أراء حرة: فيلم - ولا عزاء للسيدات - 1979


لقب مطلقة

تلك المرة وبعد (أريد حلا) وعرض مشكلة صعوبة حصول الزوجة على الطلاق إلا بعد موافقة الزوج، ومحاولة مناقشة قانون الأحوال الشخصية القديم وما نجم عنه من أضرار كثيرة للمرأة في حقها؛ يحاول المخرج (هنري بركات) برفقة المؤلف (سمير عبد العظيم) استغلال قصة (ولا عزاء للسيدات) للكاتبة العظيمة (كاتيا ثابت) ليعرضا من خلالها مشكلة المرأة المطلقة ومعاناتها داخل المجتمع الذي تعيش فيه ووسط المحيطين بها للقب مطلقة. عرضت (كاتيا ثابت) المشكلة من خلال ثلاث قصص لثلاث مطلقات كانت مشكلة راوية (فاتن حمامة) أبرز تلك...اقرأ المزيد المشكلات حيث حاولت راوية بعض طلاقها أن تحيا حياة جديدة وأن تبحث عن الزوج المناسب لها وتعمل لتتمكن من الانفاق على نفسها وابنتها ورفضت أن تعود إلى منزل ابيها مطأطأة الرأس أو الإنحناء خجلا من ذلك اللقب بل رفعت بصرها وقررت أن تدفع بحياتها إلى الأمام؛ ومن هنا كانت المعاناة الحقيقة والتي استطاع هنري أن يصورها بشكل واقعي من خلال أسلوب إخراجي تميز به عارضا موقف وتفكير المجتمع وخاصة تفكير هؤلاء السذج ورؤيتهم الحقيقة للمطلقة وتقاليد وعادات مجتمعنا الشرقي المتخلف. عرض الفيلم أيضا مشكلة فكرة المطلقة عن الحرية وما بعد الطلاق من علاقات شخصية... فراوية بعد أن كانت تسعى للارتباط والزواج من طارق (جميل راتب) رئيس تحرير الجريدة التي كانت تعمل بها عادت عن قرارها ورفضت الارتباط به لما يدور في عقله من هواجس عن المرأة وكذلك رفضت العودة إلى زوجها السابق حمدي (عزت العلايلي) بعد أن ذاقت معنى الحرية وعدم التحكم في قرارتها وكسرت كل القيود العتيقة التي كانت في عنقها، كذلك عرض الفيلم قصة سميحة التي اضحت حياتها ليالي حمراء واصبحت عاهرة لتقدم معنى أخر لتلك الحرية. استخدام الفلاش باك في عرض قصة الفيلم وما لاقته راوية (فاتن حمامة) في حياتها ومن مجتمعها ضر نوعا ما ولم يحسب كإضافة ساعدت في سرد القصة بل إنه زاد من المشاهد الغامضة والغير مترابطة ببعضها البعض والتي تحتاج إلى تركيز أعلى من مشاهدة دراما اجتماعية تحاكي الواقع ليس إلا. وقد تسلل الملل والبطئ في عرض الأحداث بشكل كبير إلى المشاهد. وإذا كانت الفنانة فاتن حمامة هي بطلة العمل الحقيقية فإن دور الفنان عزت العلايلي وشخصية الزوج حمدي المتحكم الصارم كان من أفضل الأدوار التي قدمها على الشاشة وخاصة عندما سيطرت عليه فكرة انحراف راوية وترصد ليقتلها انتقاما منها لتكن النهاية منطقية للأحداث.


كلام الناس

قطعة فنيّة نفيسة للمخرج هنري بركات، المخرج الأمثل القادر على تحويل قصة بسيطة إلى فيلم سينمائي عميق جداً، و أتذكر على سبيل المثال فيلمه "الشك ياحبيبي" الذي يحوي مفهوم الشك و الغيرة بين الزوج و الزوجة، موضوع بسيط جداً لكن لدى بركات قدرة رهيبة لتحويل ورق السيناريو إلى فيلم ذو تركيز شديد و تفاصيل أعمق من عمق البحر، و هذا ما أقوله دائماً حين يسألوني ماهو العنصر الأهم في صناعة السينما؟ هل هو الإخراج أم هي القصة؟ و إجابتي هي بالطبع الإخراج، لأن الإخراج هو مايجعل من الفيلم فيلم و هو مايميز السينما عن...اقرأ المزيد الكتب، فقد تكون القصة قوية لكن الإخراج ضعيف فلن تستمع بالفيلم و لن تشعر بالمعنى، ففي رأيي أن الإخراج هو العنصر الأهم في صناعة السينما و الأفلام. لا عزاء للسيدات، رسالة لكل نساء الدنيا حوّل حيثيات مهمة جداً للمرأة، عن الشرف و السمعة و كلام الناس، كلام الناس الذي طالما نقول: وانا مالي بكلام الناس؟ خليهم يقولوا اللي يقولوه، أنا حرة.. لكن للأسف في مجتمعاتنا بات كلام الناس مؤثر هام جداً في مجرى الحياة، فمثلاً اذا أحب الرجل امرأة أقل منه بالمستوى المادي، يقولون له أهله: مش ممكن نجوّزك البنت دي، انت عايز الناس تقول عننا ايه؟ انت نسيت عمرك انت ابن مين؟ انت لازم تتجوز بنت بنفس مستواك.. و أمثلة كثيرة جداً تتحكم في حياتنا و السبب كلام الناس. ففي فيلم لاعزاء للسيدات، يرسل رسالة مهمة ينبه فيها السيدات كيف ان تنتبه لأفعالها و تصرفاتها لكي تتقي شر كلام الناس و اشاعاتهم و تضخيمهم للأمور، فالناس لهم الظاهر كما يقال، فلو شاهدوا امرأة تخرج بالسيارة مع رجل ما و إن كان بالواقع خطيبها مثلاً، قاموا بثرثرة بلهاء و نشر أخبار خاطئة عنها أنها دايرة على حل شعرها، و إنها بنت لعوب و مستهترة و كل يوم تخرج مع راجل و ترجع بعد نص الليل، فهنا رسالة تنبيهية للمرأة ان تنتبه لأبسط تحركاتها و أفعالها لأنه وللأسف مجتمعنا تسود عليه الذكورية و دائماً ما يظلم المرأة و إن لم تكن مخطئة. الفيلم فنياً جوانبه جميلة للغاية، فالموسيقى المصاحبة من أجمل ماسمعت، تأخذك لرحلة جميلة و تزيد من إحساسك عمقاً على عمق، و أداء #فاتن_حمامة صلب جداً لم يتغير و لم يضعف منذ الأبيض و الأسود بل و زاد قوة و إحساساً و مشاعراً، فهي بالفعل سيدة الشاشة بل ملكتها، لأنها أثبتت أن بطل الفيلم قد يكون امرأة تحمل الفيلم على عاتقها أفضل عن الرجل في أحيان كثيرة. أما باقي الممثلين كالعظيم جميل راتب أدائه يحمل نكهة أجنبية عالمية تتحدى نجوم إيطاليا و فرنسا و هوليوود. و الإخراج كما قلت هو ما جعل هذا الفيلم لوحة فنية من الذهب، تزداد قيمتها كل ما مر الزمن.