Le passé دراما العلاقات الاجتماعية

للمرة الثانية على التوالي يثبت لنا المخرج والمؤلف (أصغر فرهادي) أنه ملك الدراما الأسرية، والاجتماعية وأنه يستطيع أن يقدم مشاهد تبعث دفئا فنيا وإنسانيا بطريقة صادقة جميلة، فبعد أن أمتعنا فرهادي بفيلم (الانفصال) عام 2012 والذي لاقى نحاجا فنيا وجماهيريا، ولاقى استحسان كثير من النقاد وفاز بالعديد من الجوائز في مهرجانات عدة كان منها أوسكار أحسن فيلم أجنبي، يقدم تلك المرة تجربة اجتماعية أخرى تسرد إحساس المسئولية من خلال فيلم (The past) أو (Le passé) بالفرنسية.

ففي إطار دراما العلاقات تدور أحداث الفيلم حول أحمد (علي موصفي) رجل إيراني يقوم بهجر زوجته الفرنسية ماري (بيرينيس بيجو) ويرحل لوطنه. بعد سنوات يعود أحمد لباريس من أجل اكتمال إجراءات الطلاق من زوجته. يجد أحمد زوجته على علاقة بسمير (طاهر رحيم)، ومع تطور الأحداث يكتشف أحمد سرا خطيرا يقلب الأمور رأسا على عقب... سيناريو تجلت عظمة كاتبه في الجو الواقعي الصميم الذي رسمه فرهادي مركزا على الأحداث والأسباب التي كانت سببا في وقوع ذلك، ورصد مظاهر الحياة والتعليق على الجانب الاجتماعي للأبطال، مع الاتصاف بتسلسل الأحداث وبساطة وعدم تعقيد في التتابع السردي لها تاركا المشاهد يستمتع بكل لحظة كلاسيكية بالفيلم،

قد نلاحظ أن هناك تشابه كبير بين الخطوط والتيمية الرئيسية لفيلمي (الانفصال)، و(الماضي) حيث أن البناء الدرامي فيهما واحد وهو الطلاق واستحالة الحياة الزوجية بين الزوجين، وبالرغم من أن التأثير الدرامي للأحداث يدعو للعودة إلى الماضي والرجوع بالذاكرة في أغلب المشاهد لتوصيف ما وقع بين الزوجين؛ إلا إننا نلاحظ أن المخرج (فرهادي) لم يستخدم ذلك ولم يقحم أي مشاهد عن علاقة الزوجين سابقا بل مزج ذلك بتكنولوجيا العصر من خلال الزج بمشاهد استخدام البريد الإلكتروني بين أحمد وزوجته الفرنسية، مشيرا بذلك إلى عدم تواصل الزوجين لفترة طويلة إلا من خلال شاشات الكمبيوتر وما ترتب عليه من علاقة الزوجة بشخص أخر وحملها منه وعدم اكترثها بكونها مازالت زوجته، أيضا نلاحظ أن الأبعاد الإنسانية التي طرحها (فرهادي) من خلال السيناريو الذي كتبه كان تأثيرها الدرامي كبير على الأحداث خاصة في المشاهد التي جمعت بين أحمد وزوجته ماري وتلك المشاعر الباردة، والاهتمام المزيف والانتقاضات بين صفاتهما الحقيقية وما يدعوه... كذلك المشاهد التي جمعت بين أحمد والفتاة لوسي حيث دفعت ماري بأحمد ليكون وسيط بينها وبين ابنتها أملا في عودة العلاقات بينهما مرة أخرى بعد اكتشافها أمر زوجة أحمد وأنها راقدة بالمستشفى بعد محاولة انتحار نتيجة لمعرفة علاقة زوجها بماري والتي تسببت فيها لوسي....

ركز أصغر على العديد من الأشياء الصغيرة التي تكتمل معها عناصر نجاح الفيلم فمثلا جعل المنزل غير مرتب، وكل مكان يملأه عبوات الطلاء إشارة إلى رغبة ماري في طلائه حتى تمحو كل ماضي يربطها بزوجها، وأنها مشتتة. كون الطفل فؤاد ابن سمير صامتا طوال الوقت مما يؤكد على المعاناة التي يعيش فيها بسبب ابتعاده عن أمه، كذلك سمير نفسه الذي تدعو كل تصرفاته وانفعالاته إلى كونه شخص أناني وعصبي إلا أنه مع أول مشكلة تظهر في حياته بالنسبة لزوجته يبدو شخص ضعيف يتملكه الخوف.

البراعية والحرفية لم يتمتع بها (فرهادي) وحده بل امتدت لكل أبطال العمل بدء من الطفلين الصغيرين اللذين قدما دورهما بشكل مطلوب وجيد، ومرورا بكل من (طاهر رحيم)، ولوسي (بولين بورليه) وانتهاًء ببطلي العمل الرئيسيين (على موصفي) الذي استطاع أن يتحكم في مشاعره بشكل كبير وأن لا يتوقف عند صفات الرجل الشرقي خاصة بعد معرفة علاقة زوجته بأخر مما يؤكد على ذلك التناقض في كونه رجل شرقي والرجل الفرنسي، وهكذ الرائعة (بيرينيس بيجو) ذات الملامح الهادئة والتعبيرات الذكية لتزيد من حرارة ومعنى الأحداث.

في النهاية نستطيع أن نقول أن Le passe عمل روائي ذو قيم فنية راقية تعبر عن جو واقعي، واعتقد أنه يستحق أن يضم إلى أفضل فيلم عام 2013 لما يحيويه من معاني ومشاهد جادة تحذى باحترام وتقدير.

نقد آخر لفيلم The Past

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
Le passé دراما العلاقات الاجتماعية دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 0/0 19 نوفمبر 2013
سِر الماضي وتمازج الأزمنة mnesblue mnesblue 0/0 15 اغسطس 2023