خطاب الملك .. كيميا مدهشة بين ثلاثة ممثلين تأخذك نحو الأوسكار !

  • مقال
  • 12:24 مساءً - 26 مارس 2011
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
المخرج توم هوبر
صورة 2 / 4:
فيرث وهيلينا في لقطة من الفيلم
صورة 3 / 4:
كولين فيرث وجيفري راش وهيلينا بونهام كارتر .. يأخذون توم هوبر نحو الأوسكار
صورة 4 / 4:
كولين فيرث في دور الملك جورج السادس

كُنت قد شاهدتُ للمخرج توم هوبر فيلمه الأول " The Damned United" ، ويروي فيه السيرة الذاتية لمدرب كرة القدم الأسطوري "براين كلايف" ، الذي استطاعأن يحقق إنجازاً تاريخياً لن ينسى بعد أن فاز بالدوري الإنجليزي مع فريق "ديربي كاونتي" إثر صعوده من القسم الثاني بعامٍ واحد ، كَتبت عن الفيلم وقتها ..معتبراً أن هوبر يتجاوز بشكلٍ يستحق التقدير المحور الأساسي المفترض للفيلم (كرةالقدم) ويجعله فيلماً نفسياً من الدرجة الأولى يتناول محوري "الصداقةوالعداوة" ، إلى جانب كونه يقتطع جزء ليس الأهم من سيرة الرجل .. ولكنه كافي ليخرجمنه فيلماً رائعاً يحتفي بالصداقة وبالانتماء وبالرجل الثاني الذي لم يكن ليتحققمن دونه شيئاً !

وفي مشاهدتي لفيلمه الثاني المتوَّج بالأوسكار " خطاب الملك" ، وجدتُ نفسالأمور التي قدرتها : فيلم سيرة ذاتية .. عن شخصية أيقونية في التراث الإنجليزي ..يتجاوز محوره الأهم (الحرب العالمية الثانية) .. ليغوص في قصة أبسط كثيراً .. ليستالأهم في حياة بطله أيضاً ولكنه يحتفي من خلالها مرة ثانية بالصداقة والانتماءوالرجل الثاني الذي لم يكن لتحقق من دونه شيئاً !!

قصة الملك "جورج السادس" الذي قاد إنجلترا خلال الحرب العالمية الثانية ،الذي يعاني من مشاكل قديمة في النطق ، تجعل صورته مهتزة أمام الأسرة الحاكمة وأمامالشعب الإنجليزي بأسرة ، ورغم فشل كل محاولاته منذ الطفولة لتجاوز تلك المشكلة ..إلا أن قيادته للبلاد أمام جبروت وجنون ديكتاتور مثل هتلر ، تجعل من الحَتْمي أنيُعالج ، ليصبح "المُلهم" الذي ينتظره الشعب ، وهو شيء لم يكن ليتحقق إلابوجود زوجته إليزابيث وأخصائي معالجة النطق ليونيل لوغ .

أكثر ما أقدره في هذا العمل هو قدرته على صنع فيلم بهذه الجاذبية والرونق ، دونامتلاك (مادة) حقيقية تؤهله لذلك ، فالقصة هنا ليست عن الحرب ولا الملك ولاإنجلترا .. ليست عن شخصيات مُعقَّدة أو حبكة استثنائية ، هي أولاً وأخيراً .. قصةعن الصداقة بين الملك جورج ومعالجه .. تتخذ من "التهتهة" – التي هي نقطةفرعية في سيرة الملك نفسه – أساساً لبناءها ، متجاوزاً أحياناً الصورة الأكبر عن تلك الفترة أو شخوصها أو التيمات التاريخية المرتبطة بأحداث الحرب العالمية الثانية ، من أجل جعل الفيلم عن مشكلة أبسط كثيراً من كل هذا .

ورغم كون تلك النقطة تحديداً منحت الفيلم الكثير من تميّزه وقوته لكنها أشعرتني أحياناً بوجود فراغ في النص واستهلاكيّة في نقاط التطور الدراميفيه ، كتلك المرحلة الهشّة التي يستغنى فيها ولي العهد "ديفيد" عن العرشلشقيقه والصورة الكاريكاتيرية التي ظهر عليها هو وعشيقته ، لكن وجود مخرج جيدكهوبر يجعلنا نتجاوز تلك المرحلة وعيوب الفيلم الأخرى ، حيث يبذل كل جهده لينصب تركيزنا وتوحُّدنا مع مشكلة بطله وكيف تضغط عليه وإلى أي مدى يحاول صديق مخلص قبلأن يكون معالج متمكّن كليونيل لوغ مساعدته .

النقطة الأهم ، هو أن هوبر يشعرنا على الدوام بأننا نُشاهد (فيلماً أنيقاً) ، يصلإلى درجة تقارب الكمال في كافة عناصره الفنية ، ويُحيي بصرياً هذا الوقت من القرنالماضي ، خصوصاً مع تصوير بديع جداً من المصور داني كوهين يحوّل بعض المشاهد إلىلوحاتٍ مرسومة بأكثر كثيراً من كونها لقطات في فيلم سينمائي ، وأيضاً موسيقىمُدهشة وعظيمة – الموسيقى التصويرية المفضلة بالنسبة لي في العام الماضي – للفرنسيالمتميز دائماً أليكساندر ديسبلا ، ونهاية بمونتاج مُتماسك يساهم في تحويل مشهد(خطاب الملك) الختامي إلى نقطة مضيئة وأيقونية لعام 2010 بالكامل .

ورغم تقديري الشديد لقدرة توم هوبر على تجاوز (الفراغ) الذي نستشعره في الحدثأحياناً ، إلا أن هذا لا يمنع أن الأصل في ذلك كله هو أنه مخدوم بكيمياء استثنائيةورفيعة المستوى من أبطاله الثلاث : كولين فيرث و جيفري راش ، يصنعون ثنائياً مُدهشاً لعلاقة الملك بمُعَالِجه ، هَشاشةالأول وخوفه وشعوره أحياناً بالضعف وثُقل المسئولية الملقاة على عاتقه ، في مقابلإيمان الثاني بقدراته وأنه قد يصبح ملكاً عظيماً في حال استطاع تجاوز مشاكله معالنطق ، في المقابل تبدو هيلينا بونهام كارترتماماً كما يجب أن يكون .. قرينة ملكتحاول أن تسانده في تجاوز عجزه الداخلي وقبل ذلك امرأة مُحِبّة تحاول أن تحميزوجها في وقتٍ عصيب .

بالمُجمل ، ربما وجدتُ فيه بعض العيوب ، ربما ليس فيلمي السينمائي المُفضَّل للعام، ولكنه بالتأكيد ضمن أفضل إنتاجاته ، وعبر نص ذكي وإخراج متزن وحقبة تاريخيةمفضّلة وعمل تاريخي أنيق وسيرة غير تقليدية وزخم فني واضح وثلاث أداءات رائعة ..يعطي الكثير من المنطق لأن يكون (فيلماً أوسكارياً) .

التقييم : 8 من 10



تعليقات