Game of Thrones (حلقة 6): العَظَمَة!

  • مقال
  • 01:37 مساءً - 18 مايو 2014
  • 1 صورة



"مذنب لأني قزم، وقضيت حياتي كلها أحاكم على ذلك"

«كُنت أتمنى لو كنت الوحش الذي تعتقدون أنني إياه، كنت أتمنى لو امتلكت السُّم لأقتلكم جميعاً»

كل ما هو جميل في هذا المُسلسل، كل ما هو مُختلف وجاذِب، كل ما هو عَميق ومُتقن، عن الحدث والشخصيات، عن حِدّة الحوارات والانقلابات غير المتوقعة، عن الزَّخم البصري وجودة الكتابة، كل شيء عظيم بشأن Game of Thrones ستجده هُنا، في الحلقة السادسة، وقوانين الرجال والآلهة.

خلال الأسبوعين الماضيين مر المسلسل بفترة ترنُّح حقيقية، ولم يكن خافياً على أحد هبوط المستوى الواضح في الحلقتين الرابعة والخامسة، فراغ أحداث بعض الخيوط، وتكرارها في خيوطٍ أخرى.

محبُّو المسلسل الأكثر إخلاصاً اعتبروا أن ذلك هو الهدوء الذي سيسبق العاصفة، والعاصفة، إذ جاءت، كانت في تلك الحلقة، أحد أعظم ما قُدِمَ في المسلسل، وربما كان المشهد الأخير هو أحد أعظم ما قدم في تاريخ التلفزيون الأمريكي.

أحداث الحلقة:

الحلقة بالمُجمل تتكوَّن من أربعة انتقالات كُبرى:

1- مشهد لستانيس بريثيون يُحاول إقناع مَلَكَة الذَّهب الذين يُدَعّمون الـ«لانستيرز» في دَعمه هو، ليس فقط لأنه الملك، ولكن، بحسبِ مساعده «دافوس»، لأنه المستقبل أيضاً، أين ستذهب الكينجز لاندينج بعد وفاة تايوين في وجود ملك طفل كـ«تايمون» الصغير؟! المَلَكَة اقتنعوا كما يبدو، مما قد يَقلب ميزان القوى من جديد.

2- في الانتقالة الثانية تحاول «يارا جريجوري»، التي لم نرها منذ بداية الموسم، تحرير أخوها «ثيون»، الذي أحرق وينترفيل في الموسمِ الثاني، من يد «رامزي سنو» الذي ظل يعذبه ويُقطّع أعضاءه طوال الموسم الثالث، مشهد كبير وقاسي للغاية.

3- الانتقالة الثالثة لدينيريس تارجريان، دَخلة مُهيبة لأحد التنانين، ثم الكاليسي وهي تستقبل شكاوي العامة في أرضِ العبيد.

4- النصف الثاني من الحلقة كاملة: مُحاكمة «تايرون»!

رأي في الحلقة:

هناك شيء مُختلف ومُهيب في الحلقة منذ دقائقها الأولى، تلك هي الحلقة الرابعة التي يخرجها الروسي «إليك سوخروف» ضمن أحداث المسلسل، الحلقات السابقة في الموسمين الثاني والثالث لم تحمل أي تميُّز يُذكر، ولكنه في تلك الحلقة وضع نفسه كواحد من أهم صناع المسلسل على الإطلاق.

خلفية «سوخروف»، كمصور بالأساس، بدت واضحة منذ افتتاحية وصول «ستانيس براثيون»، حركة الكاميرا العُلويَّة خلقت لقطة رائعة فعلاً، لاحقاً فإن جودة المشهد لا تعتمد فقط على حواره، الذي كان رائعاً، أو في لعبة الشطرنج العظيمة التي يقوم بها «دافوس» ليقلب الطاولة ويقنعهم بالرهانِ على آل «براثيون»، ولكن أيضاً من الناحية البصرية، وطريقة إضاءة المشهد كاملاً، جعلته مختلفاً ومميزاً بشدة، عوضاً على أهميته في الصراع ككل.

الانتقالة الثانية في هجومِ «يارا» لتحرير «ثيون»كانت قاسية فعلاً، تحديداً مع أداء خانِع ممتاز جداً من الممثل « ألفي آلن» في دور «ثيون»، وسادي لدرجة جنونية من الممثل «إيوان ريون» في دور «رامزي»، لقطة المياة والحموم التي تجمعهم عقب انتهاء الهجوم مليئة بالتوتر، وكالعادة فإن أحد أكثر الأمور التي يجيدها المسلسل هو قَلب مشاعر المشاهدين اتجاه شخصيات العمل، كيف نشعر الآن اتجاه «ثيون» مقارنةً بكم الكراهية التي كانت نحوه في الموسم الثاني؟ لا شيء مُتبقي في الحقيقة لأن الأوضاع نفسها تتغير.

الانتقالة الثالثة هي أفضل مشاهد «دينيريس تارجريان» هذا الموسم على الإطلاق، والمرة الوحيدة التي بدا أن هناك «شيء ما» يمكن أن يُسرد في هذا الخط، طوال الحلقات السابقة كنت أذكر أن الشخصية تبدو بعيدة الآن عن «صراع العروش» الذي يتمحور حوله كل شيء، ورغم أن ذلك ظل قائماً إلا أن المشهد نفسه، بدخلة التنانين الرائعة، ثم استماع الشكاوى، حَمَل قوة درامية بداخله، خصوصاً في ذلك الجَدَل بين «الكاليسي» وابن أحد النبلاء عن مدى العدل في صَلب والده الذي وقف ضد امتهان العبيد، مشهد كبير للغاية.

ثم بعد ذلك هناك مُحاكمة «تايرون»، أحد أعظم المشاهد التي رأيتها في حياتي!

يبدأ الأمر كلعبةٍ مُتوقعة، الجميع يَشهد ضد «تايرون»، يلوون الحقيقة من أجل إثبات أنه من قتل «جيوفري»، أحد الحراس، بائِع السموم، ثم بالطبعِ «سيرسي» نفسها، قبل أن يصعد اللورد «فاريس»، واحد من شخصيات المُشاهد المُفضَّلة، ويتماهى في اللعبة، يبدأ ضغطاً وإدراكاً حقيقياً لمدى سوءِ الأمور، ثم في نهاية شهادته، حينما يَطلب «تايرون» أن يسأله سؤال واحداً: «قلت مرة أنه بدوني كان لهذه المدينة أن تواجه هزيمة كبرى، قلت أن التاريخ لن يَذكرني، لكنَّك لن تنسى.. هَل نَسيت لورد «فاريس»؟» فإن اللحظة تملك ثقل التاريخ الذي نعرفه عن الشخوصِ كلهم، معركة البلاك-واتر، وبطولة «تايرون»، والمشهد بينهما لاحقاً، «للأسف سيدي، لا أنسى أبداً أي شيء».

المشهد اللاحق الذي يجمع بين «جيمي» ووالده «تايون» يستمر على نفسِ المنوال من التصاعد والحدّة، أهميته الحقيقية من شعورنا المنقلب، 180 درجة، ناحية «جيمي»، الرجل الذي شاهدناه في الحلقة الأولى يرمي طفلاً صغيراً من سطحٍ مرتفع، وعِشنا معه التجربة كاملة، سَجنه، هروبه، رحلته للعودة، قطع يده، لنصل إلى تلك اللحظة التي يقف فيها أمام والده ويطلب نجاة أخيه الوحيد، حتى لو كان المُقابل إعادة ترتيب حياته بشكلٍ لم يرده، «تايون» في المُقابل هو الشيطان ذاته، إجابته الفورية على «جيمي»: «اتفقنا»، قبل أن يسرد ما يجب أن يحدث –من وجهة نظره-، وكالعادة فإن «تايون» العجوز يستحوذ علينا بالكامل.

ثم تحضر «شاي»! تنقلب اللعبة، أو ما تعاملنا معه كلعبة منذ البداية، إلى شيء شديد القسوة، «دعاني إلى أن أدعوه "يا أسدي"، وهكذا فعلت، أخذت وجهه بين يدي.. وقلت أنني لَك وأنت لي» ـ، في تلك اللحظة، تحديداً، يَحتل «تايرون» الصورة بالكامل.

كل مشاعر الاضطهاد التي عاش بها طوال عمره، كل الكراهية المُستقبلة من والده وشقيقته، كل الشعور بالخزي والأسى لأنه وُلِدَ قزماً لآل لانسترز، كل شيء خرج على السَّطحِ في تلك اللحظة، لحظة الاعتراف.

«لقد أنقذتكم، لقد أنقذت هذه المدينة، أنقذت حيوات لا قيمة لها، كان عليَّ أن أترك "ستانيس" يقتلكم جميعاً»
«أنا مذنب على جرائم أكثر وحشية، مُجرم لكوني قزماً، ولقد قضيت حياتي كلها أحاكم على ذلك»
«كُنت أتمنى لو كنت الوحش الذي تعتقدون أنني إياه، كنت أتمنى لو امتلكت السُّم لأقتلكم جميعاً»

لو أخذنا تلك الجُمَل الحوارية مُنفصلة وأخبرنا أحدهم أنها من إحدى مسرحيات شكسبير فلن يكون الأمر بعيداً، المشهد، بكل هذه العظمة والحِدَّة والمَلحميَّة، يمتلك مُقَومات لحظة كبرى في المسرحِ القديم، حيث تتناثر سنوات طويلة وعلاقات شديدة التعقيد أمام المُتلقي.. دُفعة واحدة.

وفي كل هذا هناك الممثل بيتر دينكليج، بأداءٍ عظيم، شديد العظمة في الحقيقة، اللحظة التي يقول فيها «شاي، أرجوكِ لا تفعلي» هي واحدة من أكثر التعبيرات ألماً، ليَنفجر بعدها كوحشٍ غير مُرَوَّض، ُيُخرج من داخله كل ما احتمله لسنواتٍ طوال.

قبل أن تنتهي الحلقة بمقطوعة «أمطار كاستميرز» العظيمة، بثلاثِ قطعات فاتنة على وَجهي «تايرون» و«تايون» المُتحديين.

بعد مُشاهدة الحلقة لثلاثِ مرات منذ طرحها، وبعد كتابة هذا المَقال، أعتقد أن تلك واحدة من أعظم 3 حلقات في تاريخ المسلسل، إلى جانب حلقة «بلاك-واتر» في الموسم الثاني، و«الزفاف الدامي» في الموسم الثالث.



تعليقات