"Godzilla: King of the Monster" الإنسان يعرف جَيِّدًا!

  • نقد
  • 09:16 صباحًا - 8 سبتمبر 2019
  • 1 صورة



"Godzilla: King of the Monsters" هو الفيلم الثالث في عالم "Monsterverse" الذي تحاول "Warner Bros" من خلالة إعادة أحياء عالم الوحوش المنسي ولكن بشكل ترابطي مختلف، من خلال مجموعة من الأفلام التي بدأت عام 2014 بتقديم الجزء الأول من "Godzilla"، مرورا بالملك الكبير في "Kong: Skull Island"، ويأتي فيلمنا الثالث ليضع رتوش بسيطة حول هذا العالم، ومن ثم التمهيد بشكل رئيسي لمستقبل الوحوش على شاشات السينما لسنوات قادمة.

أحداث الفيلم تدور مباشرة بعد أحداث الجزء الأول، الخسائر البشرية والمادية التي جاءت في مقابل إعادة التوازن البيئي على يد أقدم مخلوقات الأرض، ولا جديد فبعد مرور سنوات قليلة تحاول عالمة إطلاق سراح مجموعة من المخلوقات الأسطورية حول العالم من أجل إنقاذ البشرية والطبيعة، وتأبين ذكرى طفلها الراحل في صراع الوحوش الماضي.

البناء القصصي للعمل وحبكته جاءت متشظية، حيث يقدم الفكرة الرئيسية من خلال سوداوية العنصر البشري الذي كان سَبَبًا رَئِيسيا في خروج العمالقة من جحورها، وحينما تبدأ في الاستعداد لرؤية ذلك العنصر البشري المتسبب في كل الكوارث الأرضية، تتبدد الحبكة الأصلية سريعا وتتحول إلى صراع إنتاجي ضخم من المؤثرات البصرية.

في سطور العمل وبطبيعته من المنطقي والعقلاني بالطبع أن تبحث عن الوحوش الجبارة وكيف ستتصارع، ولكن حينما يخبرك أحدهم أنك مَسْؤُولا لكونك إنسان عن هذا الخراب، تتوقع مقدما صراع بشري ولو جانبي، مشاعر إنسانية فياظة، معاناة البشرية وسط الحطام، ولكن تأتي قصة العمل مبتورة، لا تجيد إضافة اللمسة الروحية للجسد البشري السينمائي، ولا تجيد ربطها بعالم الوحوش المتصارعة على زعامة الكون.

" في حياتنا لا وجود للأبطال، تنتصر دَائِمًا الوحوش"، تتفق مقولة الكاتب الأمريكي "جورج آر آر مارتن " مع الفكرة الخجولة التي يحاول صناع العمل تقديمها، أثر رفرفة الفراشة لجناحيها في جانب، لتقع العواصف والأعاصير في جانب أخر، وهنا تتساقط أجنحة الفراشة متبدلة بأذرع بشرية، تسقط على الأرض وتفقد قدرتها على الطيران، فيحاول الإنسان الجديد البحث عن ذاته للسيطرة على الطبيعة مستخدما عقله، ولكن في طريقه يكتسح كل شيء، فتتلاشى الكائنات والنباتات، وتنبثق سريعا التكنولوجيا والأسلحة والأمراض بشرية الصنع، ومن هنا تنتفض الطبيعة لإستعادة أملاكها، فتطلق الأعاصير والسيول، تهيج البراكين، تنتفض الصفائح التكتونية وتهز الأرض أسفل أقدامنا، وتعود الحياة لمجاريها وقد أدرك الإنسان حجمه الحقيقي في الكون.

وسط هذا الكم من الأفكار التي لا تحمل الجديد، يحاول كتاب العمل تحذير البشرية التي تَعِي جَيِّدًا كل هذا من الأساس، من الاحتباس الحراري، من الركض بلا توقف نحو التقدم التكنولوجي المرعب، من الأمراض التي لا تنتهي، ولكن في هذه المحاولة المحتشمة، يفقد العمل مصداقيته ويتحول لساحة عراك كبيرة بين الطبيعة ونفسها متجسدة في وحوش هائلة، وينقلب الأمر إلى رسالة غير مقصودة أو مقصودة بضرورة العودة لحياة ما قبل الحداثة، إلى الفطرة البسيطة، وهو بالطبع ليس الحل المنشود حدوثه.

الديماغوجية ومحاولة إرضاء المشاهد بالطرق التقليدية المرصعة بأفكار وجودية عميقة قتلت الفكرة التي اتنوى كتاب العمل إرسالها، ففقد العمل بريقه وفشل في كونه عَمَلًا عن الإنسان وأخطائه، أو عَمَلًا عن الخيال العلمي والوحوش الأسطورية، لوحات فنية باهتة والكثير من المؤثرات البصرية التي لا يمكنك تحديد نجاحها بنسبة مائة بالمائة خلال أحداث العمل.

عندما نتحدث عن العمل وكونه يعتمد في الأساس على المؤثرات البصرية، لا براعة الحوارات، أو الجوانب الإنسانية والأداءات التمثيلية المبهرة، نسلط الضوء بشكل أكبر على هذه المؤثرات البصرية الضخمة. للمرة الثانية يفشل صناع "Godzilla" في تقديم المؤثرات البصرية بشكل مثالي، الكثير من الضبابية والمشاهد المظلمة، يتشبث "مايكل دورتي" بها متأثرا بزميله مخرج الجزء الأول "جاريث إدواردز" متخفيا في عتمة الليل من المعارك الكبرى بين هذه الوحوش، فتحاول جَاهِدًا كمشاهد معرفة ما يدور وسط هذا الظلام، لتتذكر تلك الليلة المحبطة والمخيبة للأمال حينما وصلت جيوش الموتى لقلعة وينترفيل في عالم الجليد والنار "Game of Thrones"، تصميم المخلوقات الأسطورية للعمل كان جَيِّدًا للغاية، وإن كان الأسوء على الإطلاق هو "Godzilla" نفسه والذي لا يمكنك تحديد ملامحه كلما اقتربت الكاميرا منه.

لا يمكن إنكار تفوق "مايكل دورتي" بشكل طفيف عن زميله "جاريث إدواردز" في إدارة المعارك، بينما فشل الثاني في تقدميها بشكل مناسب في الجزء الأول للسلسلة، وسقط في فخ الكادرات الضعيفة والهروب المتكرر بقطع المشاهد مُنْتَقِلًا لأحداث بعيدة لم يطلبها أحد، قدم "دورتي هذه المعارك بجرأة أكثر من الجزء الأول، ولكن فشل الثنائي معا في الخروج من أزمة الأجواء المظلمة، وترك المشاهد منجما في لحظات كثيرة عن ما حدث، وهو الأمر الذي لم يحدث في "Kong: Skull Island" على سبيل المثال، ولا يزال العالم بشكل عام يعاني من صعوبة تطبيق المحاكاة بطرقها المختلفة في تقديم العنصر البصري بشكل مقنع وهو ما يعرف في عالم "Disney" السينمائي بأسم "Live action"، أو ما قدمه "ستيفن سبيلبرج " من قبل في عالم الديناصورات وبناء مجموعة من الديناصورات الألية لتقوية الشكل النهائي على الشاشة، فيصبح صناع "Godzilla" مجبرين على التعامل مع المؤثرات البصرية من وحي الرسومات الكارتونية المحسنة.

يظهر تأثر "مايكل دورتي" بشكل لافت بعالم "Jurassic Park"، وهنا لا نقصد بالطبع صراع المخلوقات الدموي، فالقصة من الأساس عرفها البشر منذ عقود بعيدة ويمكن اعتبارها تراث بشري جاء من الحضارة اليابانية، ولكننا نتحدث عن طريقة تنفيذ المشاهد والكادرات، وأبرزها مشهد حصار "جيدورا" للطفلة "ماديسون" التي تختبيء داخل المنزل.

البناء لعالم من الوحوش ليس أمرا سَهْلًا، فلا يمكننا القول أن الأفلام الثلاثة التي قدمها عالم "Monsterverse" سيئة ولا تستحق المشاهدة، ولكن في الوقت ذاته لا يمكننا القول أنها لوحات فنية تحمل إسقاطات قوية وجذابة، وبينما يتم الإعداد لمعركة أكبر وأشرس في العام القادم، حيث يظهر إله الوحوش الأكبر "جودزيلا" نِدَّا بند مع "كونج" ملك الأرض والطبيعة في "Godzilla vs Kong"، ليتركك العمل للمرة الثانية مُتَمَنَّيَا شَيْئًا أفضل في المستقبل.



تعليقات