أراء حرة: فيلم - فبراير الأسود - 2013


كوميديا سوداء ومبالغات مقصودة

الفيلم مثالٌ جيدٌ لبلاغة السينما .. إذا افترضنا أنَ بلاغةَ فَنٍّ ما هي تحقيقُهُ الهدفَ الذي تجشَّمَ المبدعُ مشقةَ الإبداع لتحقيقه، فهذا الفيلم أصرَّ صانعوهُ منذُ لقطاته الأولى على أن يذهبوا بالمبالغة الكوميدية المسرحية إلى أقصاها .. كان واضحًا منذ البدايةِ أنَّ الأحداثَ تدورُ في إطارٍ كاريكاتيريٍّ تفقدُ خلالَهُ إنسانيتَها ويتحولُ داخلَهُ الأشخاصُ إلى تروسٍ في آلةٍ عملاقة .. فالباحثان الكيميائيان لم يصبحا أستاذَين (عاديين) في مركز بحوثٍ متعطلٍ مثلاً، لكنهما استقرّا في نقطةٍ بعيدةٍ رمى بهما...اقرأ المزيد إليها هذا القدَرُ الآليُّ وهي أن يمتلكا معملاً لكنه معملُ (طُرشي)، والفرقة العائليةُ تتحللُ من إسارِ الوطنِ وتعودُ راضيةً إلى هذا الإسار بطقوسٍ راقصةٍ بسيطةٍ للغاية .. أزعمُ أن هذه القصديةَ لإنتاجِ فيلم كوميديا سوداء هي السبب وراءَ نجاحِ الفيلم، فلو كانت المبالغاتُ غير مقصودةٍ لذاتِها وجاءت عفوًا من صانعي الفيلم (أعني: لو كانت "جلِّت منهم") لسقط الفيلم في اللاحِرفية .. خاطب الحوار اللحظة الحاضرة من تاريخ البلد، وهذه المحدودية مقصودةٌ لذاتها بشكلٍ واضحٍ أيضًا، كما في الجملة التي يختم بها الدكتور حسن (خالد صالح) الفيلم: "مافيش جواز لحد نهاية الفترة الانتقالية" رغم أن زمن قول هذه الجملة هو انطلاق شرارة ثورة (25 يناير) حيث لم يستقرَّ بعدُ في الوعي الجمعيِّ اصطلاح (الفترة الانتقالية) ناهيكَ عن أن يتيقَّنَ (الدكتور حسن) من نجاح الثورة في الإطاحة بمبارَك ونظامِه، إلاّ أن يكون متكئًا على أستاذيته في علم الاجتماع، وبالتالي معرفته بما تئولُ إليه الثوراتُ في الغالب! الخلاصةُ أنَّ اللامنطقية والآلية التي تحكم الحوار والأحداث أحيانًا مقصودةٌ لذاتِها بشكلٍ واضحٍ مما يُعفي الفيلم من تهمة القفزات المنطقية وتهلهل السيناريو مثلا .. أداء الممثلين رائعٌ في المجمَل .. (خالد صالح) قدير كعادته .. (ألفت إمام) تعود في دور لطيف إلى الشاشة .. (طارق عبد العزيز) معبِّر للغاية .. الفيلم جيد جدًا


فيلم يستحق المشاهدة

فيلم جريء جداً من الناحية السياسية وهادف لدرجة كبيرة يقاوم السيل الجارف من الأفلام التجارية وبالتأكيد لم يكن ليجاز عرضه إلا بسبب ظروف مصر واتساع الحريات الكبير في ذلك الوقت . يبدأ الفيلم ببداية جميلة تمهد لتصرفات وموقف العائلة اللاحق . ثم تتوالى المواقف الطريفة الأخرى والكوميديا السوداء حتى ينتهي الفيلم بنهاية جميلة مفتوحة متعددة الاحتمالات. ما يؤخذ على الفيلم هو اختيار طاقم الممثلين الذي لم يكن بمستوى الموضوع القوي وضعف الحوار في بعض المشاهد وكذلك المباشرة الشديدة في ايصال الرسائل كمشهد الرقص...اقرأ المزيد الذي كان من الممكن أن يكتفى به بدون حوار يفسر أن الوطن يخرج ويدخل بسبب الرقص وكذلك مشهد النهاية كان مباشراً مع أن الرمزية كانت لتكون أجمل سينمائياً . في المجمل فيلم جميل يستحق المشاهدة.


الكوميديا السوداء فى الدولة السوداء

فرصة عظيمة لمحبى الافلام المختلفة عن السائد التى تحلق بك بعيدا عن كل ماهو مألوف و مطروق من مواضيع و بطريقة مختلفة ايضا .. فيلم فبراير الأسود أحدث ابداعات المخرج محمد أمين (تأليفاً و إخراجاً) التى يجسد فيها احد الاوضاع السيئة فى مصر بطريقة الكوميديا السوداء التى تفوق فيها سابقا فى افلامه ( فيلم ثقافى – ليلة سقوط بغداد) تدور أحداث الفيلم فى الفترة من فبراير 2010 الى فبراير 2011 حيث كان الدكتور حسن (خالد صالح) أستاذ علم الاجتماع يؤمن هو و أسرته بأن الامل مازال موجوداً و ان احوال البلد ربما تتحسن و...اقرأ المزيد كان يعمل على نشر هذا الامل فى قلوب من يحيطون به الى ان اوقعه القدر فى حادث أثبت له سذاجة افكاره عندما وقع هو و فوج من الناس اثناء رحلة (سفارى) فى الواحات فى منطقة رمال متحركة و جاءت قوات الانقاذ فأنقذوا لواء امن الدولة و زوجته و اولاده اولا ثم انقذوا المستشار و رجل الاعمال و زوجتيهما فى المرة الثانية ثم تركوا حسن (أستاذ علم الاجتماع) و زوجته و اولاده و صلاح (دكتوراه فى الكيمياء) و زوجته و اولاده فى الرمال الى ان انقذتهم كلاب و ذئاب الصحراء و أوصلوهم الى بيتهم فى مبالغة مقبولة من فيلم Black sarcasm . هنا ادرك الدكتور حسن ان فرصته و فرصة أمثاله من العلماء و الباحثين معدومة فى العيش بكرامة و أمان فى مصر فأجتمع مع عائلته و قرروا ان فرصتهم الوحيده هى ان يهاجروا الى دولة تحترم العلم و العلماء و اذا فشلوا و بقوا فى مصر فليرتبطوا بأحد افراد المنظومات المحميه التى تحظى بالامان الاجتماعى فى مصر 1- منظومة الامن (أمن الدولة و المخابرات) 2- منظومة العدل (القضاه و المستشارين و النيابة) 3- منظومة الثروة (رجال الاعمال) بدأت جرعة الكوميديا تزيد مع بدء محاولاتهم بالهجرة مع السفير الايطالى و لكنهم يفشلون ثم بدأو بالتقرب من قاضى شاب و دفعوه ليخطب ابنة الدكتور حسن (بعد ان فسخوا خطوبتها مع خطيبها العالم الشاب) و لكنهم فشلوا بعد ان تم فصله من القضاء بسبب أعتراضه على التزوير و اعادوا الكره مع ضابط امن دولة ثم فشلوا ايضا بعد ان تم فصله بسبب رفضه تلفيق قضيه لناشط سياسى و فى خضم المحاولات يرى الدكتور حسن فيما يرى النائم مشهد تكريم حسنى مبارك لمنتخب مصر بعد بطولة افريقيا 2010 و مشهد كابتن المنتخب احمد حسن و هو يقف بجوار رئيس الجمهورية شخصيا فيقرر حسن ان يدفع بإبنه المحب للفزياء لإحتراف كرة القدم .. يأتى مشهد النهاية بعد عام كامل من المحاولات فى منزل الدكتور حسن بعد ان عاد الضابط لعمله و قرر ان يتزوج من ابنة الدكتور حسن و فجأه يدخل القاضى الشاب بعد ان عاد هو الاخر الى عمله و يطلب الزواج من ابنة حسن و فى الخارج يقف العالم الشاب خطيبها السابق (قبل حادثة الواحات) فى الشارع فى حالة انهيار فجأه نسمع أصوات مظاهرات و مسيرات ثورة 25 يناير و يقرر الدكتور حسن ان يلغى جميع الخطط و المحاولات ربما تأتى هذه الثورة بنظام يُصلح المنظومة الفاشلة و يجعل للعلم و العلماء قيمة فى المجتمع و يحجم سيطرة الجهات السيادية و رجال الاعمال على الوضع فى مصر أخر كادر فى الشريط السينمائى الذى يمتد لساعتين تجلس ابنة الدكتور حسن فى فستان الفرح و امامها رجل القضاء و رجل الامن و العالم الشاب لتنتظر ما ستسفر عنه الامور حتى تختار رجل المرحلة المقبلة الفيلم كعادة محمد أمين مبهر على مستوى الفكرة و التنفيذ و تلاحظ تطور واضح على مستوى الصورة ايضا .. أداء الممثلين منظبط مع لمسات ابداعية متوقعة من خالد صالح .. يحسب ايضا لإسعاد يونس و الشركة العربية انتاجها لهذا الفيلم فمن المعروف مسبقا ان هذة النوعية لا تحقق ايرادات مرتفعة (حقق الفيلم ايرادات لم تتجاوز 2.5 مليون جنيه) و لكنه سيضيف لتراث السينما المصرية شريط سينمائى مميز و مهم .. ... "مفيش جواز لحد ما المرحلة الانتقالية ما تخلص و نرسى على بر و نعرف هل مصر هتحب نفسها و تمشى فى طريق العلم و لا هنفضل معفنيين زى ما احنا" الجملة السابقة أخر جملة فى السيناريو العبقرى الذى يحتوى على جمل أخرى اكثر عبقرية و بما ان الفيلم تم تأجيل عرضه كثيرا بسبب ظروف تلك المرحلة الانتقالية و بعد مشاهدتنا لأحداث ما تم حتى الآن فى الفترة الانتقالية فيمكن ان نرى الكادر بعد الاخير من الفيلم بأن يقتل الضابط العالم الشاب (المتضرر من الوضع السابق و الذى شارك فى الثورة) و يتواطئ مع القاضى الشاب و يخرج من قضية القتل دون حساب لتبقى المنظومة فاسدة كما كانت من فبراير 2010 !!!