نشيد الإنسان

هذا فيلم بديع، مغزول بمهارة و رهافة حس. البطل هو الإنسان بأحواله المدهشة .. ليزا التي فقدت أخاها في الطفولة ليتبناها هانز و روزا .. هانز العجوز و الطفل في آن بروحه الخفيفة و قلبه الغض و أكورديونه الساحر.. روزا المتذمرة بديمومة و التي لا يعرف جمال روحها إلا هانز. ليزا أيضا لم تعرف ذلك إلا أخيراََ .. رودي و عائلته المتمسكة بهامش الحياة لكن الحرب لا تترك لهم الهامش الذي ارتضوه.. اللحظة نازية و الموعد الحرب العالمية الثانية و القنابل تنهال على القرى الآمنة بلا تمييز و هتلرو جنوده يعيثون في الأرض.. الشيوعيون الكفرة فلنحرق كتبهم و لكن ليزا تنقذ الأخير.. اليهود الخونة و الكل متواطئ فألمانيا فوق الجميع. و طفلان يحيدان عن المسار المفجع و يخرجان بعيداََ و يهتفان في أعماق الغابة "أكره هتلر .. أكره هتلر".

و يأتي ماكس كإطلالة شعاع في يوم غائم ليغزل مستقبل الفتاة الصغيرة على مهل.. و يدور الحوار: - الذاكرة هي كتاب الروح .. أتعرفين من قالها؟ .. رجل يُدعى أرسطو. هلا تسدين لي خدمة؟... هلا وصفت النهار من أجلي ؟ - إنها مغيمة - كلا، تحدثي من واقعك أنتِ، لو كانت عيناك تتحدثان، فماذا تقولين؟ - إنه يوم باهت.. كل شيء عالق وراء سحابة. و الشمس لا تبدو مثلما كانت - و كيف تبدو؟ - مثل المحار الفضي. - شكرا لكِ، لقد رأيت كل ذلك.

و يتسرب الزمن على مهل. و تنتزع الحرب و النازية أجمل ما في البشر و المتمسكون بإنسانيتهم قليل على هذه الأرض المولعة بالمجانين.. و لكن ماكس يستكمل مهمته الجليلة: - جلبتُ لكِ هدية لعيد الميلاد .. إنه كل ما أملك .. افتحيه الإهداء: "إلى ليزا .. من ماكس" - ماذا يقول؟ - اكتبي، في ديني، نحن نعلم بأن كل شيء حي، كل ورقة و كل طير، هي على قيد الحياة بفضل الخالق. هذا هو الفارق الوحيد بيننا و قطعة الطين، مجرد كلمة. الكلمات هي الحياة يا ليزا. - كل هذه الصفحات الفارغة؟! - عليكٍ ملأها بالكتابة. و تكتب ليزا، الحكاية الأولى: "كان هناك ذات مرة شبح لصبي، كان يحبّ العيش في ظلال الأشخاص، حتّى لا يخيف الناس. وظيفته كانت انتظار شقيقته التي ما زالت حيّة، لم تكن تخشى الظلام، لأنها كانت تعرف أن شقيقها هناك. و في الليل، عندما يأتي الظلام لغرفتها، ،تخبر شقيقها عما حدث في النهار. و تذكره بشعورها عندما تلمس الشمس بشرتها، و كيف يكون الهواء عند تنفسه، أو كيف يسقط الثلج على لسانها فيذكرها أنها لا زالت حيّة.. وسويًا، ظلوا في الغابة حتى شروق الشمس، وبينما يختفى هو في الظلام تودعه هي لآخر مرة".

يصرخ المسكين ابني في الجيش. أنا ألماني.. قل شيئا يا هانز، أنت تعرفني.. و لكن هانز يقع أرضاََ و المسكين يقاد للسجن. و تتسآءل ليزا بحيرة مفجعة: - لا أستطيع الفهم .. ما الخطأ الذي فعله؟ - أنه ذَكٌَر البشر بإنسانيتهم المفقودة - هل يمكن أن يعتذر؟ - لمن؟ .. هتلر !! - هل سيأخذونه بعيداََ؟ - لا أدري، عليّ الرحيل يا ليزا - لكنك وعدتني، ماكس. - هذا لصالحك.. لصالح العائلة. - لكنك عائلتي، لا أستطيع تحمل فقد آخر.

رواي الفيلم شخصية غريبة لكنه يعرفنا و نعرفه ككف اليد و إن تغافلنا. يبدأ هو الحكاية: هناك حقيقة حتمية، أنك ستموت. على الرغم من كل ما تفعله فلا أحد يعيش للأبد. آسف لإفسادي اللحظة و لكن نصيحتي لك، عندما يحين الوقت لا تذعر، فالذعر لا يفيد.لطالما أحببت صورتي و أنا أحمل المنجل و الفآس،

وينهيها: لم يكن هناك صافرة إنذار تلك الليلة، أولاََ كان أشقاء رودي، قرأت أحلامهم البسيطة، ثم قبلت والدته. و سرقت اللؤم من قلب فرانز دوتشر. روزا، أمسكتها و هي تشخر.. أقسم أني سمعتها تنعتني بالوغد، ثم شعرت بندمها لأن لم تعط الفرصة للآخرين ليشعروا بقلبها الكبير. و بالنسبة لهانز كانت روحه أخف من الأطفال، شعرت بعزفه لآخر لحن على الأكورديون و سمعت كل أفكاره الأخيرة. رودي جاءت روحه إلى ذراعي. في عملي، دائما ما أجد أفضل و أسوأ ما في البشر، أرى بشاعتهم و جمالهم، و أتساءل.. كيف يكون الاثنان شيئ واحد. لقد رأيت أموراََ كثيرة عظيمة، و شهدت أسوأ كوارث العالم كلها و عملت مع أعظم الأشرار و رأيت أعظم العجائب و لكن كما قلت من قبل.. لا أحد يعيش للأبد. و عندما جئت إلى ليزا أخيراََ ، شعرت بالفضول لمعرفة كيف عاشت التسعين عاماََ بحكمة كبيرة. أثرت قصصها في الكثيرين بعضهم عرفته بعد الموت. صداقة ماكس التي دامت و في أفكارها الأخيرة رأيت الأشخاص الذين اختلطوا بروحها، أولادها الثلاث و أحفادها و زوجها، و من بينهم أضاء هانز و روزا كالمصباح و شقيقها و الفتى الذي ظل شعره بلون الليمون دائماََ .. أردت أن أخبر لصة الكتاب أنها واحدة من ضمن قلائل، جعلتني أتساءل كيف يكون الإنسان حياََ.. و لكن في النهاية، لم يكن هناك كلمات.. مجرد هدوء. الحقيقة الوحيدة التي عرفتها، أني مطارد من قِبل البشر.

صورة للفيلم البديع "لصة الكتاب" أو The Book Thief أو Die Bücherdiebin

نقد آخر لفيلم The Book Thief

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
قصة قوية لانتصار الإرادة البشرية دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 1/1 24 يناير 2014
نشيد الإنسان Ab Te Ab Te 2/2 9 فبراير 2014