احكي يا شهرزاد ... لقاء السحاب

• ملاحظات عامة : o دخلت الفيلم لأرى كيف ستكون المبارزة بين مخرج أراه التلميذ النجيب الوحيد في مدرسة يوسف شاهين و بين المؤلف الأكثر إبداعا في السينما المصرية في العشرين سنة الأخيرة و هل سيتميز أحدهما أو هل يفرض أحدهما شخصيته على الفيلم ؟ ..ففوجئت بالرد .. لم تكن مبارزة بل كان تناغما مبدعا و صل إلي درجة خيالية في بعض مشاهد الفيلم خاصة المشاهد التي تجمع المذيعة هبه يونس بزوجها في نهاية كل حدوتة من الثلاث حواديت . o وحيد حامد يواصل إبداعاته بعد \"الإرهاب و الكباب\" و \"المنسي\" و \"معالي الوزير\" و اضحك الصورة تطلع حلوة \" و \" النوم في العسل \" يأتي بـ \" احكي يا شهرزاد\" .. البداية كانت بالاسم الرائع للفيلم و كأنه يقول أن الماضي كان على شهرزاد أن تتوقف عن الكلام أما الآن فيكفي هذا لابد أن تتكلم ، و شهرزاد هنا ليس المقصود بها المرأة كما يظهر للوهلة الأولى و لكنه يقصد بها كل المتعرضين للقهر بكل أنواعه و هنا يتمثل بالقرءان حيث اسم السورة التي تتحدث عن الضعفاء في المجتمع من الأيتام إلي المرأة إلي الأقليات و هي سورة \" النساء\" .. فاختار هو أيضا أن يكون الاسم لشهرزاد حين يتحدث عن القهر ، و لكن ليس فقط الاسم فقد جعل المرأة في الفيلم هي ضحية هذا القهر و قد كان من الممكن في كل الحواديت أن يستبدل المرأة بالرجل و لكنه اختار المرأة ليوصل الرسالة بشكل معين. . o يسري نصر الله المخرج الأروع حاليا في مصر .. مخرج صاحب رؤية فعلا... يهتم بكل التفاصيل بشكل مبهر ( انظر مثلا لأظافر الشاب في الحدوتة الثانية ) ، و حركات الكاميرا معبرة عن الحالة الذي يريد إيصالها و كأن الكاميرا مربوطة بمخه يحركها كيفما يشاء ( انظر مثلا لحركة الكاميرا لتظهر صورة هبه يونس على الشاشة الكبيرة خلف السيدة في الحدوتة الثالثة و كأنها ترى نفسها في هذه السيدة و كأنه يشرح للناس و بكل إبداع لماذا كل هذا الغضب على وجه المذيعة في هذه الحدوتة بالذات ) و حركات الممثلين أيضا توضح أن هناك قائد محنك لهذا العمل يعرف تماما ماذا يريد أن يفعل .باختصار ليس هناك شيء بالصدفة أو عشوائي أو بعيد أو غريب عن رؤيته للفيلم. o موسيقى تامر كروان رائعة فعلا و لكن يعيب الفيلم أنها لم تستخدم إلا قليلا .. كان يجب أن تكون في مساحات أكبر لتخفف قليلا من حدة العمل و تزيد قليلا من الشجن العاطفي. o أداء الممثلين كان رائعا و لكن للحقيقة فإن تمكن المخرج و المؤلف طغى على كل شيء و لكنهم أدوا أدوارهم بالشكل المطلوب و بكل بساطة و بدون مبالغات لا داعي لها و أعتقد أن المخرج لم يكن ليسمح بهذا ، و لكن الملفت للنظر هو هذه السيدة التي قامت بدور السجانة في الحدوتة الثانية و التي ظهرت في مشهد لا يتعدى الدقيقة الواحدة ، فهده السيدة إما أنها فعلا تعاني من مشكلة حقيقة أو أنها تستحق الأوسكار على هذا المشهد . o يعيب الفيلم فقط بعض التطويل القليل في الحدوتة الثانية و أقل منه في الثالثة و يشترك المؤلف و المخرج في هذا.

• التفاصيل : o الفيلم بشكل عام يعد قريب في الفكرة من فيلم الفانتازيا \" النوم في العسل \" .. و هي صرخة من المؤلف للمجتمع بأن يرفض ما يتعرض له على الأقل حتى بالكلام ..و لكن عبقرية هذا الفيلم أنه جاء بقصص واقعية تحدث أمام الجميع و الكل مشترك سواء قاهر أو مقهور و أحيانا الحالتين في نفس الوقت.

o الإطار العام للفيلم هو القهر الذي تتعرض له هبه يونس من زوجها و الذي بدوره يتعرض لقهر سياسي ليحصل على منصب رئيس تحرير في جريدة قومية ..و نرى في البداية قهره له عن طريق الضغط عليها لتغيير خط سير برنامجها من برنامج سياسي لبرنامج اجتماعي ليرضي الحزب الحاكم، ثم يواصل قهره لها طوال الفيلم بل و يرتبط هذا القهر و طريقته و نوعه و حواره بكل حدوتة تعرضها في برنامجها بعبقرية شديدة من المؤلف حتى نصل إلي الذروة في نهاية الفيلم بضربه لها و قراراها بأن تحكي هي الأخرى مأساتها.

o الحدوتة الأولى تبدأ قبل ظهور بطلتها سوسن بدر ، تبدأ في المترو عندما تركب هبه يونس مع سلمى حايك المصرية فتحاط بنظرات استهجان من كل الراكبات لأنها ليست محجبة فتعطيها صديقتها قطعة قماش لتضعها على رأسها لتتخلص من نظرات الناس و الغريب أنها بالفعل تخلصت من هذه النظرات على الرغم من غرابة باقي ملابسها و المتناقضة تماما مع حجابها ، و كأن المؤلف يعلن قبل بداية الحدوتة أنه سيتكلم عن قهر المجتمع عندما نصب كل شخص نفسه حكم على أفعال غيره و الغريب أنه يحكم و فقط من المظهر ، ثم كان الجزء الأول من الحدوتة الأولى و التي تتحدث عن امرأة كانت باهرة الجمال تتكلم أكثر من لغة و متفوقة في عملها و لكنها رفضت كل من حاولوا الزواج منها و السبب يظهر على لسانها في أكثر من جملة \" من 17 لـ 27 كانوا بيتقدمولي كتير ، بس مش فاهمه إزاي واحد يشوفني خمس دقايق و يجي يقولي تتجوزيني ؟ ، و من 27 لـ 37 قالوا إزاي واحدة بالجمال ده و متجوزشي لحد دلوقتي .. أكيد معيوبة \"لتعلن ضمنيا أن السبب الأول لرفضها الزواج كان لرفضها أن تتعرض لهذا القهر .. قهر الحكم بالمظهر. أما الجزء الثاني من الحدوتة كان عندما وافقت أن تجلس مع أحد من تقدموا لها ليتفاهموا حول خطوات الزواج فإذا به يملي عليها شروطه بداية من لبس الحجاب و انتهاء بمشاركتها في مرتبها ، و كان الرد الصاعق \" و قدام كل ده هتقدملي إيه ؟؟ \" فكان رد الرجل بأنه سيكون زوجها في إيحاء بأنه سيقدم لها الجنس ..، و هذا الجزء من هذه الحدوتة هو الجزء الخاص فقط بالأنثى في هذا الفيلم ( و هو جزء محشور في هذه الحدوتة و كان من الممكن الاستغناء عنه و لكن لا بأس به فلم نشعر بنشازه ) حيث تعلن الأنثى و بشكل شديد الوضوح أن الجنس أبدأ لم يكن على رأس أولوياتها و أنه قليل جدا أمام ما تقدمه و أنه أيضا مرضي للطرفين و ليس لها فقط كما يظن الرجال ..قالتها بطلة الحدوتة في حوارها مع هبه عندما قالت \" أحيانا باداعب نفسي أو في الأحلام \" يعني ممكن تستغني عن الرجل في هذا الموضوع لو اضطرت لهذا ،و أيضا قالتها هبه في حوارها مع زوجها عقب نهاية هذه الحدوتة مباشرة ، و كأن شهرزاد تصرخ يا رجال الحب و المعاملة كإنسان هو ما نبحث عنه و ليس الجنس ، و نعود للجزء الأول من الحدوتة حيث ذهبت بطلة الحدوتة لدار مسنين لتعمل بها حيث لا أحد يتدخل في حياة الآخر و لا يحكم على الآخر و حيث الحب و التناغم و كما قالت و هي تصف الدار \" هنا كل واحد بيعزف معزوفته بس في الآخر فيه تناغم \" و كأن المؤلف يطلب على لسانها أن يكون هذا هو حال المجتمع.

o الحدوتة الثانية تتحدث عن نوع آخر من القهر الاجتماعي و هو القسوة الشديدة التي يتعامل بها المجتمع مع المخطئ ، حيث تحكي القصة عن ثلاثة أخوات تعرضوا لظروف قاسية بوفاة أبيهم و استغلال عمهم المدمن لهم حتى تخلصوا منه و وقعوا في براثن الشاب الذي يعمل في المحل الذي ورثوه عن أبيهم فأقام مع الثلاثة علاقة و هو يوهم كل واحدة منهم أنه سيتزوجها حتى يكتشفوا ما يفعله فتقوم الأخت الكبرى بقتله و حرقه ، الكل مخطئ في هذه الحدوتة العم و الشاب و الثلاثة أخوات و المؤلف لم يحاول أن يبرر ما فعلوه و هو حتى لم يحاول أن يخفف من فظاعة فعلتهم و لكنه يتحدث عن مخطئ تحمل بكل شجاعة نتيجة خطأه و دفع الثمن و الآن يحاول أن يستعيد إنسانيته لماذا كل هذه القسوة في التعامل معه ، حتى هبه يونس أثناء الحوار مع بطلة الحدوتة قست عليها بشكل سيء ..و الحدوتة بدأت بمحاولة إقناع هبه يونس لبطلة الحدوتة بالظهور معها في البرنامج فتطلب في مقابل ذلك علاج سجانتها السابقة في السجن و التي تقوم على رعايتها ليعلن المؤلف للجميع أن هذه السيدة تحاول استعادة إنسانيتها فأرجوكم ساعدوها على هذا بدلا من أن تقهروها و تظهر مرة أخرى هذه الرسالة بوضوح في حوار هبه يونس مع زوجها بعد نهاية الحدوتة.

o الحدوتة الثالثة و الأخيرة و الأصلية في نفس الوقت و التي بدأت مع بداية الفيلم ثم مهد لها في حوار هبه مع زوجها عقب نهاية الحدوتة الثانية عندما هاجمها زاعما أنها عادت في برنامجها للسياسة \" ما هو كله سياسة ، المجتمع اللي يطلع الوساخة دي ما هو متأثر بنظام سياسي هو السبب .. كله سياسة \" و لذلك قررت أن تكون الحدوتة الثالثة عن القهر السياسي و هي قصتها في الأساس و إن انعكست على أبطال آخرين ، و الحدوتة تحكي عن طبيبة أسنان جميلة من أسرة عريقة محترمة تقع في براثن اقتصادي شهير يقوم بالنصب عليها و لكنها تتخلص منه في المحكمة و تتخلص أيضا من جنينها لأنها لا تريد أن تحمل منه و لكنها في نهاية القصة تفاجئ باختياره وزير فتحمل يافطة و تذهب أمام مجلس الوزراء لتسأل عن معيار اختيارهم \" لنضافتهم أم .... \" ، و كما نرى هنا فالسيدة لم تقهر تماما فقد حصلت على كل حقوقها و لكن المجتمع كله هو الذي قهر باختيار مثل هذا الوزير و كأنه يعود إلي بداية القصة و طريقة و معايير اختيار رئيس التحرير للجريدة القومية التي يعمل بها زوج هبه و كما تقول لزوجها بعد أن يفقد المنصب \" إذا كنت انت رقاص ففيه رقاصين تانين كتير أحسن منك \" و كأنه يعلن أن هذا هو معيار الاختيار و الترقي في هذا النظام السياسي و الذي أدى إلي نظام مجتمعي فاسد مسئول عما حدث في الحدوتتين الأولى و الثانية و لذلك كانت هبه في منتهى الغضب و هي تستمع للسيدة و كأنها تتحدث عنها هي و بالفعل نرى انعكاس الحلقة على هبه فورا وكأن المؤلف يريد أن يعلن في النهاية أن النظام السياسي الفاسد هو السبب في كل هذا القهر في المجتمع.

نقد آخر لفيلم احكي يا شهرزاد

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
نقطة تماس بين يسرى نصرالله والجمهور فادى جمال فادى جمال 12/13 25 يوليو 2009
شاهدت لك: احكى يا شهرزاد Fady Baha'i Seleem Fady Baha'i Seleem 3/19 27 ديسمبر 2009
احكي يا شهرزاد ... لقاء السحاب هيثم نصار هيثم نصار 14/15 11 يوليو 2009
نهاية الصباح و بداية المساء شريف العدل شريف العدل 2/11 5 يوليو 2009