مازال التغيير حلماً في "هذا العالم"

  • مقال
  • 04:24 مساءً - 29 نوفمبر 2013
  • 1 صورة



أفيش فيلم Die Welt

في ثاني أيام النسخة السادسة من بانوراما الفيلم الأوروبي, تم عرض فيلم " Die Welt" أو "هذا العالم"، من تأليف وإخراج الهولندي أليكس بتيسترا في تجربته الأولي. أليكس ولد لأم هولندية وأب تونسي هجر عائلته وأليكس مازال في الرابعة، فاتجه أليكس مع والدته إلي هولندا حيث تربي هناك، ولكنه عاد عام 2005 إلي تونس ليقابل أباه ويعيش معه فترة، ربما كانت هي السبب في أن يخرج أليكس فيلماُ بهذا الصدق عن الحياة في تونس الآن.

الفيلم يقدم رؤية واقعية إلي حد يقترب من أسلوب الأفلام التسجيلية لتونس ما بعد ثورة الياسمين. عبدالله شاب عشريناتي يعمل بائعاً في محل لتأجير الأفلام، ونراه في افتتاحية الفيلم، يحدث أحد زبائنه عن الدعاية التي تحاول الولايات المتحدة أن تبثها عبر أفلام هوليوود الضخمة، ويحاول أن يثنيه عن أن يستأجر فيلم Transformers 2 وأن يقنعه بأن يأخذ Syriana أو Towelhead بدلاً منه. ولعل نبرة حديث عبد الله في المشهد الافتتاحي هي النبرة السائدة الآن وسط شباب الوطن العربي، حيث تشعر أنه بداخله يظن أنه قد تفكر بعمق في القضايا السياسية والفلسفية و لديه من الحكمة والرؤية الشاملة ما يمكن أن يغير طريقة تفكيرك.

عبدالله، بطل الفيلم، نموذج دقيق للغاية للشاب التونسي (وربما المصري أو العربي بشكل عام) القادم من عائلة تكافح من أجل التشبث بمكانها في الطبقة المتوسطة: الوالد المكافح الذي لا يظهر في بيته كثيراً، والابنة المدللة التي دائماً ما تتطلع لشراء رفاهيات هي تعرف أن عائلتها غير قادرة مادياً علي توفيرها، والمنزل المتوسط المستوي الذي يحاول في تفاصيله محاكاة أسلوب حياة بعيد المنال.

وينقسم فيلم Die Welt إلي أجزاء معنونة يستعرض فيها المخرج بشفافية توثيقية شكل الحياة التونسية ما بعد الثورة، بأكثر الأساليب صدقاً وأبعدها عن التصنع أو الإستشراق. فصناع الأفلام من الغرب مهما كانت مكانتهم لا يستهوي أعينهم في الشرق الأوسط سوي الصحراء والجمال والراقصات وكم كبير من التفاصيل التي يحيكونها بسذاجة شديدة، وإن كانت هناك استثناءات عظيمة تتوارد إلي الذهن أثناء مشاهدة Die Welt، (شاهد: "معركة الجزائر" للمخرج جيليو بيونتيكورفو).

الفيلم من خلال أجزاءه يأخذك في جولة تري فيها شكل الحياة الحديثة في تونس، ولكنك لا يمكن أن تتجاوز التشابه الكبير بينها وبين الحياة في مصر الآن. في جزء "الإمبيريالية" نري رحلة للأسرة الصغيرة داخل أحد المولات الكبيرة، وتجولهم اليائس بين العلامات التجارية باهظة الثمن، ونري عبدالله مع أصدقاءه يتبادلون الحديث عن التطلعات الاجتماعية والأحلام الشبه مستحيلة في مجتمع فقير رغم موارده البشرية الضخمة. ولعل أكثر ما يميز شخصيات أليكس بتيسترا هو الواقعية الشديدة في الحوار، والأداء العفوي الذي احتوي علي الكثير من الأجزاء المرتجلة التي اقتنصها المخرج ووضعها كما هي في لقطات طويلة ممتعة. الجزء الثاني بعنوان "كازانوفاز" يعرض ظاهرة مرافقة الشباب للسيدات من الجنسيات الأوروبية المختلفة، والذي يزيد لديهم أحلام اليقظة بالسفر إلي الخارج وتحقيق الحياة المرفهة، فنري عبد الله في مشهد تخيلي يحلم ببيت كبير ذو طوابق متعددة وهو عائداً من عمله بملابس رسمية يقبل زوجته الهولندية التي تنتظره وهي تطهو طغام الغداء. وفي جزء "الثورة"، نري رتابة الحياة السياسية في تونس وقد خيم علي حراكها السياسي مناخ من التواطؤ والتآمر علي أحلام الشعب بالتغيير، فالشعب محبط وحزين رغم وقوفه في طوابير صناديق الاقتراع، وعبدالله يرد بسخرية علي أخته حين تزعم أن تونس قد تغيرت.

ويختم بتيسترا فيلمه بتتابع "هذا العالم"، الذي يفيق فيه عبدالله من حلمه ليري أباه وهو يقول له أن لا شيء قد تغير في تونس بعد الثورة، ويحتوي الجزء الأخير علي موقف يمكن أن يكون مكرراً بالنسبة للمشاهد العربي، ولكنه مع ذلك لا يخلو من الواقعية الشاعرية التي حافظ عليها الفيلم طوال الثمانين دقيقة: الهجرة الغير شرعية إلي سواحل إيطاليا.

رغم أن مخرج فيلم Die Welt قضي معظم حياته خارج تونس، لكنه لم يتخلص من جذوره العربية، ونجح في تقديم رؤية شاملة وعميقة للمعضلة الأساسية التي صدمت شعب تونس وبقية شعوب المنطقة بعد الربيع العربي: أن لا شيء قد تغير بشكل جذري أو ملموس، وأنه من الغباء أن نتعجل تحقيق أحلامنا بحياة كريمة وسوية في ظل تواطؤ جميع من وكلوا لهم الشعوب هذه المهمة.



تعليقات