أراء حرة: فيلم - The English Patient - 1996


المريض الإنجليزي

فيلم المريض الإنجليزي امتاز بمزجه لألوان مختلفة من التصوير والإخراج والتمثيل والموسيقي. و هذا ليس بجديد فالفيلم مقتبس عن رواية الروائي "مايكا أونداتجي" حيث نجح "أونداتجي" في بث الروح في شخصيات روايتة برغم خلفياتهم العرقية المختلفة وأعطى للصفحات عبق تستنشقة وأنت تقرأ. وجاء مخرج الفيلم "أنتوني مينجالا" ليكمل هذا الإبداع حيث تدور أحداث الرواية في فترة الحرب العالمية الثانية. تبدأ المشاهد الأولى للفيلم في الصحراء الغربية حيث وجد مجموعة من البدو رجل محروق تمامًا لدرجة تجعل من المستحيل التعرف عليه،...اقرأ المزيد وبرغم من أن الأحداث لم تبدأ بعد لكنك تستطيع بدون مبالغة أن تستشعر حرارة الشمس والرمال منذ الوهلة الأولى، وهذا أن دل على شيء فأنة يدل على براعة التصوير والإخراج السينمائي، بالإضافة إلى إتقان وضع "ماكياج" "رالف فاينز" الذي يقوم بدور المريض الأنجليزي أو "كونت ألماسي" فأنهم لم ينجحوا فقط في رسم صورة الشخص المحروق تمامًا لكن برعوا في جعل المتلقي يشعر بتلك الحروق. تدور عجلة الأحداث إلى الأمام بالدخول داخل دائرة الحرب بظهور الممرضة "هنا" التي عانت كثيراً خلال تلك الحرب حيث نرى كل شيء حولها يتم تدميره مثل فقدانها لصديقتها في لغم أرضي. نراها أيضًا تقوم بالمكوث مع "كونت ألماسي" في فيلا مهجورة بقرية توسكاني في إيطاليا من أجل تمريضه وترفض التخلي عنه. ومن هنا تتضح شخصيتها التي نجحت "جوليت بينوش" في تقمصها بإتقان. حيث أن "هنا" تمتاز بالتفاني الشديد وهذا واضح لكن روح الطفلة تظهر أكثر فأكثر كلما تعمقنا بالأحداث. فأنها ترى في "ألماسي" أبيها التي فقدته وابنها التي حالت الحرب دون أن يولد وحبيبها الذي لقى نحبه في الحرب فهو يمثل لها كل ذلك، و يمثل لها كل مريض لم تنجح في إنقاذ حياته. لذلك نجدها تحاول جاهدة في إنقاذه. ينضم "لهنا" و ألماسي" شخصًا هنديًا هو كيب (نافين أندروز) الخبير في القنابل الذي يعمل في الجيش البريطاني، وتنمو قصة حب بينه وبين "هنا". تظهر أيضا شخصية "كارافيجيوا" التي لا تقل غموضًا عن "ألماسي". يبدأ المريض الذي ظن من حوله أنه إنجليزي في تذكر ماضيه والأحداث التي سبقت الحادث الذي تسبب في فقدانه للذاكرة و تبدأ الأحداث تعود للوراء بتقنية "الارتجاع الفني أو الفلاش باك". كان "الفلاش باك" مصحوب ببراعة إخراجية متناهية حالت دون أن يفقد المشاهد تركيزة أو يشعر بالتوهان. فكانت الأحداث تنتقل من القاهرة للصحراء الغربية ثم قرية توسكاني، ثم تعود للصحراء ثم ترجع للقاهرة، ثم نجدها تذهب مرة أخرى لعاصفة ترابية عارمة في الصحراء، ثم تعود إلى مركز الأحداث في قرية توسكاني في الفيلا المهجورة حيث "هنا و ألماسي". ولكن كل ذلك يحدث والمتلقي يتابع الأحداث بشغف، فالمخرج انتقل من حدث لحدث برشاقة راقصين البالية. نكتشف مع تصاعد الأحداث أن المريض الإنجليزي "ألماسي" ليس إنجليزي ولكنة مجري برع في رسم الخرائط نتيجة لشغفه الشديد بالصحراء. فأن اختيار أربع شخصيات من خلفيات عرقية مختلفة ووضعهم في القاعدة التي تتنطلق منها الأحداث في قرية توسكاني لم يكن إعتباطيا أو بدون سبب؛ ولكنه كان من أجل تصوير ويلات الحروب بشكل عام والحرب العالمية الثانية بشكل خاص. فالحرب أدت لفقدانهم لهويتهم بالإضافة إلى تهجيرهم وبعدهم عن وطنهم. نهاية الفيلم اختلفت إلى حد كبير عن نهاية الرواية الأصلية ففي الفيلم تنشأ قصة حب بين “كيب” و“هنا” و ينتهي الفيلم بنهاية الحرب وفرحة الجميع العارمة. فيتفق “كيب” و“هنا" علي الالتقاء مرة أخرى من أجل استكمال حبهم. لكن في الرواية الأصلية قامت بالفعل قصة حب بين "كيب" و"هنا" و لكن تنتهي الحرب بالقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي، ومن هنا ينفجر "كيب" غاضبًا في الجميع "هنا" و"الماسي" و"كارفيجيو" لأنهم جميعًا ذو عرق أبيض لأن "لم يكن أبدا سيقوموا بالقاء قنبلة ذرية على أمة بيضاء". وللمرة المائة تفقد "هنا" حبيبها بسبب الحرب. منذ البداية كان "كيب" متجاوز أمر أن بلده مستعمرة من قبل بريطاينا العظمي حتى أنه قام بالمشاركه في الجيش البريطاني، لكنه لم يتجاوز القنبلة الذرية وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير . لا أدري ما سر تغيير النهاية في الفيلم لكنها كانت ستكون أفضل كثيرا لأنها كانت ستضيف كثيرًا لدلالات الفيلم ومن أهمها فقدان الهوية. الفيلم في مجملة يستحق بالفعل جوائز الأوسكار السبع التي نجح في اقتناصهم. الفيلم نجح بإخراجة في بث روح من الجمال المتناهي للصحراء فتجعلك تقع في حبها وفي الوقت ذاته تجعلك تهابها أيضاً، حيث نجح في بالتصوير السينمائي في رصد ورسم ووصف العواصف الطاحنة. بالإضافة إلى اتقان الماكياج والتمثيل. الفيلم ككل وحدة متجانسة ومترابطة غاية في الإبداع.