Kebab and Horoscope: كلنا بائعون... كلنا خاسرون

  • مقال
  • 09:56 مساءً - 25 نوفمبر 2014
  • 1 صورة



مشهد من فيلم Kebab and Horoscope

لا يزال قسم المخرجون الجدد في بانوراما الفيلم اﻷوروبي يجود بالمزيد من التجارب السينمائية الجديدة، حيث عُرض أول أفلام المخرج البولندي جرزيجورز جاروسزوك ( Kebab and Horoscope) والذي ترشح ﻹحدى الجوائز الكبرى في مهرجان كارلو فيفاري السينمائي الدولي، كما نال جائزة لجنة التحكيم من مهرجان رايندانس السينمائي الدولي.

تتحرك أجواء وعلاقات الفيلم في قالب عبثي تمامًا، لكن دون أن يشذ عن عالم الواقع المعتاد، وإنما بدلًا من ذلك يفتش عن التجليات المختلفة للامعقول في علاقاتنا الإنسانية سواء في علاقات العمل أو الصداقة أو العلاقات العائلية أو حتى علاقات الحب، ويناور من جديد حول اﻷسباب التي تدفعنا من اﻷصل لكي يكون أحدنا في أمس الحاجة للآخرين إلى هذه الدرجة.

ولكي تصلك الفكرة، إليك الخط الرئيسي للفيلم: رجل لا نعرف اسمه ترك عمله كمحرر في قسم اﻷبراج في مجلة تدعى (العالم السري للحيوانات)، يقابل رجلًا آخر لا نعرف اسمه كان يعمل هو اﻵخر في إحدى مطاعم الكباب، والذي ترك عمله في المطعم بناء على النصيحة التي ذكرها الرجل الأول في صفحة اﻷبراج، فيقرر كلاهما التعاون والعمل كاختصاصيان في مجال التسويق بالرغم من عدم امتلاكهما ﻷي خبرة مسبقة في ذلك، ويعملا مع مجموعة من الموظفين في إحدى محال السجاد الذي تزداد خسائره يومًا بعد يوم، لكن مدير المحل يرى في هذان الرجلان اللذان أتيًا إليه السبيل الوحيد لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يبني الفيلم جزء ضخم من حكايته على غرائبية العلاقات المتشكلة بين كافة الشخصيات، والتي قد تُحير وتثير العجب لدى المشاهد في ماهية اﻷسباب التي يمكن أن تجمع كل هؤلاء معًا، وفي الكيفية التي تسير علاقاتهم وتصرفاتهم معًا على هذا النحو، مثل علاقة الفتاة البائعة في المحل ( جوستينا وسيلوسكا) بوالدتها والتي تعلن أمامها صراحة أنها كانت تتمنى لو كانت لم تنجبها، أو علاقة والدتها الملتبسة بحبيبها القديم.

ربما يكمن جزء من اﻹجابة على هذا السؤال في محاولة إضفاء أي قيمة ولو بسيطة على أشياء ليست بذات قيمة ولم يعد لها قيمة أصلًا في حياة أبطال الفيلم، بل ويمكن أن تنهار تمامًا من خلال أي عامل صغير قد يدخل على هذه اﻷشياء ذات البناء المتهاوي والهش من اﻷساس، وكأن المسألة لا تعدو مجرد منح نفحة أخيرة من الروح لها، قد تجدي بفارق بسيط وقد لا تغير من اﻷمر شيئًا على ما هو عليه بالفعل.

من الواضح أن الموظفين في محل السجاد لا يحبون عملهم، ولا يرون أي جدوى منه على اﻹطلاق ولا يضيرهم أي حدث جلل يحدث للعمل، لكن في الوقت ذاته نتلمس مدى خواء حياتهم وهشاشة علاقاتهم الإنسانية، وعلى الرغم من علمهم بكل ذلك، إلا أنهم يقررون العمل وفق خطة رجلي الكباب واﻷبراج ( بارتلوميج توبا و بيتور زوراوسكي) لعل قد يفلح ذلك - ولو بالنذر اليسير - في أن يكون لعملهم هذا أي معني.

من جهة أخرى، يسخر الفيلم من كل المصادر التي تمنح أمل زائف للبشر، والتي يتضح مدى زيفها في كل مرة توضع فيها هذه اﻷفكار موضع الاختبار، فلا الانترنت - مثلًا - نجح في إعطاء بديل فعال للحياة الاجتماعية الفارغة لموظفة (الكاشير)، ولا تفلح كذلك الطرق التي يسوقها رجلي الكباب واﻷبراج من أجل تحسين عمل محل السجاد، ﻷن كل اﻷفكار التي يعتمد عليها كلاهما تجد أصدائها في كتب التنمية الذاتية التي لا تمنح لقرائها سوى أفكار نظرية تافهة لا وزن لها على أرض الواقع.

يعظم المخرج كل هذه الأحاسيس بالفراغ واللاجدوى باللجوء إلى تعبيرات وجوه أبطاله في المواقف الكوميدية، مع استخدام بسيط للحوار دون أن يكون مختزلًا أكثر من اللازم، كما يلجأ للكثير من اللقطات الواسعة التي يضع فيها أبطال فيلمه في مجابهة بصرية دائمة مع العالم الفارغ من حولهم، كاشفًا عن مدى ضالتهم هم أنفسهم كبشر في هذا الوجود العبثي الفاقد للقيمة.



تعليقات