أصغر فرهادي من ضيق صدر إيران إلى رحابة فرنسا

  • مقال
  • 01:09 مساءً - 23 مايو 2013
  • 1 صورة



أصغر فرهادي

مسيرته ليست بالقصيرة، استطاع خلالها أن يدفع الأخرين لاحترام اسمه وفنه إلى حد بعيد، قد يتناول في أفلامه قصص بسيطة تشعر من فرط بساطتها أنك اختبرتها من قبل، لكنه ومع ذلك ينسجها على الشاشة بشكل عميق للغاية، يربطها بظواهر وأحداث وتطورات في مجتمعه المُنغلق إلى حد ما، ليضعك، أنت، الغريب عن البيئة الإيرانية، تماماً في قلب الموقف والملابسات، يعتمد في ذلك على الأسرة مكوناً أساسياً لقصصه، وعن ذلك يقول "ليس هُناك تجربة كونية أكثر من العائلة"، ويبدو مُقتنعاً تماماً من أن الغوص في الإنسانيات يُقربه أكثر من جمهوره "أحتاج أن أشعر أنني قريب من الجمهور".

هذا العام اختار المُخرج الإيراني أصغر فرهادي أن يهرب من إيران ضيقة الأفق التي أصبحت التيارات المحافظة الرجعية فيها ذات سطوة كبيرة، كما أشار هو نفسه إلى ذلك بشكل غير مُباشر في فيلمه الأخير انفصال نادر وسيمين، اختار أن يهرب إلى رحابة صدر فرنسا، التي أظهرت حميمية وترحاب كبير من جانبها بالمُخرج صاحب الـ 41 عاماً، وذلك بعدما اُختير فيلمه الجديد The Past أو " Le passé" للمشاركة بالدورة الـ66 من مهرجان كان السينمائي الدولي، ومنها يتنافس فرهادي مع مُخرجين أمثال رومان بولانسكي، ألكسندر باين، الأخوين كوين، نيكولاس ويندينج ريفن و جيم جارموش املاً في الوصول إلى السعفة الذهبية.

فرهادي الذي تناول في فيلمه الأخير حكاية طلاق عادية تحدث في مئات البيوت، لن تنتظر منه في فيلمه الجديد أن يتحول عن بساطة قصصه التي يسردها بأريحية شديدة على الشاشة، بل أنه يصر على ما يبدو على مواصلة ما بدأه، حيث التركيز على قضية الطلاق وتأثير ذلك على الأبناء، فيحكي في فيلمه المُنافس على السعفة الذهبية عن الزوج اﻹيراني الذي يُقرر العودة إلى فرنسا بعد غياب أربعة أعوام من أجل إنهاء إجراءات الطلاق من زوجته الفرنسية، التي ترغب في الزواج من أخر، يتتبع فرهادي في فيلمه الشخصيات الثلاثة، والتعقيدات والمشاعر التي تمر بها كل شخصية، كما يعطي لمشاعر اﻷبناء في فيلمه مساحة واسعة، تماماً كما فعل في فيلمه اﻷخير.

تبدو حكاية الفيلم عادية للغاية، لا تختلف كثيراً في بساطتها عن حكاية إيلي التي تختفي بشكل مُفاجيء بعدما كانت تقضي إحدى العُطلات برفقة الأصدقاء على البحر، أو تلك الحكاية التي نراها من خلال عيون خادمة شابة عن خيانة زوج لزوجته والتوترات التي تجد الزوجة نفسها فيها، أو تلك المُتعلقة بانفصال نادر وسمين، ربما يواجه فرهادي مُشكلة وحيدة كتلك التي واجهت المُخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي والذي رأي البعض أن أفلامه التي قدمها خارج بيئته الإيرانية كانت أقل بكثير من تلك التي قدمها في إيران، لكن تصريحات فرهادي نفسه في المؤتمر الصحفي الذي أُقيم على هامش فعاليات المهرجان لمناقشة فيلمه تجعله يبدو واثقاً أكثر من قدرته على التكيف وعدم الوقوع في الفخ الذي سبقه إليه كياروستامي، "يمكنني أن أعمل في جميع أنحاء العالم، لكنني سأظل صانع أفلام إيراني"، ويؤكد ذلك اقتناع فرهادي بأنه من الصعب أن يحمل أي فيلم جنسية لبلد ما "الأهم هو إيجاد روابط بين المشاهد والفيلم".

وعلى الرغم من غزارة الإنتاج السينمائي والدرامي في إيران إلا أنه دائماً ما توجد قيود تحد من قدرة المُخرجين الإيرانيين، بالأخص في ظل نظام يحكم بمرجعية دينية، وهو ما يدفع الكثير من المُخرجين للفرار من هذا المناخ الخانق، فرهادي نفسه تعرض لنقد وهجوم كبيران العام قبل الماضي بسبب فيلمه انفصال نادر وسمين، حيث رأت الحكومة الإيرانية إينذاك أن الفيلم يُظهر الدولة بمظهر غير لائق، كما أبدت أجهزة الدولة وقتها استغرابها من تلك الحفاوة التي قُوبل بها الفيلم، وهو موقف غريب بعض الشيء عندما تعلم أن الفيلم كان قد حصد لتوه جائزة الدُب الذهبي من مهرجان برلين وفي طريقه لحصد جائزة الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية.

فرهادي لم يتعرض وحده لمضايقات النظام الحاكم في إيران، فقد تابعنا جميعاً الأزمة الأخيرة للمُخرج جعفر بناهي، والذي اضطر لصناعة فيلمه الأخير بُرده في مساحة لا تتعدى أمتار قليلة، ورغم التوسلات التي أرسلتها إدارة مهرجان برلين إلى الحكومة الإيرانية للسماح لجعفر بحضور فعاليات المهرجان وحضور العرض الخاص لفيلمه الذي نافس على جائزة الدُب الذهبي، إلا أن ذلك قوبل برفض عنيف وسط إصرار الحكومة الإيرانية على فرض الإقامة الجبرية على المُخرج الكبير، وعلى الرغم من هذه القيود التي يؤكد فرهادي أنه مع خروجه من إيران يتخفف منها بالفعل، إلا أنه يعمل مع ذلك بالنظر إلى مرجعياته الخاصة، فهو يرى أن الرقابة الذاتية التي يفرضها على نفسه أهم وأخطر من تلك التي تفرضها عليه المؤسسات.

في النهاية يبدو فرهادي قريباً جداً من تحقيق إنجاز جديد بفيلمه The Past، خاصةً مع إشادة كبيرة من النُقاد بالفيلم، وحس فرهادي الممُيز في تشريح الشخصيات وكشف الأفكار الكثيرة والمتشابكة بداخلهم، اتخيل أن فرهادي سيُقدم لنا في فيلمه الجديد تجربة ممُتعة كاملة، ذلك أن نضوج فرهادي في استخدام أداوته يبدو واضح حتى في المُقدمة اﻹعلانية للفيلم.

شاهد إعلان The Past:

[http://www.youtube.com/watch?v=Z2-\_lt4kwXE]



تعليقات