ناصر فرغلى يكتب :الحقيقة.. وراء أبو الليف

  • مقال
  • 10:50 صباحًا - 2 مايو 2010
  • 1 صورة



في السنة التي أنتجنا فيها « نادر أبو الليف»، أُلغيت حفلاتل محمد منير، ولم يأخذ ألبوم الرائعة أصالة «نص حالة» إلا ربع اهتمام، ولمنر أنغام إلا لماما، ولم نر الحلو مطلقا، كذلك غادة رجب، وسمعنا أن على الحجار«يدور» في الساقية، وأن الجسمي سهران كل يوم لستة الصبح، وأن شيرين عبدالوهاب غنتللريس من قلبها.
وفي السنة التي أنتجنا فيها أبو الليف، أنتجنا أيضا العوّ صاحب الغمازات، والعتبة قزاز والرمان والجزر وحاعلي صوتي عليك.
وفي السنة نفسها مات مصريون في حوادث قطارات وسياراتوقوارب هجرة ومعديات وطوابير خبز وطوابير بوتاجاز وطوابير معاشات وانهيارعمارات وصخور وسيول وهبوط أرضي ومياه ملوثة وإنفلونزا الطيور والخنازيروأحداث فتنة وقتل وثأر وسرقة وبلطجة.
وفي السنة نفسها عربدت إسرائيل في الخليل وبهدلتنا فيالقدس واغتالتنا في دبي وضربت غزة وحاصرتها وحاصرناها وبنينا الجدارواتخانقنا مع الجزائر واتخانقت لبنان مع ليبيا، ولبنان مع لبنان، واليمنمع اليمن، واليمن مع السعودية، والسودان مع السودان، وسوريا مع قطر، وقطرمع الجميع.
هل أبو الليف مسئول عن أي من هذا؟ لا. والحقيقة أنني متعاطف جدا مع هذا الشخص، كإنسان.
كماأنني متأثر حقا من كم العناء والمأساة التي ربما يكون عاشها علي مدي ربعقرن محاولا طرق أبواب عوالم الفن باعتباره أحمد دون جدوي، ثم باعتبارهنادرًا بلا أمل، وإذا به حين يتحول إلي أبو الليف ويهتف بكلمة السر «افتحيا خرونج» تنخلع له الأبواب والشبابيك وتنهار الأسوار والحيطان ويدخلمكللا بالغار ساحات مصر النهاردة والقاهرة اليوم وميلودي والبقية آتية لاريب فيها! في عيون أبو الليف وفي صوته مزيج من نشوة اللحظةوانكسارات السنين.
نظرات سريعة التنقل تود لو تقرص نفسها كل ثانية لتتأكدمن أن الحلم حقيقة. ثم هو يستأذن - بعينيه- مرشده الروحي ومخلصه الفني أيمن بهجت قمر قبل كل إجابة وكل غنوة وكأنه خائف من أن يعك! ولا أدري أي عكيمكن أن نتوقعه ممن غناؤه خرونج وكاورك وفرخة ونفسن وأسفن وخبلانة ولازماعملها! هل نلوم أبو الليف؟ لا.
بل أحس بتراجيدية تحولاتهوأتعاطف مع مأزقه الإنساني الذي يكاد يكون هو مأزق المصريين جميعا: بينهوية أصبحت هي الغرابة بعينها، وبين حاضر ممسوخ لا يرحب إلا بالممسوخينومن هم علي استعداد لأن يكونوا «مُسخة».
هل نلوم أيمن قمر؟ هو يقول إنه يحاول توسيع قماشةاللغة وقماشة الموضوعات.
ماشي ولكن دعك من أن هذا مشروع فني وفكري، وأن لهرسالة تهدف لتغيير الوعي إلي آخر كل هذا القناع التنظيري، فلو قرأتم آلافالتعليقات علي ألبوم أبو الليف لوجدتم أن الناس «ماتت من الضحك» وبس خلاصوهو المطلوب إنتاجه.
وهذا ما يعلمه قمر وشركاه محمد يحيي الملحن و توماالموزع، فقمة التهريج الفني أن نضع التافه في ثوب الجاد.
هل نلوم جمال مروان المنتج؟ حفيد الزعيم الخالد؟ صاحب شعار «أفلام عربي ... أم الأجنبي»؟ أنا أقول لكم من نلوم.
نلوم أنفسنا لأننا تحولنا إليأوعية فارغة وآنية مستعدة لتلقي كل ما يلقيه فيها أصحاب الشاشاتوالميكروفونات والورق والأقلام.
ولأن الجميع يعلم المعادلة لم يكن خافياعلي صناع الفن أن إللي ماشي الآن هو التهريج بكل أشكاله: اللنبي وإخواتهفي السينما، والعوّ وأبو الليف و عماد بعرور و سعد الصغير وقمر و مرويفي الغناء.
حتيالرواية ذلك الفن الجميل الذي ساد وهم بأن الوقت وقته والعصر عصره، انحسروانقهر في مقابل سيل كتب وكتابات الأدب الساخر إلي الحد الذي دفع بشاعررومانسي قديم مثل جمال الشاعر لأن يكتب «اعمل عبيط»! وليس الأدب الساخر بدعاً في الكتابة العربية، ولكنهكان يحتل هامشا معقولا احتله الهمشري والديب والسعدني و أحمد رجب وقلةآخرون عبر قرن كامل بجوار متن فذ تزاحم فيه أساطين الرواية والشعر والأدبوالنقد والفكر الجاد في قائمة لو بدأنا في سردها لاستغرقت صفحات وصفحات.
وليس المونولوج الغنائي الساخر بدعا في الموسيقي، بلكان دائما حاضرا وموجودا وممثلا في إسماعيل ياسين و شكوكو و ثريا حلميو أحمدغانم وقلة آخرين ممن شكلوا هامشا جاور متن الغناء الذي شغله عمالقة الطربوالتلحين ممن تطول قائمتهم هم أيضا.
وقل الشيء نفسه في مجالات عديدة جمعت ثنائية المتنوالهامش تلك، في الصحافة والسياسة والأخلاق والفكر والرياضة وغيرها، متنجاد رصين ملتزم، وهامش ظريف ومسلٍّ ولا يخلو من رسالة أحيانا ومن ابتذالفي أحيان أخري، والدنيا ماشية. ولكن بقدرة قادر انقلبت الأوضاع، وأصبحت «المسخرة» هيالأصل والمتن والتيار السائد، وامتلأت الشاشات ببرامج المقالب والحركاتوالاشتغالات والتأليس والتهييس والأفلمنات، شأنها شأن الأفلام والكتبوالصحف والمجلات والكاسيت والسي دي، وتراجع كل ما هو جميل ومرشح للخلودباعتباره ما ياكلش وما يأكّلش!
وفي زمن المسخرة سينسي الناس تماما أبو الليف، كمانسوا شعبولا.
ولن أتفاجأ حين يهب علينا غدًا أو بعد غد المطرب الجديد «أبوفروة» الذي سوف يقول:
ح تقوللي إنك كينج كونج
ح أقولك إنك إنت wrong
روح ارمي نفسك م البرج
ده أنا وأنا قافل بقي باغني أحلي song



تعليقات