القتل أثر جانبي

أليس في بلاد الدم !

إنديا فتاة مراهقة ترى وتسمع ما لا يراه ولا يسمعه الآخرون على حد تعبيرها، غريبة الأطوار على حد تعبير زملائها، هي (أليس) إذن – التي لعبت دورها الممثلة ميا واسيكوسكا في فيلم سابق - ولكنها ليست (في بلاد العجائب) هذه المرة. لا شيء يبعث على الرعب أكثر من طفلة ترى ما لا يراه الآخرون، تلك المعلومة التي تأتينا على لسان إنديا في بداية الفيلم قد تبدو معلومة واعدة بالعديد من التخيلات المبهرة التي ستقودنا خلالها إنديا نحو عوالمها الطفولية المسحورة على طريقة أليس، وهي وعود كاذبة كلها، حنث بها مخرج الفيلم عامدا، ليقذف ببطلة فيلمه وبنا كذلك في رحلة أخرى دموية على أقل تقدير، ذلك أن إنديا طفلة حزينة مسكونة بالرعب والشك، تخيلاتها لا تصلح للإبهار البصري، ولا تسعى للتحليق بالمتفرج بعيدا عن سطوة الواقع، لذا تلخصت تخيلاتها في ظهور عابر لحشرة العنكبوت التي تزحف حولها كنذير سوء، أو كفكرة شريرة تزحف داخل رأسها بأرجل عديدة.

شيء من هاملت

نهار عادي يليق بطفلة تستعد للإحتفال بعيد ميلادها الثامن عشر (أن تصبح بالغا معناه أن تصبح حرا) هكذا تقول الصغيرة لنفسها. نحن على أعتاب عالم مألوف جدا، ثم يموت الأب في حادث محترقا داخل سيارته. يموت الأب فيصبح كل شيء مخيفا، الأم التي تسعى للنسيان منذ اليوم الأول، العم الذي يظهر في حياة العائلة لأول مرة عائدا من رحلاته حول العالم ليحل محل الأب وينام في ثيابه، أحاديث الخدم التي توحي بغموض الطريقة التي مات بها الأب. نلاحظ إعجاب إيفيلين (الأم) بشارلي شقيق زوجها الراحل ريتشارد، وهكذا يستطيع شارلي تثبيت أقدامه في المنزل، وإنديا لا تشبه هاملت في شيء وإن كانت تسمع أصواتا، وإن كانت علاقة أمها بعمها تتطور سريعا إلى حد العناق، وقد علما أبوها الصيد منذ نعومة أظفارها مما ضاعف من حدة حواسها، كما علمها فضيلة الإنتظار، انتظار اللحظة المناسبة للتصويب. والهدف هو ذلك العم شارلي صاحب التاريخ الغامض، القادم من المجهول ليغير أحوال الأسرة، وربما ليكشف عن تاريخها السري. تختفي الخادمة في نفس يوم وصوله عقب مشادة كلامية بينها وبينه، ثم تختفي خالته العجوز قبل أن تتمكن من مقابلة الأم لتحذيرها من شيء ما. ورغم الفارق الزمني بين اختفاء الخادمة والخالة إلا أن السيناريست يجعلنا نكتشف مقتل السيدتين في مشهد واحد بطريقة المونتاج المتوازي، وقد نجحت ألعاب المونتاج وإعادة ترتيب المشاهد تلك في أن تجعل إنديا تسبق المتفرج دائما بخطوة أو أكثر نحو اكتشاف الحقائق. فها هي جثة الخالة تختنق أمامنا بين يدي شارلي، وها هي إنديا تكتشف جثة الخادمة في الثلاجة حيث تضع الآيس كريم الذي أحضره لها عمها (حتى الآيس كريم في هذا الفيلم يبعث على الرعب!!) في البداية يبدي شارلي إعجابه الظاهري نحو الأم، ثم تتضح تدريجيا مظاهر شغفه الحقيقي بإنديا ابنة أخيه الصيادة، سليلة عائلة ستوكر. عندما يشاركها العزف على البيانو متقاسما معها نفس المقعد فإن قلبها يرتعد من الرعب، بينما يرتعش جسدها المراهق من الإثارة، علاقة مركبة تجمعها بالعم، تتأرجح بين الحب والكراهية، بين الوداعة والرعب، وها هو العنكبوت يتسلق ساق إنديا ويدخل في تنورتها متسللا إلى موطن الألم.

التاريخ السري لعائلة ستوكر

ترى ماذا يحدث لو كان هاملت امرأة؟! هل سيختلف موقفه من ثالوث الأب والأم والعم/ أطراف الصراع؟! بين وصايا الشبح، وبين أصابع العم القاتل ولمساتها الرقيقة على جسد البيانو؟! إلا أن هدية عيد الميلاد التي تركها الأب لابنته هذا العام كانت مفتاح التاريخ السري للعائلة، المفتاح الوحيد لدرج مكتب الأب حيث ترقد بعض صور فوتوغرافية تجمع ريتشارد بشارلي وجوناثان شقيقهما الأصغر الذي يختفي من باقي الصور دون سبب واضح. كذلك ترقد حزمة كبيرة من الرسائل كتبها شارلي لابنة أخيه أثناء طوافه حول العالم كمصور فوتوغرافي بإحدى المجلات (عزيزتي إنديا ستوكر.. أكتب إليك من إفريقيا... من فلورنسا... من سانت إتيان.. أنتِ الأعزّ على قلبي، ابنة اخي الوحيدة - شريكتي الصامتة والغير مرئية.. على الرغم من أنه لم تصلني رسالة، أرى رسائلكِ في النجوم وفي الموسيقى، إنه صفيرٌ من رجلٍ وحيد تائهٌ في بلدٍ أجنبيّ.. أعلم أنك تشعرين ببعض الوحدة أنت أيضا، الحياة أصعب عندما ترى وتسمع ما لا يراه ولا يسمعه الآخرون، أرجوكِ إعلمي أنني معكِ، طالما أشارككِ نفس الدم) والدم كلمة متعددة الدلالات لا يرد ذكرها مجانا في قاموس المخرج شون ووك بارك. وربما نجحت مشاعر شارلي حبيسة الخطابات القديمة في استمالة قلب إنديا فعلا، إلا أن الختم المطبوع على جميع الرسائل يؤكد أنها جميعا صادرة من مكان واحد (كرافورد) حيث كان يقيم العم شارلي طوال العشرون عاما الماضية، ولكن لماذا كذب ريتشارد على أسرته فادعى أن شقيقه مسافر طول الوقت؟! ولماذا حرص شارلي على تأكيد الكذبة في رسائله؟! ربما لو عرفت السبب يا إنديا لعرفت أيضا الكثير عن مصير ريتشارد الأب، ومصير جوناثان الأخ الأصغر لكلا من ريتشارد وشارلي الذي اختفى من الصور العائلية وسقطت سيرته!

ميراث الرعب

كان ريتشارد شديد التعلق بجوناثان، أحبه كثيرا إلى الدرجة التي أثارت غيرة شارلي الشقيق الأوسط، وقد ذهبت مشاعر شارلي به بعيدا إلى حد دفن جوناثان حيا وهو ما زال طفلا يتعلم المشي، انقطعت العلاقة بين ريتشارد وشارلي منذ ذلك الحين، وقد حرص ريتشارد على إخفاء أسرته بعيدا عن شارلي طوال تلك السنين، إلى أن يقرر شارلي العودة ذات يوم، ولكن ليس أي يوم، هو يوم بلوغ إنديا عامها الثامن عشر (كنت أنتظرك.. كل شيء فعلته كان من أجلك يا إنديا !!) لكن ريتشارد يرفض اصطحاب شارلي إلى منزله وتقديمه إلى أسرته، فلا يتورع الأخير عن قتله وإشعال النار في سيارته، وكما اعتمد السيناريو على المزج بين اكتشاف جثتي الخادمة والخالة في مونتاج متوازي، يعود لاستخدام نفس الرباط السردي فيجمع بين مصير جوناثان ومصير ريتشارد في مشهد واحد يحمل طاقة رعب مكثفة، وهو مشهد مواجهة إنديا لشارلي. إنها أمامه الآن لا شيء يمنعه عنها إلا غيرة الأم التي بدأت في التصاعد منذ أن شاعت في أرجاء المنزل رائحة العلاقة المحرمة بين إنديا وعمها، يجسدها صوت العزف الثنائي على البيانو لا أكثر. وأخيرا يحاول شارلي قتل الأم، يصر على أن يقوم بذلك على مرأى من إنديا وكأنه يعلن بذلك عن اختياره بين الأم وابنتها، وهنا تحديدا تطلق إنديا النار على شارلي بعد طول انتظار، تحديدا أثناء محاولته قتل أمها (لطالما أعتقدت أن أبي يحب الصيد ولكني أدركت الليلة أنه كان يفعلها لأجلي، كان يقول أحياناً تحتاج للقيام بفعلٍ سيّء، ليوقفكَ عن القيام بفعلٍ أسوأ) وربما يعيد ذلك تفسير عبارة الأم عندما تقول لابنتها (أتساءل لماذا ننجب أطفالاً من الأساس؟ في نقطةٍ معيّنةٍ من حياتنا ندرك كم هي الأمور في حالٍ لا يمكن إصلاحها لذا نقرّر البدء من جديد وننجب أطفالا، نسخ كربونية صغيرة نقول لها ستفعل ما لم أقدر على فعله، ستنجح حيثما فشلت أنا، لأننا نريد شخصاً ما ليفعلها بالطريقة الصحيحة) وقد يحتمل مونولوج الأم أكثر من تأويل، فهي تشير من ناحية إلى إنديا التي نجحت فيما فشلت فيه أمها فحازت على حب شارلي، والتي ستنجح فيما فشل فيه الأب من ناحية أخرى فتتخلص من شارلي للأبد. عن نفسها تقول إنديا في مشهد البداية/ النهاية (لم أتشكّل بواسطة أشياءٍ تخصني وحدي، أرتدي حزام أبي مربوطاً حول قميص أمي وأخيرا حذاء عمّي، هذه أنا، كما لا تختار الزهرة لونها، نحن غير مسئولون عمّا نحن صائرون إليه، فقط عندما تدرك ذلك تصبح حُراً.. وأن تصبح بالغاً معناه أن تصبح حراً) هذا التاريخ العائلي الذاخر بالرعب والصراع النفسي، يجعل من القتل في النهاية نتيجة حتمية، وربما أثرا جانبيا لا يستحق التوقف كثيرا عنده، كما هو الحال عادة في أفلام شون ووك بارك.

نقد آخر لفيلم Stoker

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
القتل أثر جانبي ahmed nabil ahmed nabil 2/2 23 يونيو 2016
البراءة تنتهي .. Benel Aamer Benel Aamer 0/0 11 مارس 2014