Game of Thrones (حلقة 3): الذكريات تحوم حول حاضر الممالك السبع‎

  • مقال
  • 11:53 صباحًا - 30 ابريل 2015
  • 1 صورة



آريا ستارك

(تحذير: هذا المقال قد يكشف بعض أحداث الحلقة)

هناك ميزة كبرى تتمتع بها الكثير من المسلسلات التليفزيونية المتميزة فنيًا، وهي أن المشاهد يصير جزءًا لا يتجزأ من عالم الشخصيات التي يراقبها ويتابعها طيلة الوقت عبر حشد كبير من المواقف بكم هائل لا يتوفر في الفيلم السينمائي، حتى يصير المشاهد واعيًا مع التوغل أكثر فأكثر بكل اختلاجات أنفس الشخصيات حتى دون أن تصرح شفاهيًا بذلك أو حتى وهي تفكر بينها وبين ذاتها.

هذه الحالة كانت متواجدة بقوة في الحلقة الثالثة من الموسم الخامس من مسلسل Game of Thrones والتي حملت عنوان High Sparrow، والتي سنتعرض لكافة خطوطها الدرامية في عرضنا التحليلي للحلقة.

كينجز لاندينج:

على الصعيد الشخصي، كان هذا الخط الذي احتل غالبية الحلقة هو خطي المفضل في الحلقة بأكملها، مراقبة خطوات اللعب الحذرة بين كل "سيرسي لانيستر" و"مارجري تاريل" كان أمرًا مشوقًا وممتعًا على نحو غير مسبوق، ففي مشهدين متتالين، تحاول كلتاهما أن تجتذب الملك "تومين" ذو الطباع الرقيقة إلى صفها عن طريق الإيحاء بالكلمات التي تحمل في ظاهرها معنى، وفي باطنها معان أخرى كثيرة، الأولى تجتذبه بمشاعر تدليل ورقة أنثوية، والثانية بعاطفة الحنان الأمومي.

أما المشهد الأكثر قيمة في هذا الصراع المكتوم هو المشهد الذي تقوم فيه "سيرسي لانيستر" بزيارة "مارجري تاريل" التي تجلس بين حاشيتها، للمرة الأولى تظهر "سيرسي" للمشاهد بكل هذا الكم الهائل من التوتر والتعلثم في الحديث في مقابل السخرية المبطنة وراء الابتسامة الواثقة والدبلوماسية التي تزين بها "مارجري" وجهها. "سيرسي" تدرك تمامًا أنها أمام تحدي فريد من نوعه لم يسبق لها أن واجهت ما يماثله من قبل، كمثل من يحرك قطع اللعب خاصته بوجل في مواجهة لاعب ماهر يأكل كل ما يطوله.

جزء كبير من قيمة هذا المشهد تعود للأداء الممتاز والذكي لكل من لينا هيدي و ناتالي دورمر، راقب رد فعل "سيرسي" جيدًا حينما تسألها "مارجري" عن اللقب الملائم لكي تناديها بها قبل أن تختتم بأنها قد تلقبها بالملكة الجدة عن قريب في جملة متلونة تحمل التبجيل في ظاهرها، والسخرية من فارق السن والازدراء في الباطن، وفي المقابل راقب "مارجري" وهى تزن كل جملة توجهها نحو "سيرسي" بميزان من الذهب وبكل الثقة الممكنة.

وبعيدًا عن صراع "سيرسي/مارجري"، هناك تقديم ممتاز لا يمكن إغفاله خلال الحلقة لشخصية العصفور الأعظم بفضل الحضور الذي يتمتع به الممثل جوناثان برايس، وهو شخص من الواضح جدًا أنه سيصير ذو دور فاعل في الحلقات المقبلة، خاصة إن أعطته "سيرسي" الضوء الأخضر لكي يفعل كل اللازم من أجل "حماية الإيمان". يبدو أن "سيرسي" قد اكتشفت قطعة لعب جديدة لم تخطر على بالها من قبل، وتنوي أن تستغلها على النحو الأمثل.

آريا ستارك:

إنها المرة الأولى التي ندخل فيها بيت الأبيض والأسود مع "آريا ستارك"، ونسلك معها مرحلة جديدة بالكلية من التحول في شخصيتها التي رأت خلالها الأهوال منذ إعدام والدها على يد الملك "جوفري"، لكن اللحظة الأبقى لي مع "آريا" في هذه الحلقة التي تجد نفسها فيها أمام القرار الصعب بالتخلي تمامًا عن كل ما يمت لعالمها السابق بصلة لكي تغدو فتاة بلا وجه على غرار معلمها "جاكن"، فتلقي بملابسها وأموالها الباقية في النهر، لكننا نتوقف معها في اللحظة التي تفكر فيها في قرار إلقاء سيفها الصغير الذي لازمها طوال رحلتها، في هذه اللحظة بالذات يتراءى أمام أعيننا كل اللحظات الصغيرة التي عاشتها مع هذا السيف، بالرغم أن كل ما يفعله مخرج الحلقة هنا هو تركنا معها فقط وهى تحدق في سيفها، وعلى المشاهد أن يقوم بباقي الأمر.

السور:

يعيب الكثيرون من متابعي المسلسل على "جون سنو" أنه شخص مفرط في مثاليته أغلب الوقت، وإن كان هذا الأمر صحيحًا، فإن هناك تغير ملموس في شخصيته منذ انتخابه قائدًا، وهو تخليه بعض الشيء عن مثاليته في سبيل أن يكون حازمًا، الأمر الذي تجلى في تعامله مع رفض اللورد "جانوس" للتكليف الذي أعطاه إياه والإهانة الشديدة التي وجهها إليه.

لكن في الوقت ذاته، فهو كذلك لا يزال يتحلى بالنبل الذي يميزه، وكان من الممكن ببساطة لأي من يحل محله أن يستغل موقف القوة الذي صار به لكي ينتقم من اللورد "أليسر" مع كل التاريخ الجامع بينهما من البغضاء، لكنه لا يزال يحمل سمة التقدير لمن يتعامل معه بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.

اللورد باليش وسانسا ستارك:

المرة الأولى التي تخطو فيها "سانسا ستارك" وينترفيل منذ وفاة والدها تحمل في قلبها الكثير من الذكريات، والتي نستدعيها معها خلال تجوالها، المكان لم يعد له نفس الاحساس الأول بفعل وطأة الظروف عليه، خاصة بعد تولي "آل بولتون" لمقاليد الحكم بها، لكن رغم كل شيء لا يزال "الشمال يتذكر" على حد تعبير سيدة عجوز كانت تخاطب "سانسا"، ولنعيد السماع مجددًا إلى نفس الموسيقى التي كنا نسمعها في الموسم الأول كلما حلت وينترفيل في حيز الصورة.

وعلى صعيد آخر، لا يزال اللورد "باليش" يقوم بلعبته المفضلة في تحريك الأمور كيفما يتراءى له، ولديه قدرة سحرية على الإقناع، لذلك فالمشهد الذي يقنع فيه "سانسا" بضرورة الزواج من ابن اللورد "بولتون" لكي تحظى بانتقامها كان مشهدًا ممتازًا بفضل أداء إيدان جلين بنبرة صوته الواثقة ونظرته الثاقبة التي لا تهتز قدر شعرة.

برين أوف تارث:

كان السؤال البديهي الذي سأله كافة المشاهدون بعد فشل مهمة "برين" في اصطحاب "سانسا": وماذا بعد؟، لكن هناك شيء من الإجابة عن هذا السؤال بين جنبات الحكاية الحزينة التي تسردها عن موقف "رينلي برايثون" الذي حماها من سخرية كافة الشبان منها بسبب طولها الفارع وملامحها المتجهمة، وفي تلك الحكاية يتكشف جانب آخر من الوجه الرقيق لـ"برين" والذي تتعمد إخفاؤه وراء غلظتها في التعامل مع الآخرين وشدتها في القتال، كما يتضح لنا - بدون تصريح مباشر منها - عن نيتها في المرحلة المقبلة لتجاوز فشل مهمتها الأولى، وهو الانتقام من قاتل "رينلي".

تيريون لانيستر واللورد فاريس:

بعيدًا عن النهاية الفارقة التي تنتهى بها الحلقة بعد اختطاف "تيريون"، لا يحرمنا "تيريون" كعادته من سخريته المعتادة، لكنه في الوقت ذاته يمنحنا لحظة درامية موحية بفكرة الوصل، تلك اللحظة عندما تمسك العاهرة التي تحدثت معه بيده لتأخذه إلى مخدعها، لكنه لا يقدر ببساطة على الذهاب معها وهو ما يفاجئه شخصيًا، وفي تلك اللحظة نتذكر معًا البداية التي بدأتها العلاقة المتوترة بين كل من "تيريون" و"شاي" على مدار المواسم الفائتة في تلك اللحظة التي لا تستغرق وقتًا طويلًا على الشاشة.

عن هذه الحلقة:

أهم ما يرفع تقدير هذه الحلقة من وجهة نظري هو عمله الذكي والفعال وغير المباشر على فكرة الوصل بالذكريات التي عايشناها مع كل شخصيات المسلسل، والتي يتم استدعائها هنا من الذاكرة مع اللحظات الخاصة التي يتم ضخها في قلب دراما الحلقة.



تعليقات