أراء حرة: فيلم - الهروب - 1991


ما هذا الفيلم ؟؟؟

ما هذا الفيلم ؟ و كيف تم أسر المتفرج طوال مدة العرض ؟ و ما هذه الموهبة الطاغية لـ احمد زكي !! هذا العملاق الذي فارقنا مبكراً و رحل جسدا و لن يرحل تاريخا سينمائيا ساطعا كشمس الظهيرة ... ألم تشعرون مثلي بأن هذا الفيلم يربطنا و يسمرنا أمام الشاشة بمغناطيسية غريبة ! هل هو أخراج الراحل اكبير الطيب ! أم أن ذلك يعود الى منتصر الذي بقي منتصرا حتى و هو يقتل و يقتل ثم يتم قتله في نهاية الحدوتة المخابراتية لمحمد وفيق !! .. أم أن هناك سحر ينبعث مع الصوت الصعيدي الذي ينوح بشجن يداعب القلوب بدون تفسير !! .....اقرأ المزيد ما هذه التوليفة السينمائية الانسانية الابداعية !! هل أن دور الظابط النزيه مخيون أضاف بعدا أخر للقصة .. أم أن الراقصة العاشقة لعبت دورا في محبتنا للقصة .. أم أن أحمد زكي تفوق حتى على نفسه من خلال التحول من المظلوم الطيب الى القاتل المتفوق في هروبه المتكرر .. أم أن السبب هو تجسيد أحمد زكي لشخصية مركبة تتناغم بداخلها مشاعر المنكسر المظلوم الطيب الشريف و القاتل القوي الذي يؤكد على وجوده و يفرض أرادته على المجتمع كما يشاء.. هل لاحظتم أن الطفل البريء بقي حيا بداخل القاتل في جميع مراحل مغامرته المثيرة .. ما هذا الفيلم ؟ و لماذا نشعر بقوته على هذا النحو !! حقيقة لا أمتلك سوى التساؤلات و لعل التساؤلات في وصف فيلم كهذا هي افضل بكثير من الأجابات .. نعم هذا الفيلم هو تحفة حقيقية للسينما المصرية .. القاتل الهارب الساعي لمحر عار زوجته التي سلكت سلوكا مشينا , هذا القاتل هو نفسه الابن المطيع الذي سلم نفسه طوعا خشية على أمه العجوز المريضة .. هو نفسه الصديق المخلص للظابط محاولا حمايته من رصاص الأمريكاني وفيق بجسده .. هو نفسه المعلق بين السماء و الأرض مستلقيا على شبكة مربوطة بين الأشجار مراقبا للصقور المحلقة .. تساؤلات لعلها لا تنتهي في فيلم لن يتكرر .. أحمد زكي لا يحتاج الى اي اشادة أو شهادة مني أو من غيري .. تاريخه المرصع بجواهر سينمائية يتكلم عنه أفضل مننا جميعا كنقاد متخصصين أو مشاهدين محبين للسينما .. مع قدرته المتفردة في التقمص و لكنه هنا في الهروب .. كان ( رايق ) المزاج و استعرض ما بداخله من طاقة عظيمة ... ختاما أود الاشارة الى جانب قد يكون غريبا بعض الشيء .. بعد مشاهدتي للفيلم و لأكثر من عشرة مرات .. مرارا و تكرارا اسأل نفسي عند و بعد المشاهدة .. هل باستطاعة العالمي يوسف شاهين اخراج ولو مشهد واحد بمثل جودة مشاهد هذا الفيلم .. تساؤلي هذا ليس أنتقاصا ابدا من الكبير شاهين و العالمي .. و لكنها تقدير و اعتراف بقيمة الطيب


بعد قراءة نقد أحمد بدوي

بعد قراءتي للنقد الفني لأحمد بدوي انتابتني رغبة عارمة لمشاهدة الفيلم، وبالفعل انتهيت من مشاهدته للتو، وكل ما استطيع قولة أنه من أروع الأفلام التي شاهدتها على الإطلاق، ارتبطت مع الأحداث لدرجة إنني لم اشعر للحظة إنني أشاهد فيلما، كان الإخراج على درجة عالية من الحرفية، الحوار والسيناريو جميل وعميق، الموسيقى التصويرية استطاعت أن تؤجج في داخلي مشاعر الارتباط والإشفاق على بطل الفيلم. أحمد زكي، العبقري احمد زكي، لا يوجد شيء ممكن أن أقوله عن احمد زكي أكثر مما قيل. تنتهي الكلمات إذا كنت أريد الكلام عن...اقرأ المزيد احمد زكي. صحيح إنني من عشاق الأفلام الأمريكية، لكني اجزم انه ما من فيلم أمريكي ممكن أن يوصل لي نفس الشعور الذي أعطاني إياه فيلم (الهروب) لأنه يتكلم عني، والناس التي تشبهني، مثلا في بداية الفيلم عندما كان أهل البلدة يحاولوا استخراج تأشيرات ليأتوا للعمل في الغربة، صرت ابكي في هذا المقطع بعدما عرفت ما أكثر ما يقاسون في هذه الحياة وهم مثلنا أهل شرف ونخوة، دائما أعشق الأفلام العربية التي تحمل مضامين لا استطيع أن أجدها في مكان آخر. أنا متأكدة أن منتجي فيلم (الهارب) الأمريكي، قد تفرجوا على فيلم (الهروب) قبل أن تخطر لهم فكرة الفيلم، لسنا نحن فقط من نقتبس منهم، هم أيضا يقتبسون منا.


عندما يصبح الشخصي عاماً

تتر البداية...أسماء طاقم العمل تتتابع بخط هو نفس الخط الذي كتبت السير الشعبية لأبى زيد الهلالي والزناتي خليفة وعنترة به، ولم تزل في بعض المقاهي العتيقة بعض لوحات بذات الخط على جدرانها تحمل إلى جوارها بعض تصاوير بدائية لأبطال تلك الملاحم، وعلى شريط الصوت هناك نواح لرجل صعيدي يتطابق أيضاً مع النواح الذي يمكن سماعه في حكايات الربابة لينذر بوقوع المأساة..ماذا يريد صناع الفيلم إذن؟ إنهم يخبرونك أنك على وشك التعرض لملحمة شعبية مصورة سينمائياً. حسناً..فلنتحدث قليلاً عن صفات الملامح الشعبية، إنها تسير...اقرأ المزيد بأسلوب سرد تقليدي يعتمد على البداية فالوسط فالنهاية، ولها بطل محدد تدور حوله الملحمة مع ظهور أبطال آخرين بخلفيات كاملة وشخصيات واضحة إنسانية ليست مطلقة الخير أو الشر، كما أن الصراع فيها يأخذ طابعا اجتماعياً في المعتاد، وبالرغم من تحقيق البطل لعدة انتصارات طوال الملحمة تدفعك كمستمع لها للتوحد معه، إلا أن النهاية غالباً ما تكون ميلودرامية تحتوى سقوطاً نهائياً للبطل، أليست هذه الصفات موجودة بشكل واضح في فيلم الهروب؟. ولكن الغرض من الملاحم الشعبية لم يكن الترفيه فحسب، بل كانت تورط المتلقي لها بداخلها لتصبح أزمة البطل هي أزمته، وهو ما يعرف في علم الدراما بالتوحد مع البطل (وهو اللفظ المشتق من علم النفس أصلاً)، وإلى هنا فلا شئ مميز في الملاحم الشعبية عن غيرها من الحكايات على اختلاف مسمياتها، ولكن الفارق الأساسي أن الملحمة تنقل المتوحد معها من مرحلة التوحد الشخصي إلى مرحلة التوحد الاجتماعي وهو الأعم، حيث أن مجتمع الملحمة ككل يتطابق وبشدة مع أي مجتمع معاصر، ولذلك تتبع الملحمة عادة بكلمة شعبية كدلالة على سهولة تقبلها وعدم التعجب منها، ويبدو ذلك بوضوح من استلهام العديد من صناع الأفلام لعدد ضخم من الملاحم الشعبية لصياغتها بشكل سينمائي، ومنها الملحمة الإغريقية الشهيرة الإلياذة والأوديسة، وهو ما يحدث في فيلم الهروب الذي اتفقنا بالفعل على تقديمه لملحمة شعبية، يضاعف من قوتها أن أحداث الملحمة لا تدور في عصر ماضي بل في فترة آنية، والتوحد مع البطل \"منتصر/أحمد زكى\" هو توحد عام، فمجتمع البطل لا يتشابه مع مجتمع المشاهد، بل هو ذاته، وأعداء البطل هم أنفسهم أعداء المشاهد، والخلفية السياسية الظاهرة عبر الأحداث (الجماعات الدينية، تهريب الأموال، الأساليب الأمنية في التعامل مع الرأي العام) هي خلفية ما نزال نشاهد آثارها حتى اليوم. والتوحد هنا لا ينتج من بناء شخصية منتصر فقط التي بناها السيناريست بشكل رائع، وأضفى عليها ما يؤكد ملحميتها كحديث الناس عن الشخصية وكأنها أسطورة، أو عشق منتصر للصقر كرمز مباشر له (كما في ملحمة أبوزيد الهلالى والغراب الأسود)، أو حتى بالحالة التشريحية العامة للمجتمع المصرى (مجتمع الملحمة) التي تنقلك كما ذكرنا من التوحد الشخصى إلى التوحد العام، فهناك أيضاً مخرج واع يدرك جيداً أهمية اللقطة الواحدة لخلق تلك الحالة الملحمية، ولديك ثلاثة مشاهد توضح ذلك بشدة، أولها مشهد الفرح حين يصعد منتصر لخشبة المسرح ويرقص بالعصا بشكل شبه لاواعى لتنسحب نظرة المرح من وجوه المعازيم ويقفون الواحد تلو الآخر ليظهروا دهشة صامتة تتضمن علمهم بانجاز منتصر لمهمته بدليل تراقصه بالعصا الآن، وثانيها في القطار عندما كان يتحدث مع الضابط \"سالم عبد الرازق/عبد العزيز مخيون\" ووقف ركاب القطار ليستمعوا لحديثهما، وثالثها مشهد جنازة الأم، المشاهد الثلاثة بينها عوامل مشتركة أساسية أهمها أن منتصر كان هو نقطة المحور بينما المجاميع هم محيط الدائرة، المعنى ليس مجازياً، تأمل المشاهد جيداً ستجد ذلك، فهذا التكوين البصرى يحمل المعنى الملحمى المقصود بشكل مباشر، حيث البطل هو المحور والآخرون هم المحيط الذي يشمله بالحماية كأى بطل من أبطال الملاحم الشعبية، ولذلك فقد قلنا أن عاطف الطيب (في هذا الفيلم بالذات) مخرج واع يدرك جيداً أهمية اللقطة الواحدة لخلق تلك الحالة الملحمية. أخيراً لا يجوز الحديث عن أي فيلم لعب فيه أحمد زكى أي دور، دون التطرق لموهبته المرعبة في التقمص الكامل للشخصية، ما الذي يمكن قوله هنا؟، أليس منتصر مثل البيه البواب كلاهما من الصعيد؟، أليس منتصر هنا شخصية معقدة وقوية مثل شخصية هشام بيك في فيلم زوجة رجل مهم؟، أليس يقدم شخصية ملحمية كتلك التي قدمها في فبلم شفيقة ومتولى؟، إذن لماذا لا يوجد أي عامل مشترك في ملامح الوجه أو نبرة الصوت أو البنيان الجسدى بين أي شخصية من هذه الشخصيات والأخرى؟، لقد رحل أحمد زكى دون أن يجيب عن هذا السؤال.