Le passé.. أصغر فرهدي يقلّد أصغر فرهدي

  • مقال
  • 06:42 مساءً - 28 مارس 2014
  • 1 صورة



البوستر الرسمي لفيلم Le passé

بدأت مباردة "زاوية" منذ قرابة الأسبوع في عرض الفيلم الفرنسي Le passé أو الماضي، للمخرج الإيراني أصغر فرهدي، الذي حصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي منذ عامين عن فيلمه A Separation.

شاهدت الفيلم مرتين، الأولى منذ عدة أشهر عندما أصبح متاحاً على الإنترنت، والثانية سينمائياً عند عرضه في «زاوية»، وفي المرتين كان لدي هذا الشعور بأن هذا ليس فيلماً لأصغر فرهدي، بقدر ما هو لمخرجٍ يحاكيه، حتى لو كان هذا المخرج هو نفسه!

في كافة أفلام «فرهدي» التي أخرجها في إيران، وبالتحديد رائعتيه الأخيرتين About Elle من إنتاج عام 2009، ثم A Separation عام 2011، دائماً ما كان ينشغل بـ"نسبية الحقيقة"، والصورة التي قد تختلف بحسب الموقع الذي تنظر إليه منها، وحقق بذلك إنجازيه السينمائيين الكبريين.

في فيلمه الجديد، والأول له في فرنسا، يستفيد «فرهدي» من المكان المختلف، ويحكي قصة لم يكن من المتاح أن يحكيها في موطنه، عن رجل إيراني يعود لزوجته الفرنسية بعد سنوات من الهجر، ليكتشف أنها على علاقة برجل عربي، وتبدأ المشكلة حين تحكي ابنته أنها تظن أن أمها هي السبب في دخول زوجة حبيبها العربي في غيبوبة قد تودي بحياتها، وأنها تشعر بالكراهية والذنب بسبب ذلك.

في الفيلمين السابقين لـ«فرهدي» كان كل شيء يجري تماماً أمام المشاهد، الذي يشعر بالتورط لأن مقدار معلوماته هو نفس معلومات الأبطال أمامه، نحن لا نعرف الحقيقة، وتجري عملية البحث عنها أمامنا، لا نعرف مصير «إيلي» التي ضاعت على الشاطئ، ولا نعرف السبب في الإجهاض والمذنب الحقيقي في «انفصال»، تعتمل الأمور أمامنا، مشهد تلو الآخر، بقدر عظيم من التماس والمعايشة مع الشخصيات ومع الحدث، هذا أمر افتقده «فرهدي» تماماً في Le passé.

الحدث الحقيقي هنا لا يبدأ في التكشف إلا بعد قرابة نصف مدة العرض، نبدأ في إدراك أن الحكاية ليست عن الزوج العائد، أو عن توتر علاقته بطلقيته وزوجها الجديد، بقدر ما هو عن الزوجة في المستشفى، والحقيقة في تدهور حالتها، كنت أتساءل منذ المشاهدة الأولى عن السبب الذي جعل «فرهدي» يبدأ سرد الحكاية من النقطة التي بدأها منها، ولماذا استغرق الكثير من الوقت في خيوط جانبية قبل أن يبدأ في النصف الثاني ملامسة الجزء الحقيقي من العمل.

المشكلة الأخرى أن الشخصيات في الفيلم ليست عميقة أصلاً بما يكفي، ربما كان سبباً من أسباب عظمة الفيلمين السابقين لـ«فرهدي» هو قدرته على النبش في نفوس شخصياته، الرئيسية والمساعدة، أثناء مواجهتها لموقفٍ حاسم وكبير، في تلك المرة لا يبدو أن هناك المزيد يمكن أن نعرفه عن شخصيات العمل، أو شيء مُختلف يغيره الشك في نفوسهم، الأمور تسير من على السطح تماماً.

لاحقاً، تأتي أحد أكبر مشاكل العمل بالنسبة لي، وهي في شخصية «نعيمة»، التي تظهر لأول مرة على الشاشة بعد أكثر من ساعة وثلث من زمن الفيلم، وتختفي من جديد، قبل أن تظهر مرة أخرى لتحمل «الحل» أو الكشف، أمر كان محبطاً جداً من رجل كتب سيناريوهات مثل «عن إيلي» و«انفصال»، أن يأتي الكشف من خارج حدود الشخصيات بتلك الصورة، وقتها أدركت تحديداً كم أن هذا الفيلم فيه محاكاة لما ميز «فرهدي»، دون أن يكون فيلماً نابعاً منه.

ورغم ذلك فإن هذا فيلماً جيداً، ليس عظيماً بقدر سابقيه، ولكنه ممتعاً وفنياً أثناء مشاهدته، وفي حال لم تكن قد شاهدت الفيلمين السابقين وامتلكت "تصورات" عن واحد من أهم المواهب السينمائية التي ظهرت في السنوات الأخيرة فإن Le passé قد يعجبك دون تحفظات، خصوصاً مع أداءات كبيرة من برنسيه بيجو -التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي عام 2013-، علي مصفا و طاهر رحيم، وكذلك كافة الأطفال الذين يؤدون أدواراً مهمة هنا، فربما كان الشيء الوحيد الذي احتفظ «فرهدي» بجذوته مشتعلة هو قدرته الفذة على إدارة الممثلين، حيث يكون الأبطال طوال الوقت رابطاً أساسياً بيننا وبين ما يجري، ويرفعوا من وتيرة الحدث كثيراً في كل الأوقات التي عانى فيها السيناريو من ترنح.



تعليقات