هل أعاد فيلم (الممر) الاعتبار للأفلام الحربية في السينما المصرية؟

  • نقد
  • 03:20 مساءً - 23 اكتوبر 2019
  • 5 صور



دائما كانت الشكوى أن الأفلام التي قدمتها السينما المصرية عن حرب أكتوبر لم تكن بالسوية الفنية اللازمة، فقد كان يشوبها ضعف الإمكانيات والسيناريوهات الضعيفة المليئة بالكليشهات والتركيز على أشياء لا علاقة لها بالحرب ولكن على حكايات جانبية للجنود المشاركين وكأن الافلام تتجنب الخوض في تقديم عمل حربي بالمعنى الحرفي يتضمن مشاهد معارك حقيقية وكانت أفلام هذا النوع يغلب عليها الضعف الفني والتقني باستثناء أفلام قليلة كانت بمستوى فني مميز مثل أغنية على الممر وأبناء الصمت.

غياب الفيلم الحربي منذ السبعينات

مرت سنون طويلة منذ السبعينات وكانت السينما المصرية في حالة صيام تام عن انتاج الافلام الحربية بسبب التغيرات التي حدثت في الصناعة من قلة الانتاج واختفاء القطاع العام وسيطرة نوع واحد من الأفلام على السوق وهى الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة التي يحرص صناعها أن تكون تكلفتها قليلة حتى تحقق أعلى الأرباح واختفى المنتج صاحب الرؤية الذي كان يغامر بتقديم أفلام ضخمة سعيًا لتقديم شيء مغاير وجديد حتى وإن جاء هذا على حساب مكسبه التجاري مثل المنتجة آسيا التي غامرت بأموالها في تقديم فيلم ملحمي ضخم مثل الناصر صلاح الدين وفي المقابل أفلست بسبب فشل الفيلم تجاريًا. السينما المصرية منذ السبعينات سيطر عليها مجموعة من المنتجين وهم في الحقيقة "ممولين"، هم فقط أصحاب رؤوس الأموال لكنهم ليسوا أصحاب رؤي فنية وتقديم أعمال تضيف لصناعة السينما ولأرشيفهم الخاص شيء غير ذات أولوية لديهم، فكل همهم هو المكسب التجاري، لذلك أصبحت السينما المصرية في آخر أربعين عامًا سينما مستأنسة لا تُقدم على صناعة شيء خارج الصندوق.

عودة مرة أخرى للأفلام الحربية

منذ سنوات قليلة بدأت أخبار عن تقديم فيلم حربي كبير بعنوان (خط النار) عن البطل إبراهيم الرفاعي أحد أبطال حرب أكتوبر على أن يجسد شخصيته أحمد السقا ويخرجه التونسي الراحل شوقي الماجري، ورغم تعاقد الماجرd مع المنتج هشام عبدالخالق إلا أن هذا المشروع لم يخرج للنور، ومرت السنوات وأنتج عبدالخالق فيلمًا آخر بعنوان (الممر) مع المخرج شريف عرفة واستبشر الكثيرون بهذا الفيلم في أن يعيد الاعتبار للفيلم الملحمي الكبير وأن تعود هذه النوعية مرة أخرى للسينما المصرية التي غابت عنها كثيرًا بل وتفتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من الأفلام في المستقبل بحيث يصبح لدينا العديد من الأفلام ذات الانتاج الضخم التي تتناول صفحات من التاريخ المصري بحاجة أن يُحكى سينمائيًا على غرار السينما الأميركية التي تفعل ذلك طوال الوقت لكن هل أعاد فيلم (الممر) الاعتبار للسينما المصرية في قدرتها على صناعة فيلم ملحمي كبير بميزانية ضخمة؟

شريف عرفة هو الأقدر على تقديم الأفلام الكبيرة

سنحاول الإجابة على التساؤل السابق خلال السطور القادمة، بداية الفيلم تصدى له مخرج كبير صاحب أرشيف سينمائي مبهر مثل شريف عرفة، بالتأكيد عرفة هو الأقدر حاليًا في السينما المصرية على تقديم هذه النوعية من الأعمال الكبيرة لخبرته في تقديم أفلام احتوت على مشاهد حركة مميزة في الماضي مثل الجزيرة وولاد العم. لكن المشكلة أن شريف عرفة أصر أن يكتب هو السيناريو بمشاركة الشاعر أمير طعيمة في تجربته الأولى في الكتابة للسينما حيث كتب طعيمة الحوار، وكما كان متوقعًا جاءت معظم الانتقادات التي وجهت للفيلم في السيناريو والحوار موضوع الفيلم.

في فيلم الممر، جعل عرفة القصة تدور بعد هزيمة 1967 حيث يمر الرائد نور (أحمد عز) بهزة نفسية كبيرة نتيجة الهزيمة ويعود إلى بيته محملًا بالأسى والخزي حتى تكلفه القوات المسلحة بمهمة خلف خطوط العدو غرضها تدمير معسكر كبير للجيش الاسرائيلي بغرض إعادة الاعتبار والروح المعنوية للجيش المصري.

فيلم مهمة إذن نحن أمام فيلم مهمة، هناك مهمة مكلف بها المقدم نور من قبل قياداته عليه أن يكون فريق من ضباط وجنود للولوج خلف خطوط العدو؛ أفلام المهمة منذ الساموراي السبعة لكوروساوا والمحترفون لريتشارد بروكس وإنقاذ الجندي ريان وحتى شمس الزناتي هى أفلام لها جاذبية خاصة لما تحتويه من إثارة وتشويق، هل سينجح الفريق في مهمته أم لا؟

سيناريو ضعيف

نستطيع أن نعتبر هذه بداية جيدة من السيناريو في تقديم فيلم حربي قائم بالأساس على مهمة على غرار فيلم "الطريق إلى إيلات" لكن كيف تعامل السيناريو الذي كتبه عرفة منفردًا مع الأحداث؛ سيناريو الفيلم هو نقطة ضعفه الكبيرة فالسيناريو جاء ضعيفًا مفككًا والحوار جاء مليئًا بالمباشرة والعبارات الطنانة والتشدق بالوطنية، مشكلة شريف عرفة هى إصراره على كتابة سيناريوهات أفلامه مؤخرًا رغم افتقاده لملكة الكتابة. ستيفين سبيلبرج ومارتن سكورسيزي لا يكتبون سيناريوهات أفلامهم ورغم ذلك هم مخرجون عظماء. عرفة من الواضح أنه لديه طموح بأن يصبح (AUTEUR) وهى كلمة فرنسية تعنى سينما المؤلف، أن يكون المخرج هو كاتب الفيلم. حسنا إذا كان المخرج يجيد حرفة الكتابة فليكتب، وإذا لم يستطيع فليعطى المهمة لمن يقدر، الأفلام التي كتبها عرفة كان السيناريو هو عيبها الأساسي مثل فيلم الكنز على سبيل المثال الذي كتب قصته السينمائية، ومن الأشياء المستغربة أن عرفة تعامل مع كتاب سيناريو كبار مثل ماهر عواد ووحيد حامد وأحمد عبدالله وقدم مع هؤلاء أفضل أفلامه التي جعلت منه هذا المخرج الأسطوري صاحب التاريخ المميز، لكن إصراره مؤخرًا على الكتابة بنفسه أفقده الكثير من ألقه وتميزه وجاءت أفلامه رغم تميزها التقني الواضح فاقدة للوهج الفني بعكس أفلامه القديمة.

تميز تقني وبصري

في المقابل استفاد الفيلم من الثورة التقنية الهائلة وبفضل الميزانية الكبيرة (100 مليون جنيه)، تم تصميم معارك على أعلى مستوى وتصميم جرافيكس ساهم في خروج مشاهد المعارك بشكل جيد، كل هذا يعتبر جديد على السينما المصرية، وكما أشرنا سابقًا، عرفة هو أقدر مخرج في مصر على تنفيذ مشاهد أكشن كبيرة، ومع منحه الإمكانيات اللازمة سيصنع شيئًا مميزًا، وهنا يجب أن نشير أن شريف عرفة ومدير تصويره الأثير أيمن أبو المكارم فى أفضل حالاتهم هنا، فيما يخص التعامل مع كاميرات الديجتيال؛ عرفة منذ فيلم الجزيرة 2 كان من الواضح أنه لم يكن مرتاحًا مع كاميرات الديجتيال الجديدة التي فرضت نفسها على السوق، وهو الذي قضى جلّ عمره يعمل على شريط الـ 35 مم، حيث جاءت صورة أفلامه منذ الجزيرة 2 وحتى الكنز فاقدة للوهج البصري، في الممر استطاع عرفة وأبو المكارم استعادة الإبهار البصري الذي اعتادوا تقديمه في أفلامهما السابقة مثل الجزيرة وولاد العم، ومن الأشياء التي تحسب لعرفة هى قدرته على ضبط إيقاع الفيلم، فبرغم كل عيوب السيناريو إلا أن المشاهد لن يشعر بلحظة ملل رغم طول مدة الفيلم (ما يقرب من 3 ساعات).

شخصيات أحادية

لكن الإبهار البصري وحده لا يكفي بدون كتابة جيدة تخلق شخصيات من لحم ودم تجعل المشاهد يتعاطف معهم فضعف الكتابة نتج عنه شخصيات أحادية تشعر أنه تم استدعائها من أفلام قديمة وأكبر مثال على ذلك شخصية العسكري الصعيدي الذي يحب فتاة بدوية أثناء المهمة تذكرنا بشخصية عبدالله محمود من فيلم شمس الزناتي، غير أن السيناريو تعامل باستسهال كبير مع مجريات العملية فجاءت العديد من الأحداث غير منطقية وغير مترابطة، فمثلًا شخصية الصحافي (أحمد رزق) الذي تم وضعه للتخفيف من حدة الأحداث جاء وجوده مقحمًا وعبئًا على الدراما حتى تاريخ الشخصية الذي قدمه السيناريو من أنه صحافي يشعر أنه لا يقدم شيء مفيد في حياته فقرر الانضمام للمهمة جاء مثيرًا للشفقة ودليل على رَداءة الكتابة.

عدم عناية بالتفاصيل

كذلك هناك عدم عناية بالتفاصيل المفترض أن الفريق في مهمة في الصحراء يجب أن تُظهر ملابس ومكياج الشخصيات ذلك إلا أن العكس هو ما حدث الشخصيات وتحديدًا أحمد عز ظهروا في كامل أناقتهم لا يوجد أي آثار للغبار أو التعب عليهم، أحمد عز على سبيل المثال كانت ذقنه محددة طوال الوقت ، أما أحمد صلاح حسني فقد كان الشعر ينبت في ذقنه فقط دون رأسه.

تفوق السيناريو في فيلم "أغنية على الممر"

وهنا يجب أن نشير إلى فيلم "أغنية على الممر" للمخرج علي عبدالخالق وهو أقرب الأفلام الحربية لفيلم الممر، في هذا الفيلم الذي تم انتاجه قبل حرب 1973 عن مجموعة جنود فقدوا الإتصال بالقيادة يدافعون عن ممر عقب الهزيمة في 1967 ورغم أنه إنتاجيًا لا يقارن بالممر حيث يعتبر من الأفلام ذات الميزانيات المحدودة إلا أنه تميز على مستوى الكتابة حيث استطاع السيناريو تقديم نماذج الجنود كبشر من لحم ودم بدون الوقوع في فخ المباشرة والخطابية، وكذلك نجح في تقديم تاريخ للشخصيات حيث استطاع سيناريو أغنية على الممر أن يعرفنا على مجموعة الجنود إنسانيًا ونفسيًا، لذلك لا زال أغنية على الممر من أفضل الأفلام الحربية حتى الآن رغم أنه لم يحتوى مشاهد معارك ضخمة.

التمثيل ليس في أفضل حالاته

كذلك جاء التمثيل في أضعف حالاته وهذا شيء مستغرب من شريف عرفة وهو من المخرجين الذين يمكن اعتبارهم "مخرج ممثل" أثبت في العديد من أفلامه قدرته على استخراج أفضل أداء من ممثليه. فعرفة دائمًا ما تتميز أفلامه بالأداءات التمثيلية القوية، لكن هنا جاء أداء أحمد عز ضعيفًا، نحن نرى أحمد عز الذي اعتدنا عليه طوال الوقت، لا نرى الشخصية فهكذا يتحرك ويتكلم أحمد عز، محمد فراج رغم اجتهاده الواضح في شخصية الجندي الصعيدي إلا أن أدائه غلب عليه المبالغة الشديدة، فراج من الواضح تأثره بأداء أحمد زكي من فيلم البريء إلا أن أدائه جاء نسخة مشوهة من شخصية المجند التي قدمها زكى، أحمد رزق جاء دوره شديد التقليدية، لا نعرف لماذا يحرص عرفة على تواجد رزق فى أفلامه.

رزق لم يقدم أي جديد نفس الأداء وتحديدًا الكوميديا التي يقدمها طوال مسيرته الفنية، هند صبر كانت ضيفة شرف بظهور قليل ولكنه مؤثر على الشاشة يليق بنجمة كبيرة، مشاهدها مع أحمد عز كانت دليل أخر على ضعف وارتباك أدائه، أما الأداء الأسوأ في الفيلم يذهب وبجدارة إلى أحمد فلوكس فأدائه غلب عليه المبالغة الشديدة فقد كان يصرخ طوال الوقت، وعرفة وحده هو من يتحمل ضعف الأداء التمثيلي لعدم قدرته على ضبط أداء ممثليه.

تفوق إياد نصار

إياد نصار هو من قدم أفضل أداء في الفيلم في شخصية الضابط الاسرائيلي قائد المعسكر، حيث تواجد إياد في القسم الأخير من الفيلم بكثافة وتحديدًا خلال معركته مع المقدم نور، إياد نصار ممثل صاحب خبرة وموهبة كبيرتين، وكذلك يمتلك من الوعي ما يجعله يقدم أداءًا مميزًا حتى وإن غاب التوجيه الإخراجي إلا أنه قادر أن يعبر بشخصيته إلى بر الأمان، ففي ظل الأداءات المتواضعة من أغلب المشاركين، لا يمكن اعتبار عرفة هو السبب الأساسي لتميز أداء إياد، ولكنه إياد نفسه، إياد ما يميزه في التعامل مع الشخصية رغم أنه شرير الفيلم (Anti Hero) هو أنه لا يحكم على الشخصية التي يؤديها؛ الممثل عندما يحاكم الشخصية خاصة وإن كانت بالمنطق الكلاشيهي "شريرة" تخرج الشخصية سطحية جافة خالية من الحياة تثرثر طوال الوقت، لكن إياد أذكى من أن يفعل ذلك وهو الممثل المخضرم الذي صنع لنفسه مسيرة مهمة بمجهوده وذكائه.

الممر بداية جيدة لعودة الأفلام الملحمية

فيلم الممر صنع بنفس العقلية التي صنعت أفلامًا مثل الرصاصة لا تزال في جيبي وحتى آخر العمر لكن الفرق أنه أتيحت له إمكانيات مادية وتكنولوجية لم تتح لهذه الأفلام.

أخيرًا الممر فيلم مهم ورغم كل الانتقادات سيكون من كلاسيكيات السينما المصرية لتقديمه شيء جديد على صعيد الصورة والمعارك. الفيلم نجح في تحقيق نجاح تجاري كبير، وعندما عرض على شاشات التليفزيون حقق تماس ضخم مع شرائح كبيرة من الجمهور، إذن نحن أمام فيلم صنع حالة ولم يمر مرور الكرام، وبالتأكيد سيكون الممر هو مقدمة لمجموعة من الأفلام الحربية في المستقبل، فالنجاح الجماهيري للفيلم سيمنح المنتجين والمخرجين جرأة كبيرة في تقديم هذه النوعية بدون خوف من حسابات شباك التذاكر، الفيلم برغم كل عيوبه إلا أنه سيبقى في أذهان الجماهير لفترة طويلة، لكن الأهم أن الأفلام الحربية القادمة تتعلم الدرس من فيلم الممر وتتجنب أخطائه؛ الإبهار البصري والجرافيكس ومشاهد المعارك الكبيرة ليست كل شيء، الأهم من ذلك هو وجود شخصيات من لحم ودم يتفاعل معها المشاهد ولنا في فيلم أغنية على الممر أكبر مثال.


وصلات



تعليقات