أراء حرة: فيلم - وجدة - 2012


فكرة جيدة أفسدها الطموح

وجدة هو أول فيلم يمثل السعودية فى مسابقة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبى، وكثير من النقاد العالميين يتوقعون تأهله للمنافسات النهائية، ليكون بذلك واحد من أفضل 5 أفلام على مستوى العالم لعام 2013. وتلك الجملة الأخيرة محبطة فى رأيى، فالفيلم ليس بالسىء ولكنه أيضا ليس بالرائع لتلك الدرجة، دعونا نكون موضوعيين ونصفه بالفيلم المتوسط الذى لاقى موضوعه وظروفه وكواليس تجربته الإعجاب الغربى، ولكن لنسأل أنفسنا السؤال الجوهرى ونحن بصدد تقييم الفيلم، هل أعجبنا الفيلم حقاً أم أعجبنا موضوعه وأثارتنا كواليسه...اقرأ المزيد والمكان الذى أتى منه ؟! فتاة فى عمر الورود تعيش داخل المجتمع القمعى المنغلق، تحب الحياة وتستمع لأغانى الروك أند رول وتتطلع لقيادة دراجة .. تلك الشخصية تجدها مألوفة ومتواجدة بكثرة فى الأفلام الايرانية، ولكنها تكون مرسومة بشكل أضخم ثراءً وأكثر أبعاداً من شخصية "وجدة"، ففى رأيى لم تنجح هيفاء منصور بدرجة كبيرة فى اثارة انتباهى وفضولى عن شخصيتها الرئيسية أو حتى شخصياتها الفرعية وكانت تحتاج لتحديد ملامحهم ودوافعهم بشكل أكبر. أما نقطة الضعف الأخرى فى السيناريو تكمن فى البناء الدرامى، فلقد أتى أقل مما تستحق الفكرة وأدى بإيقاع الفيلم من رتابة ومط ما يجعلنى أنظر فى ساعتى بشكل منتظم أثناء مدة عرض الفيلم. وأضعف ما كان به هو الخط الدرامى الخاص بعلاقة الأب والأم الذى تشعر بأنه قادم من مسلسل عربى تم ابتذاله لسنوات على الفضائيات وليس بفيلماً عالميا كما هو الحال، فلم آخذ هذا الخط وما وازاه من خطوط أخرى قليلة بالفيلم سوى على انه حشو ساذج للفكرة. وكل تلك العوامل طرحت بذهنى فكرة الفيلم القصير، فربما لو طموح هيفاء منصور كان على قدر قدرتها الفعلية على صياغة سيناريو يحتوى على أحداث وكانت استسلمت لفكرة الفيلم القصير بدلاً من الساعة ونصف لربما أصبحت التجربة رائعة فعلا، ولكنها اعتمدت على العوامل الأخرى -التى تحدثت عنها فى الفقرة الأولى- لتسويق فيلمها، وهذا يعد ذكاء منها على المدى القصير، ولكن بمجرد ان ينتهى ذلك الوهج الدعائى العالمى فسينتهى كل شىء وستبقى الأفلام الايرانية التى تأثرت بها هيفاء فى صنعها لفيلمها هى الاكثر خلوداً من وجدة. لو تحدثنا عن باقى عناصر الفيلم نجد الموسيقى رقيقة وقليلة فهى مناسبة لما يحدث وما لا يحدث، وجاء أداء الممثلين متوسطاً فى أحيان ومترهلاً فى أحيان اخرى وإن تفوقت نسبياً من قامت بدور الأم على باقى الممثلين. ومن اقوى عناصر الفيلم فى رأيى هو الحوار، فقد جاء بسيطاً وأقل دعائية ومباشرة مما كنت اتوقع .. وكان مشهد النهاية هو أجمل ما بالفيلم لسببين، الأول انه كان معبراً بالصورة فقط وشاعرياً ومبهجاً ويلخص وجهة نظر صانعة الفيلم بشكل ذكى، والسبب التانى هو ان الفيلم قد انتهى وانتهت معه معاناة الرتابة والنظر فى الساعة. ليس الغرض من هذه المراجعة ان اكون قاسى على صناع الفيلم، فأنا أعرف أن تجربة كتلك بكل الصعوبات والظروف المحلية التى واجهتها هى تجربة تستحق التشجيع حتى تكون البذرة الأولى التى نحصد بعدها ثمار ترعرع سينما سعودية تعبّر عن ذلك المجتمع المثير للفضول وتنقله نقلة حضارية بجعله أكثر تسامحاً مع الفنون وربما السماح بعد ذلك بإنشاء دور سينما فى المملكة، ولكن أعتقد ان الفيلم بالفعل أخذ من التشجيع أكثر مما يستحق، بل أعتقد ان أغلب الاعجاب الذى ناله على المستوى الدولى هو فى الأساس اعجاب بدافع التشجيع، وأعلم ان هذا النقد لن يؤثر فيه كثيراً او قليلاً، فلا بأس إذن بوجود تناول أحسبه اكثر موضوعية للفيلم من كل ما قرأت عنه.


"وجدة" تنطلق بدراجتها الخضراء في القاهرة

اختارت مبادرة (زاوية) السينمائية التي انطلقت في منتصف الشهر الجاري في سينما أوديون بمنطقة وسط البلد بمدينة القاهرة أن يكون أول عروضها الفيلم السعودي/الألماني "وجدة"، أول أفلام الكاتبة والمخرجة هيفاء المنصور الروائية الطويلة، وذلك بعد المديح والاهتمام الكبيرين الذي نالهما بعد عرضه في عدة مهرجانات دولية، على رأسها مهرجان فينسيا السينمائي الدولي الذي نال من خلاله ثلاث جوائز، وبعد خمس سنوات من التحضير والبحث عن مصادر لتمويل الفيلم والحصول على أذونات التصوير، حيث أصرت هيفاء أن يكون الفيلم مصورًا...اقرأ المزيد بالكامل في مدينة الرياض، وليس مثلما حدث مع فيلم "كيف الحال؟" الذي صُور في الإمارات. بما أن الفيلم يهتم بالتعاطي مع ما تعيشه المرأة بشكل يومي في دولة تحكمها رؤي دينية متشددة وأعراف اجتماعية بالية مثل السعودية، فإن هذا يضع هيفاء المنصور أمام تحد كبير مفاده هو: كيف يمكن تناول كل تلك المسائل من منظور مختلف دون الوقوع في فخ إلقاء اللوم بشكل جاهز على الرجال في كل صغيرة وكبيرة (كسائر الغالبية العظمى من الأفلام التي تشترك مع "وجدة" في موضوعها)، والأهم، دون الاستسلام لكافة الصور المقولبة سهلة الاستحضار في مثل هذه الأطر، ولكي نكون منصفين، فإن هيفاء قد صادفت بعضًا من النجاح – وليس كله - في هذا الأمر، كيف؟ ينشغل "وجدة" في المقام الأول بالأشكال التي تتخذها العلاقات بين النساء، وهى أشكال تهيمن عليها علاقات سلطوية بشكل واضح، حيث تظهر العديد من التنويعات طوال مدة الفيلم على هذه الفكرة داخل عالم النساء، وهذا لا يعني في الوقت ذاته أنه يُغيب سلطة الرجال على النساء من الأحداث، لكنه يجعلها ممثلة أكثر في هيئة إشارات وإيحاءات أكثر من أن تكون أفعال مباشرة. هذه العلاقات السلطوية تتم بشكل متبادل، ففي حين نجد شخصية ما تمارس سلطة، فهى بشكل متزامن خاضعة لسلطة أخرى سواء من داخل أو خارج عالم النساء، فالطفلة وجدة (وعد محمد) على سبيل المثال مثلما تخضع لسلطة مديرتها في المدرسة ووالدتها، فهى تمارس سلطة على زميلاتها اللاتي يشترين منها أساور النوادي الرياضية التي تصنعها حيث تبيعها بالسعر الذي يحلو لها، كما أن الأم (ريم عبدالله) والأستاذة حَصَة مديرة المدرسة (عهد) في ممارستها للسلطة على وجدة، فهما تخضعان كذلك لسلطة مجتمعية تلزمهما بكيفية التصرف والملبس وطريقة الحديث. لكن المشكلة الدائمة التي لم تستطع هيفاء التغلب عليها في تناولها للموضوع هو أنها طوال أحداث الفيلم تضع الآف الخطوط تحت فكرة السلطة رغم وضوح الفكرة بشكل كافي من خلال الإشارات سالفة الذكر، وهو ما يعوق انسيابية الفكرة وراء القصة البسيطة التي تصدرها لنا هيفاء، بالإضافة إلى حضور نبرة المظلومية والبكائية المعتادة في مثل هذه الأفلام، خاصة مع شخصية الأم، حتى وإن كانت هنا – والحق يقال - أقل تطرفًا بكثير في استخدامها من أفلام أخرى. بعيدًا عن ذلك، يحمل الفيلم فكرة آخرى جذابة تكمن في كون الدين في هذا المجتمع هو المكون الوحيد تقريبًا الذي يسمح للمرء بالترقي لمراتب عليا يحصل فيها على الكثير من التقدير المجتمعي والمادي، فتستغل وجدة هذا الأمر على نحو كبير حينما تجد أن مطلبها البسيط المتمثل في شراء دراجة، والذي يعد أمرًا مرفوضًا للفتيات في هذا الإطار، قد يتحقق إذا خضعت شيئا ما للسلطة من خلال انضمامها لمسابقة تحفيظ القرآن لكي تحصل على الجائزة المالية التي تؤهلها لشراء الدراجة، أي أنها تتحايل على السلطة من خلال الإمعان أكثر في الخضوع لقوانينها. تتميز المخرجة هيفاء المنصور هنا أيضًا في توجيهها للأطفال، وحسن اختيارها لوعد محمد التي قدمت شخصية وجدة، وعبدالرحمن الجهني الذي جسد شخصية عبدالله، والحفاظ على درجة عالية من التوافق بينهما على الشاشة رغم التنافر الشديد في طبيعة شخصياتهما، ففي حين أن وجدة طوال الوقت مقدامة وجريئة لحد كبير، يحتفظ عبدالله على النقيض بطابع خجول ورقيق.


لا يمكن فصل الفيلم عن السياق

ملحوظة: المراجعة دي كتبتها في 21 أغسطس الماضي. كنت شُفت فيلم "وجدة" السعودي من حوالي شهرين، ولفت نظري إني صعب كنت أتكلم عن (الفيلم)، بدون وضعه في سياقه الثقافي والاجتماعي. بمعنى إن سواءً الفيلم عَجَبك أو لأ، الحديث عن أي عُنصر فيه بمنأى عن قضيّته/موضوعه، هي في رأيي رؤية مغلوطة تمامًا؛ بالأصل لأن جميع عناصر الفيلم متوجهة ناحية موضوعهُ (همّ المُخرجة)، من غير ما يكون لأيًا منهم ميزة جمالية في حدّ ذاتها. الصورة مثلًا، أعتقد جَت بالشكل ده لأن ده المتوفّر. التمثيل، المتوفّر.. الموضوع؟ اللي موجود في...اقرأ المزيد العقل الجمعي للسعوديين. . . عشان كده ملقيتش حاجات ينفع أقولها عن الفيلم لأني كنت ضروري أتكلم -في سياق حديثي- عن صُلب الموضوع: هل تعليم الفتاة لركوب العجلة فعلًا حرام؟ فعلًا غير لائق؟ وإلى أي مدى يمكن تصنيف التشدد الإسلامي اللي ظهر؟ والأهم: إلى أي مدى معاملة المرأة في مجتمع كهذا يوصَف بالغير عادل بمفهومنا احنا لعدم العدالة؟ نظرتي هتبقى نظرة شخص بيعاني هوّا كمان من بعض الأشياء القسرية اللي بتفرضها السُلطة العُليا، أو النظرة الشعبية في المجتمع (باعتبار إني أسكُن في الدولة المصرية)، بس مش بالدرجة اللي وصلت ليها بالفيلم. أفتكر لما انتهينا من مُشاهدة الفيلم أنا وأُختي، وبمجرد ظهور التترات بصتلي وقالتلي: أحيه لو فعلًا الحاجات دي بتحصل عندُهم ! (؟!) . . "وجدة" فيلم سعودي عبقري، مش بس مهم وقوي.