عن قُرب، ستختلف الأمور..

  • أنا لا أحبك بعد الآن = منذ متى؟ ـ الآن.. على الفور لا أريد أن أكذب، ولا يمكنني قول الحقيقة.. لذا، لقد إنتهى الأمر. = أنا أحبـِـك، لا شئ من هذا يهم. ـ تأخرت كثيراً، أنا لا أحبك بعد الآن.. الوداع ها هي الحقيقة.. لذا يمكنك أن تكرهني الآن.

عن قـُرب، ستختلف الأمور! حتماً سيسوءك ما كنت تجهله.. الآن دعني أصحبك في جولة، تقدم معي بضع خطوات.. نعم هكذا، توقف الآن وألقِ نظرة من بعيد على تلك الفتاة.. نعم هذه، تلك الجميلة البارعة مشرقة البشرة صاحبة الشعر الأحمر الآخاذ، صاحبة الطلة الخاطفة التي لن يصمد أمام سحرها سَدّاً! أترى كيف تكون إنطلاقتها؟.. أترى كيف هو إستمتاعها بكل حرف تلفظه أو إلتفاتة تلتفتها؟.. أأحببتها؟.. لا مقاومة تجدي معها! ستخبرك أن إسمها "آليس"، ومن بعيد لا فرار من شـِباك سحرها، سنتفق جميعاً أنه لا إختلاف على ذلك، ودون أدنى تروّى منا بالحكم! الآن دعهم يقتربون، عن قرب ستجد تلك البراءة التى لفتها من رأسها لأخمص قدميها، وتلك العفوية التي عانقت كل إلتفافاتها، أجادت التناقض الأكمل مع وظيفتها، هي ستخبرك دون مواراة أنها "متعرية"، هي تعلم أنك الآن تتصور مفاتنها في مخيلتك، وكيف لجسدها الغض هذا حين يكون عارياً؟!.. هي ستخبرك بأشياء في تبسط تام ربما يذهلك، لكن مع ذلك تدرك أن هناك مكر يحيط تلك الفتاة وغموض علمتها الحياة التحلي به، ستدرك أنها اغتنمت أسلحتها بنفسها لتتعامل مع كل محيط أياً كان، لكنك ستقترب أكثر، وستدرك أكثر، وتمنحك هي الأكثر فالأكثر.. ثم تفاجئك بأن هناك معلومات تمنحها لك مغلفة بالمراوغة المفضوحة، مراوغة أرادت لك أن تعلم بوجودها، ستدرك أيضاً أن تلك الفتاة تعلم جيداً مقابض الرجال، وكيف تديرها فى الإتجاه الذي ترضاه.. ستعلم أن بارعة الجمال تلك التي أبهرتك عفويتها، بها من الغموض والتحكم في مشاعرها وعلمها بنقاط ضعفك ما يخيفك، ستعلم أنك كلما اقتربت كلما تمكنت هي منك ومن نقاط الضعف تلك.. لكنك ترغب بالإقتراب لتحل عنك غموضها، فهل تقترب؟

الآن، دعك منها وألقِ نظرة ـ من بعيد ـ على تلك السيدة، نعم هذه.. صاحبة الملامح الهادئة ـ التي لم تخلُ من أنوثة ـ الناضحة بالحكمة والنضوج، إسمها "آنا".. لن تحتاج لجهد في معرفة أنها إمرأة تتقن عملها جيداً وتطمح بنجاحه، هي "مصوّرة محترفة" أصابعها أدركت أسرار الكاميرا بشكل مذهل، "آنا" ـ من بعيد ـ لن تترك لك مجالاً سوى بالتفكير في هدءوها، حكمتها، تروّيها، نضوجها وسعيها لكمال عملها، أمور كلها تفضي لمسعى تحقيق السعادة.. دعهم يقتربون، "آنا" من هؤلاء الذين أجادوا دور "ضحية التعاسة"!.. هي ترغب بأن تضلها السعادة! هي مكتئبة وستظل، أمست تألف ذاك الشعور، تهيأت مناخاتها من أجله، حتى إن صادفتها فرصة لتسعد، ستزدريها بإقتدار!.. لكن، نضوجها خادع وسيحكم قبضته.. لا زلت ترغب بالإقتراب، أستفعل؟!

إغتنم الآن نظرتك من هذا الشاب الوسيم.. إسمه "دان"، سيحيّرك أمرهُ كثيراً! هو شاب بسيط يخبرك عن حبُه للكتابة وكونه روائى فاشل دون خجل، فاختار أن يكون صحفي حتى وإن كتب لصفحة الوفيات.. وسيم هو وبسيط، يبدو لك أن الحنان يفيض منه دون حساب، دعهم يقتربون دون أن يفقدوا حذرهم.. "دان" مستغل وإنتهازى، بل الأدهى غير سوّي بالمرة على عدة مستويات.. ستكتشف أنه ينتظر إقترابك ليمتص عصارة حياتك محولاً إياها لكتابات قد تنجح فى إقامة قلمه على قدميه.. سيفجعك إكتشاف محاولته أن ينسج خيوط حياتك كما يتراءى له، لتكتمل روايته كما يحب لها أن تكتمل!.. سيورطك مع شخصيات، يقحمك بأحداث، يسعى لملاطفتك مع تلك وإزاحتك من طريق تلك، سيرغب في تحريك عالمك كما لو أنه روايته!.. لن يروقك الأمر، لكنك تحب هذا التشويق الناجم عن علاقته، هذا الشعور يرغمك على رفض الإبتعاد، فهل تقترب؟

ثم أخيراً، نظرة ـ من بعيد ـ على هذا الرجل البالغ.. نعم، نعم، ذلك الرصين الهادئ الذى تفتق عن مظهره الذكاء الحاد، "لاري".. طبيب الأمراض الجلدية، له طلة مُعذَبّة عجيبة، تشعر معها بأنه في معاناة قاتمة، ولابد لك أن تساعده.. الآن دعهم يقتربون، "لاري" عجيب الشأن فعلاً، لا صلة لجنونه بمركزه الإجتماعى، يشعر بالنقص الذي يرغب بتعويضه دوماً في تفاصيل لا تحتل من إهتمام الآخرين مثلما إحتلت من إهتمامه!.. "لاري" يكاد يكون مهووساً جنسياً رغم مركزه هذا، "لاري" تفصيلة صغيرة وإن كانت كاذبة قد تحيل حياته جحيماً، قد تـُلوث كل ذكرياته الجميلة وتعكرها.. "لاري" ربما يتمناكِ عارية تضاجعينه حتى وإن كنتِ تحدثينه عن أحوال البورصة، "لاري" بمعاناة أخرى غير تلك التي تبدو لكِ، لكن معاناته التي بدت لكِ تروقك وتمدِك بالقوة، تجعلك راغبة بالإقتراب لإحتوائه، مصدر سيمنحك الشعور بنقاءك وقدرتك على معاوّنة الآخرين، هو مختل وغير سوّي حين تقتربين، لكنه في معاناة تستجلبك ـ بشكل أو بآخر ـ لمعاونته!.. فهل تقتربي؟

في فيلمنا Closer، هؤلاء هم أبطالنا الأربعة.. تتشابك علاقاتهم بشكل مثير جداً، سيستحوذ إنتباهك الكُلي منذ أولى اللحظات، كلما اقتربنا أكثر منهم، كلما تبدى لنا ما فاجئنا، سيرورة العلاقات نفسها وما سينجم عنها من مفارقات جديراً بأن يلف رأسك إعجاباً وعجباً!.. أترك نفسك لحظات لتتخيل كيف الحال، حين تتقابل تلك الشخصيات بعلاقات متشابكة، ويقتربون ليكتشفوا ما سيسوءهم، والأدهى أنهم قد يصرون على الإقتراب!

المخرج "مايك نيكولس" وهو واحد من مفضليني شخصياً، يجيد تماماً حبك علاقات فيلمه، ورصد التفاصيل المؤثرة لأبعد عمق، يدرك من أين له أن يستحوذ إنتباه المتلقي وحواسه تماماً، فتجلس لتبهرك غرابة العلاقات مع مدى واقعيتها وشعورك بشخوصها وما يداهمهم من أحداث وتقلبات!

أما كاتب النص "باتريك ماربر"، فهو مبدع من الألف للياء، ستذهلك قدرته على حَبك هذه العلاقات ورسم تلك الشخصيات بما يتعرضون له من مفارقات ومواقف متباينة إمتد تأثيرها عليهم جميعاً..

لا أرى جدوى من عرض علاقات الفيلم وتشابكاتها بما تمخض عنها، المتعة كلها تكمن فى إقترابك من كل شخصية وإكتشاف ما غاب عنك من بعيد.. وهل هذا سيتفق مع تصورك الذى كونته بعد عرض الشخصيات عليك أم سيختلف عنه؟، فيلمنا عن أى علاقة قد تُعقد بين شخصين، عن المساوئ التى تبدو لك بعد الإقتراب من الطرف الآخر.. عن المشاكل التى لابد وأن تعانق كل روح إنسانية، لكن جمال بدايات العلاقة لم يسمح لنا سوى بالتفكير فى هذا الملاك التى سنحت لنا الأقدار بلقائه، فيلمنا عن الإقتراب الذى يُفقد العلاقة جمالياتها بما بدا من مساوئ، أو يزيد جمالياتها لما غلفها به من واقعية، الأمر شأن صاحب العلاقة وتحليلاته وتفاسيره، لهذا لا تنتهى العلاقات ذات النهاية أبداً.

فيملنا "عن قـُرب" مختلف عن كونه بعيداً، عن قـُرب، ستختلف الأمور.. و قد يسوءك إختلافها، فهل تجرؤ على الإقتراب ونبش ما قد يخدش أظافرك؟!

نقد آخر لفيلم Closer

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
عن قرب ahmad salahedin ahmad salahedin 0/0 8 اغسطس 2016
عن قُرب، ستختلف الأمور.. Hesham Emad Hesham Emad 3/3 17 سبتمبر 2015