عمرو سلامة يكتب :مطلوب موظف

  • مقال
  • 12:54 مساءً - 13 يوليو 2011
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
صورة 2 / 2:

ما خصائص الشخص الذي نريده ليقود مصر في المرحلة القادمة؟

بعد أن تجد الإجابة، اسأل نفسك: ما الذي تريده منه؟ وهل من اخترته سيؤدي بنا لما اخترته؟ أم أن هناك تناقضا بين صفاته، والهدف الذي يجب أن يحققه؟

هل تريده متدينا؟ وهل الأكثر تدينا هو الأكثر قدرة على الإدارة؟

هل تريده حازما وشديدا وفي القوة قويا.. قوي قوي؟ لكن هل الحزم والشدة هما أفضل طريقتين لإدارة الموارد البشرية؟

هل تريده صاحب كاريزما وشكله وسيم ومتحدثا لبقا؟ لكن هل الكاريزما واللباقة هما أهم صفتين في من يحدد ملامح الموازنة العامة وينظم مشكلات المرور؟

هل تريد من يستطيع الشعب أن يحبه ويقع في غرامه ومستعد للتضحية من أجله؟ لكن ألن يعطيه هذا من العشم والرصيد الذي يجعله «يجي علينا» وهو عارف إن ماحدش هيحاسبه؟

ألم نجرب لآلاف السنوات منطق الزعيم، الملهم الجبار، الذي يعلم ما لا نعلم، الذي نبرر له أخطاءه مهما كانت؟

ألم تفشل تجربة ما يسمى بالديكتاتور العادل؟

المصطلح المتناقض الذي يوازي مصطلح العاهرة الشريفة أو البهلوان الوقور.

كلمة ديكتاتور عادل، أو مستبد عادل، متناقضة لأن الديكتاتور أو المستبد هو من يظلم بالتبعية معارضيه، أو أصحاب أي وجهة نظر تخالفه، بالقمع أو العنف أو التجاهل، وبما أنهم من الشعب فهو ظلم الشعب، وبما أنه ظلم، فإنه يظلم، فإنه بالحتمية ظالم.

أعتقد أن ما يقصده البعض بالمصطلح يجب أن يسمى تسميته الصحيحة، وهو الرجل المدير صاحب الرؤية الواضحة والملم بعيوبها ويسعى لتنفيذها بخطى ثابتة واثقة.

الدولة تكاد تشبه الشركة، وعلم الإدارة القديم ثبت فشله، وخرج علم، وضع تحت علم مليون خط، للإدارة الحديثة، يستغل الموارد البشرية أولا وأخيرا، لإدراكه أن الموارد البشرية والإبداع البشري والإيمان بالعمل هي سبيل التقدم والتطور الأهم على الإطلاق.

لهذا نحن لا نحتاج لصاحب الكاريزما أو لصاحب الأداء الأكثر حزما وغلاظة، بل نريد من يستطيع أن يدير هذا الشعب ويحوله إلى ثمانين مليون ماكينة تعمل في الاتجاه الصحيح.

أريده كي يدير، لا لكي يحكم، نحن مثل البلاد التي اعتادت على العبودية، نسمي من يديروننا بالحكام، وهذا أفادهم أكثر ما أفادنا، لكن في كل دول العالم يسمون ما نسميه نحن بالحكومة بالإدارة، فلا توجد هناك حكومة أمريكية أو بريطانية، بل إدارة، وإذا رجعت لأصول الكلمات في لغاتهم ستجدها ترجع لمنطق الإدارة والتنظيم، أما عندنا ترجع لمنطق التوحد في الرأي والسلطة المطلقة.

لكن للأسف عقول البعض هنا استسلمت لربط كلمة الإدارة بالرخاوة، ونفس العقول استسلمت للخطاب الضمني التخويفي للنظام القديم، خطاب يكرههم في الشعب، ويصوره لهم أنهم حفنة من الرعاع «اللي هيطلعوا عليكوا ياكلوكم»، لكن هؤلاء الرعاع موارد بشرية، خرج وقت الانفلات الأمني أقل من واحد في المائة منهم فقط لنهبكم، وبعضهم ضميره صحي، تاني يوم الصبح، ورجع اللي سرقه.

وقت انقطاع الكهرباء في نيويورك زاد معدل الجريمة حوالي ألف المية مع وجود أقوى جهاز شرطي في العالم، لكن في مصر عندما اختفت الشرطة شهرا كاملا تضاعف معدل الجريمة مائتين في المائة فقط.

لا تحتقرون هذا الشعب وتتمنون أن يأتي لهم جلاد آخر، لا تكن مبارك آخر، تنظر لهذا الشعب نظرة احتقارية، لا تقتل القتيل وتسير في جنازته، تحرمه من الكرامة والتعليم والصحة وتتوقع منه أن يصبح طيارا.

كل الدول العظيمة، أو التي أصبحت عظيمة، لم تنهض إلا بعد الاستثمار في الفرد، أعطته كرامته، جعلته يشعر أنها تحترمه وتحترم حقوقه مهما كبر أو صغر.

من سيفعل ذلك هو موظف، خبير في إدارة تحميس البشر، ليس خبيرا في جلدهم لتخويفهم، مقر لحقوقهم ليس من يأتي ليعطيهم مسكنات حتى لا يطالبون بها، شخص يملأ أفواههم ثم عقولهم، وفي النهاية آذانهم وأعينهم وليس العكس.

مقياس نجاحه ليس حب الناس له، بل رضا الناس من نتائجه وشتان الفرق بين الاثنين.

ليس ما أنجزه هو بل ما استطاع أن يجعل كل فرد من الشعب أن ينجزه.

ليس مقداره لقمع المعارضة بل أن يجعل كل الشعب يتعاطف معه لأنه هو صاحب المصداقية.

ليس مقدار قمعه للجريمة بل لعلاج أصولها من جهل وظلم اجتماعي واحتياج وانعدام للاختيارات الأخرى.

ليس بمنع كل ما هو حرام وعيب ومضر، لكن بالتسويق لكل ما هو حلال وأصول ومفيد.

أحتاج لدولة مؤسسات لا أشخاص، العدل يستمد من قضاء مستقل لا من عدل الحاكم نفسه، الرخاء من الناتج القومي ليس من كرمه، الصحة من مستشفيات وتأمين صحي ليس من عطفه، الدين من الجوامع والكنائس ليس من ورعه.

لذلك أحتاج لمدير يدير كل ذلك باحتراف، لا لديكتاتور عادل.

ومن ما زال مُصرا على اختيار هذا الديكتاتور العادل، ويرضاه لنفسه ولشعبه، فهو يصر أن يكون عبد ظالم

وصلات



تعليقات