سنوات هوليوود العجاف (2-2)

  • مقال
  • 03:36 مساءً - 22 ديسمبر 2010
  • 8 صور



صورة 1 / 8:
ديكابريو وكوتيارد في لقطة من زرع الأفكار
صورة 2 / 8:
لقطة من فيلم الشبكة الاجتماعية
صورة 3 / 8:
ديكابريو بصحبة سكورسيزي
صورة 4 / 8:
المخرج الإنجليزي كريستوفير نولان
صورة 5 / 8:
بوستر فيلم الشبكة الاجتماعية
صورة 6 / 8:
لقطة من فيلم زرع الأفكار
صورة 7 / 8:
بوستر الجزء الثاني من وول ستريت
صورة 8 / 8:
راسل كرو في دور روبن هود

بعد التعرض لأحوال السينما من الناحية التقنية و المادية بعامنا هذا و الأعوام السابقة عليه بالجزء السابق, علينا أن نلقى نظرة سريعة على أفلام العام.إذا ألتفتنا لأسماء المخرجين الكبار لوجدنا أسماء كل من تيم بورتون , أوليفر ستون, مارتن سكورسيزى و ريدلى سكوت تخطف أنظارنا . ونبدأ ببورتون الذى يهوى أفلام الخيال و الفانتازيا وقدم واحدا على طريقته الخاصة وهو أليس فى بلاد العجائب (Alice in wonderland) من بطولة نجمه المفضل جونى ديب , ونجحت خلطة بورتون المميزة فى جذب عدد كبير من الجماهير ووجدت مكانها بالمركز الثانى بجدول الايرادات رغم الاجماع على ضعف الفيلم وإحباطه للتوقعات بالرغم من ألوانه الزاهية المفرحة.

أما سكورسيزى , فقدم لنا فيلمه الجزيرة المحطمة ( shutter island) من بطولة نجمه المفضل هو الآخر , ليوناردو دى كابريو , الذى تبع روبرت دى نيرو بقائمة الممثلين المفضلين للمخرج الكبير. والفيلم يعرض قصة غامضة عن ضابط يذهب إلى جزيرة معذولة, بها مشفى للأمراض العقلية والنفسية فى مهمة رسمية للبحث عن أحد المرضى الذى أختفى بظروف غامضة وتتشابك الخيوط حتى أنك لا تعرف من هو المريض ومن هو السليم !! الفيلم بسيط , لا يحمل بين طياته ألغازا أو أفكارا عميقة أو رؤى أو انعكاسات لواقع أمريكى أو أفكارا أعتدنا مشاهدتها بأفلام سكورسيزى , كما أنه لا يتمتع بطريقة سكورسيزى المميزة فى عرض الأحداث بتأن وإيقاع هادئ ,إيقاعه الذى لا يعتمد على الإثارة والمفاجأت, إيقاع يعطى المشاهد الفرصة للتأمل والاستمتاع بجماليات الصورة والتمثيل , وقلما يدب الملل لقلب المشاهد رغما عن هذا البطء المتقن, تلك الطريقة التى أجاد سكورسيزى اللعب بها على مدار أربعين عاما ولكنه خانها بفيلميه الأخيرين , أولهما الراحل (The departed) الذى شهد حصول المخرج إيطالى النكهة على أوسكاره الأولى التى تأخرت كثيرا , وهو الفيلم الذى حمل بين طياته صورة للمجتمع الأمريكى وتفشى الفساد بمؤسساته , كما حمل لنا أفكارا تستحق التأمل وقدمها بشكل مثير غير مفتعل وأداء متألق من كل أبطاله بما فيهم ليوناردو نفسه. أما بالفيلم الجديد , فهو مجرد فيلم مسل مثير, فيلم بسيط وجيد الصنع , ولكنه ليس من إخراج سكورسيزى الذى عهدناه.

وكعادة المخرجين الكبار بعامنا هذا , تمسك ريدلى سكوت بنجمه المفضل راسل كرو ليقوم بدور روبن هوود بالفيلم الذى يحمل الأسم نفسه , وبالرغم من أن سن راسل كرو وملامحه التى بدأ الزمان عبثه بها لا تناسب الشخصية تماما إلا أن ريدلى سكوت أستطاع أن يقدم فيلما جميلا, يذكرنا بأفلام من نوعية القلب الشجاع (Brave heart) , وقد أبتكر صناع الفيلم قصة مختلفة عن قصة روبين هوود المعتادة, قصة عكس بها الفيلم ظلال مرحلة تاريخية معينة, الحملات الصليبية , وكأنها إكمالا للصورة التى بدأ ريدلى سكوت رسمها فى فيلمه الأسبق مملكة الجنة ( Kingdom of heaven) , تلك الصورة المغايرة لما يقدمه الكثير من القائمين على الاعلام الأمريكى عن العرب و المسلمين , وإن أهتم فيلم روبن هوود(Robin Hood) بالعلاقات بين ملوك الحملات الصليبية أنفسهم , وبينهم وبين شعوبهم من خلال استعراض قصة البطل الشعبى روبن هوود الذى ينتحل شخصية أحد الفرسان ليأتى بحقوق قريته المهدرة من الأيدى الباطشة. وبالرغم أن الفيلم يقدم لنا تلك القصة بصفتها بداية لهروب روبن هوود وقيامه فيما بعد بمغامراته المعهودة , مما يفرض أن يكون البطل أصغر سنا من روبن هوود الذى أعتدناه , إلا أن راسل كرو بتجاعيده القليلة استطاع أن يؤدى هذا الدور السهل الذى لا يحتاج لممثل بارع , مما يثير تساؤلا بشأن تمسك ريدلى سكوت به, ولكنها قد تكون قوانين السوق , أو قوانين الصداقة. تألق الممثل الإنجليزى مارك سترونج بتأدية دور (جودفرى) الصديق الخائن للأمير , بصلعته المهيبة, و كان من أكثر الممثلين براعة , تماما كما هل علينا منذ عامين بفيلم سكوت و كرو أيضا جسد الأكاذيب (Body of lies) فى دور العربى . ومن أبطال الفيلم الحقيقيين مارك سترنتفيلد , واضع الموسيقى التصويرية الرائعة للفيلم , وهو ثانى أفلامه , أولهما كان جسد الأكاذيب (Body of lies)أيضا حين تألق بصياغة موسيقى ذات طابع عربى شرقى مناسب لأحداث الفيلم, هذا بعد أعوام من عمله كمدير صوت بأفلام سكوت السابقة.
روبن هوود(Robin Hood) الذى أحتل المركز الحادى والعشرين بأفلام العام ,هو أحد ومضات 2010 القليلة . الفيلم من إخراج الإنجليزى ريدلى سكوت , بطولة الأسترالى , أو بالأحرى النيوزيلندى , راسل كرو , والأسترالية كيت بلانشيت و الإنجليزى مارك سترونج وموسيقى الألمانى مارك سترتنفيلد !!!

وأخيرا , أوليفر ستون , الذى يعود لتقديم جزء ثان من فيلمه الثمانينى وال ستريت (Wall street), وشارك به بفعاليات مهرجان كان 2010. ستون هو المخرج السياسى الأبرز بالسينما الأمريكية , بجوار مايكل مور التسجيلى , فقد قدم لنا من قبل سير كل من نيكسون وكنيدى وبوش الأبن بثلاثة أفلام شهيرة , وكذلك قدم فيلمين شهيرين عن حرب فيتنام مولود بالرابع من يوليو, (Born on 4th of July ) , بلاتون(Platoon) , و قدم منذ سنوات قلائل فيلم الأسكندر (Alexandar) المكتظ بالاسقاطات السياسية على غزو العراق وحكم بوش الأبن , مما أفسد الفيلم , بالإضافة للجوء لرواية تدعى شذوذ الأسكندر مما أضعف الفيلم أكثر وأكثر. وفى خضم الأزمات الاقتصادية واجتياحها للعالم يعود ستون بجزء ثان من الفيلم الذى يناقش الحياة الاقتصادية لأمريكا وشارعها الأبرز والستريت, عاد بفيلم يشابه جزءه الأول ويحاكيه ,وإن كان الجزء الأول أكثر انضباطا وإتقانا , جاء أداء شيا لابوف متواضعا , أو عاديا, كما أنتهى الفيلم نهاية سعيدة مشرقة لا تتناسب وشخصية البطل التى يؤديها مايكل دوجلاس بكفاءة معتادة, هذا الدور الذى نال عنه دوجلاس أوسكاره الوحيد منذ ثلاثة وعشرين عاما. الخدعة التى حبكها دوجلاس بالفيلم لسرقة أموال ابنته, والتى خدعنا جميعا كمتفرجين معها, بالاضافة لشخصيته القاسية التى أطلعنا عليها تفصيلا بالجزء الأول لا يمكن أن تعود بمشهد النهاية برقة متناهية لتعيد الأموال المسروقة لأبنته , تلك النهاية العقيمة كادت تفسد فيلما بدا جميلا إلى حد كبير.

أما عن نجوم الشباك , فأفتقدنا بعام 2010 كل من link (Unstoppable) الذى بدأ عرضه بنهاية العام واصلا للمركز 38 حتى الآن , وهو الفيلم الذى تتشابه قصته كثيرا مع الفيلم التسعينى سرعة (speed). والفيلم الثانى كان كتاب إيلى ( The book of Eli) وهو فيلم ضعيف المستوى بطئ الخطى شديد الملل , و لكنه استطاع استنادا لأسم نجمه الأسمر أن يصل للمركز الخامس والعشرين. أما عن مات ديمونصاحب ترشيح أوسكار بالعام الماضى فقد قدم فيلم المنطقة الخضراء( The green zone ) بنجاح متواضع , كما تعاون مع المخرج الكبير كلينت إيستوودبفيلم هنا بالمستقبل(Hereafter ) , وهو الفيلم الذى لم يعرض بمصر ولذا لم يتثنى لى مشاهدته , والذى بدا فيلما مبشرا بالخير بناء على قامة مخرجه ونجومية بطله, إلا أن عدم الاحتفاء النقدى به, وكذلك عدم تحقيق إيرادات مهولة يجعلنا نهبط بسقف توقعاتنا بشأنه خصوصا وأنه عام 2010, عام السينما القميئة.

وعن مفاجأة العام , فقد كان فيلم الشبكة الاجتماعية(The social network ) , الذى لم يضم بين أبطاله وصانعيه نجوما من العيار الثقيل , كما أنه لم يعتمد على الأفكار التقليدية أو التقنيات الضخمة , بل اعتمد على وجبة من الفن الحقيقى فى سرد بسيط وسلس لقصة صانعى الفيسبوك, تلك القصة التى كانت ستكون ضعيفة ومملة لولا فنانين مهرة أستطاعوا توظيف كل تفصيلة بالقصة وصولا إلى حبكة ممتعة , وأستطاع الفيلم بعيدا عن الأسماء الكبيرة والتكاليف الباهظة , واعتمادا على سينما حقيقية فى الوصول للمركز 28 . تألق بالفيلم النجم العشرينيين جيس إيزنبرج بأداء فاق كثير من النجوم اللامعة. ويعود جيس إيزنبرج بعد أن قدم بالعام الماضى الفيلم الكوميدى الرائق أرضى مصاصى الدماء ( Zombieland) منبها لموهبة حقيقية , نتمى ألا تقف فى طريقها ملامحه الطفولية.

و فشل النجم قوى الحضور ميل جيبسون فى تحقيق عودة ناجحة بفيلمه حافة الظلام (Edge of Darkness), بعد غياب دام لمدة سبع سنوات بعد تعرضه لمضايقات يهودية. هذا بالرغم من تقديم جيبسون لأداء يليق بأسمه فى دور إنسانى متميز يتناسب وعمره وملامحه وشخصيته التى أعتادها الجمهور.ولكن عاب الفيلم أنك قد تظن أنك شاهدته من قبل من بطولة جيبسون نفسه , فهى تيمة أتقنها جيبسون لأكثر من مرة. و يبدو أنه يحتاج لمزيد من الابتكار للعودة إلى مكانته الطبيعية و لننتظر فيلمه الجديد بأوائل 2011 مع جودى فوستر ومن إخراجها (The Beaver). كذلك فشل إدورد نورتون وروبرت دى نيرو بمحاولتهم الفلسفية حجر(Stone) من الحصول على أى مركز من المراكز المئة و الخمسين الأوائل, وكذلك لم يلقى أى اعجابا نقديا أو جماهيريا فى فيلم شهد أداءا تمثيليا متميزا ومتوقعا من البطلين الموهوبين, ولكن كذلك فقد شهد إيقاعا مضطربا وأفكارا مفتعلة و مصطنعه فى بطء شديد وممل. وكعادته بالعقد الأخير تواجد هارى بوتر(Harry Potter) بجزئه السابع بغضون عشرة أعوام , وقبيل إغلاق صندوق التذاكر بأسبوعين كان مكانه السادس بالقائمة زاحفا نحو مركز أفضل , ربما الثالث أو الرابع... وسلسلة هارى بوتر برمتها ظلت مثيرة للجدل , هل هى سينما حقيقية , أم أنها أقرب إلى أفلام الأطفال , أم أنها مجرد أسٍتعراضا للخدع ؟؟

يتبقى لنا البداية ( Inception) وهو فيلم العام بلا شك للمخرج الإنجليزى كريستوفر نولان, أحد المخرجين المميزيين الذين أنجبتهم لنا الألفية الجديدة , هو و روب مارشال .والفيلم نموذج صارخ للتفرقة بين السينما الحقيقية التى تعلم كيف تستغل الإمكانيات المهولة لخدمة فنها وإبداعها , وبين أفلام تعتمد على تلك الإمكانيات دون وجود أثر لأى سينما حقيقية فى جعبتها. كريستوفر نولان الذى يقوم بكتابة أفكاره غير التقليدية بأسلوب مثير ومتميز يقدم لنا فيلمه السابع إخراجا و السادس تأليفا, ويهديه لنا كقطعة فنية , بها مقدرة سبيلبرج الفائقة فى صناعة أفلام عالية الجودة, متقنة الأفكار, مثيرة للجدل والتفكير, عميقة المغزى , تجارية النكهة. تشتم رائحة سبيلبرج الذى أعتادت أن تمشى السينما الأمريكية وراء خطاه دون أن تبلغه بفيلم نولان الجديد. لايؤخذ على فيلم البداية (Inception)سوى المبالغة أو الإطالة ببعض مشاهد الحركة , ولكن دون أن يفلت زمام الفيلم من يديه أبدا. الفيلم بفكرته المركبة يحمل بين طياته , وبشكل غير مباشر, تساؤلات وجودية, وتأملات عن ماهية الحياة, دون تعمق مفتعل وبشكل مثير وملهم. ستعلق بذاكرة السينما المشاهد الأخيرة من الفيلم, مشهد الصحو المتتالى من الأحلام الأربعة المتداخلة , ومشهد الصحو النهائى بالطائرة, و كذلك مشهد النهاية واللعبة تستمر بالدوران حول نفسها فى إشارة إلى أن حتى الواقع ما هو إلا حلم كبير. فهو ليس مجرد فيلما آخر عن أبطال خارقيين و ذوى قدرات خاصة يهربون بين الانفجارات , يطيرون بالفضاء ولا يموتون , ليس الفيلم عن مخلوقات غير انسانية, عن أشكال مشوهة , عن فضائيين أو مصاصى دماء. ليس الفيلم عن صراع هؤلاء مع أولئك للبحث عن كنز مفقود أو انخراطهم بصراع وجودى دون أسباب مفهومة , ليس الفيلم مسخا لتلك الأفكار التى سيطرت على صانعى السينما لتطويع إمكانياتهم الجديدة وأستغلالها بأى شكل متاح , الهدف الأساس هو استعراض التقنيات , وليس صناعة أفلام. بعكس هذا الفيلم الذى يعطيهم درسا واضحا كيف تخدم التكنولوجيا والتقنيات الأفلام بشكل صحيح. ليوناردو دى كابريو, كعادته بآخر أفلامه , يقدم لنا فيلما متميزا آخر, وقد نعتبر ليوناردو الذى تعامل مع سبيلبرج, سكورسيزى, سكوت, ونولان, هو سيد السينما الجديد بجيل أفتقر لمواهب بقامة دى نيرو. جاك نيكلسون , داستن هوفمان و آل باتشينوبجيل سابق , ولا بنجومية توم هانكس, ميل جيبسون , وراسل كرو من بعدهم , أو حتى متواضع الموهبة توم كروز. فإن كنت أعتقد أن راسل كرو هو النجم الأكثر موهبة بالعقد المنصرم, فإن ليوناردو هو بالتأكيد النجم الأكثر إنجازا والأبرز إنتاجا والأحسن اختيارا والأشد تألقا.

وأخيرا, ورغم أن الايرادات لم تهتز وأن سطوة الفيلم الأمريكى مازالت وستزال قابضة على سينمات العالم, وبالرغم أن الاهتزاز بأعداد الأفلام والمشاهدين ليس كبيرا, إلا أن السينما الأمريكية تشهد تراجعا ملحوظا بمستوى أفلامها عاما تلو الآخر. وآخرها 2010 الذى يعد إنتكاسة للسينما الحقيقية بهوليوود. نأمل أن يفاجئنا الأوسكار بأفلام سهونا عنها ولم تتنبه لها الأسواق بالعام المنقضى كما أعتادت الجائزة الرفيعة أن تفعل فى السنوات الأخيرة, وخزانة الآلام ( The hurt locker) , أخر ملوك أسكتلندا (Last King of Scotland) واصطدام (Crash) خير شاهد .وإن كانت ترشيحات الكرة الذهبية غير مبشرة وهى مؤشر الأوسكار الأولى, بترشيحات متعددة لأفلام مثل أليس فى بلاد العجائب (Alice in wonderland) و السائح ( The tourist ) مستندين لنجومية صانعيهما, و إن تواجد البداية (Inception) و الشبكة الاجتماعية(The social network ) اللذان أشرنا لتفوقهما الفنى , كما ضمت القائمة أفلاما لم تلقى مشاهدة كافية بعد مثل المقاتل (The fighter ) وخطاب الملك (The King's speech) و البجعة السوداء (Black swan) نتمنى أن يكونوا بمستوى جيد. أخيرا , نتمنى أن يصحح عام 2011 المسار لنستمتع بأفلام أكثر فنا, ببريق الثمانينيات والتسعينيات وتقنيات الألفية الجديدة , أم أن الأسوأ لم يأتى بعد ؟



تعليقات