الوريث الحقيقي لعائلة نوار باشا بل هو حفيد نادرة والذي قرر عدم التفريض في القصر وإهداؤه للدولة لتقوم بتحويله إلى متحف تابع لوزارة الثقافة.

ومع ذلك فكل الأنظار تلتفت إليه من بعيد من جميع راغبي الاستيلاء عليه لينتهي المسلسل بغناء مجموعة من الأطفال لأغنية أهو ده اللي صار اعتبارا بأن الأمل المتبقي لا بد وأن يكون في الأجيال الجديدة للحفاظ علي تراثهم وثرواتهم.

وعلي الرغم من أن المسلسل امتلك جميع مقومات النجاح سواء في السيناريو المكتوب بحرفية شديدة، وكأنك تستمع إلى إمسية شعرية جميلة بالإضافة إلى أن مخرج المسلسل حاتم علي اهتم بجميع تفاصيل العمل من حيث الديكور، والإضاءة والملابس، ومزج عدة أزمنة دون أن تفلت من يديه الخيوط، إلا أن العمل شهد بعض المط والتطويل خاصة في مرحلة نهاية الأربعينات، وحتي ثورة 52 حيث تم سرد أحداث هذه الفترة يوما بعد يوم ثم فجأة بوصول الأحداث إلى منتصف السبعينات في حلقتين فقط، خاصة أن المسلسل يسرد تاريخ مصر في 100 عام علي مدار 30 حلقة فقط، بالإضافة إلى زيادة عدد مشاهد الغناء والشعر والعروض المسرحية.




تعليقات