The Master... سيادة بدون استحقاق

  • نقد
  • 12:48 صباحًا - 4 مايو 2016
  • 1 صورة



عن معضلة الله والإنسان التي يحاول الجميع فك شفراتها منذ بداية الوعي البشري وحتى الآن، "هل الله موجود؟"، هل في وجوده نستكشف وجودنا وبدونه نصبح العدم؟ هل نحن فعلًا مرآة له؟

يتحدث بول توماس أندرسون في أفلامه عن قضايا متنوعة فلا يناقش القضيّة مرتين ولا يصنع نفس النوع مرتين، فيتحدث عن فساد الإنسان تارة وعن وحدته تارة أخرى، أما في فيلم "السيّد- The Master" فالحديث هو عن قضية الإيمان وأن بعض الأشخاص ببساطة وُلدوا متمردين لا يخضعون لأي سيادة.

فيلم (السيد) هو حالة متطرفة من هذه القضيّة، فهي قصة سيّد لطيف فيليب سيمور هوفمان، وبلطيف أعني حقًا لطيف فهو يحتضن عائلته ورعيّته، يدللهم، يوهمهم أن بسببه تماثلوا للشفاء، من أمراض كان قد أوهمهم أنهم يعانون منها، كلهم يحبونه، وفي محيطه الصغير هو السيد، الآمر والناهي الوحيد، ذو الكلمة العليا، لكن هل هم حقًا مرضى يشفيهم، أم معافون يُمرضهم؟

اﻹله غير موجود

هذه الحقيقة لا يخبرك إياها الفيلم، إلا أنك تجدها بين السطور، لا يخبرك الفيلم صراحةً أن لا وجود لفكرة السيادة، وإن كلام السيّد ما هو إلا تطويره لطريقة سير أدمغة البشر، واستغلاله لميل البشر للميتافيزيقا وسهولة التلاعب بعقولهم، بل ترى ذلك في تفاصيل صغيرة داخل الفيلم، نجده في تعليق معجبة على كتابه الثاني وثورته غير المبررة تجاهها، نجده في إدعاء "فريدي" لمشيه في أنحاء الغرفة مرارًا وتكرارًا واهمًا ذلك "الإله" أن النافذة والحائط هما أكثر من مجرد نافذة وحائط، نجده في رفض ابن السيّد نفسه لأفعال السيد قائلًا إنه يخترع الأمر برمته وكأنه يُنكر من قبل ذويه، كل هذا يدفعك للاعتقاد بل اليقين بأن هذا السيّد ليس إلا كاذب، هو غير قادر على إقناع حتى أقرب الناس له بسيادته، ألوهيته مزيفة، لأن الإله لا يُخدع أبدًا، لا يُخفق أبدًا، لا يُنكر أبدًا وإلا سقطت ألوهيته.

الإيمان في حد ذاته إله

حقيقة وجود سيّد من عدمه لا تؤثر على أتباع السيّد في شيء، فالإيمان شيء قائم بذاته في وجدانهم، لا يتأثر بمنطق ولا بإثباتات، وبالرغم من عدم موضوعية هذا السيد في الرد على الأسئلة -فنجده يصرخ في ذلك الرجل في الحفل الذي حاول النقاش بمنطق-، إلا أن ذلك لا يؤثر على الجالسين في شيء، هم مؤمنون به وبسيادته، حتى إن لم يجدوا ذرة منطق تعضّد ذلك، لا يستطع السيّد نفسه إثبات سيادته، فنجده يصرخ ويسب كلما ناقشه أحد، يصرخ في الرجل في الحفل، في المعجبة في حفل إصدار كتابه الثاني، إلحاد فريدي نفسه به عند أول منعطف ضيّق، لا يكترث هو بالأمر ولا يكترثوا هم، هو لا يريد أن يثبت حقه لأحد، في الواقع هو لا يعرف كيف يثبت حقه لأنه على غير حق، وهو يعلم تمامًا أن إيمانهم به غير مبني على المنطق ولكنه مبني على مبدأ الإيمان نفسه، الإيمان لمجرد الإيمان، فبالنسبة لهم الإيمان به شيء يرقى عن هذه الترهات، الإيمان هو شيء ضد المنطق على أي حال، هو يعلم ذلك لذلك يرفض أي حوار منطقي وهم يعلمون ذلك فلا يفتحوا أي حوار منطقي حول الأمر، حتى بعد رؤيتهم له يفقد سيادته في لمح البصر ويُقتاد للمحاكمة، لا يؤثر ذلك على إيمانهم في شيء، الإيمان ثابت حتى إذا وقف العالم كله ضد ما أؤمن.

آدم من نوع آخر

تجري الأمور هكذا إلى حين دخول فريدي (واكين فينيكس حياته، وفريدي هو ذلك الإنسان المتمرد، آدم الأول الذي خرج عن طوع الإله وأكل من الشجرة، ولكن ليس استجابة لإغواء حواء، ولا غلطة عفويّة منه.. آدم هذا، لا يريد أصلًا الخضوع للسيد، خطأ مع سبق الإصرار، فهو سيد نفسه، يمارس الجنس متى شاء، يرفضه متى يشاء، يطلبه في أي وقت، تحكمه أهواءه فقط، ولهذا السبب يمثل تهديد للسيّد، فوجود مخلوق متمرد يلغي وجود الله من الأساس، فالتمرد يعني كشف الحقيقة وكشفها هو سقوط الألوهية، إعلان عدم وجود سيّد في الدنيا.. كلنا سواسية.

فريدي ليس ملحدًا بطبيعته، بل هو مستعد لأن يؤمن، فقط يريد الحقيقة، لا يعتنق الإيمان كدين كالجميع، مرة أخرى، يريد الحقيقة، إذا وجدها آمن، ولكن الحقيقة شرط أساسي ليؤمن، على عكس الجميع الذين لا تعنيهم الحقيقة في شيء. يحاول السيّد مرّات عديدة أن يطوّعه له فيفشل دائمًا، أحيانًا يظن أنه نجح –فيدافع عنه فريدي في الحفل وفي حفل إصدار كتابه الثاني- ولكن ما لا يعلمه هذا السيّد أن ذلك الدفاع ليس بدافع الإيمان ولكن بدافع الحب، وهذا الحب هو ما سيجرف فريدي عائدًا للسيد في نهاية الفيلم، ليس الإيمان بل الحب، التعلق والألفة هما ما يربطا فريدي بالسيّد، فريدي يحب السيّد ولكنه لا يريده سيّد، هو يحب لانكستر دود لا السيّد، لأن فريدي سيّد نفسه، هو إله نفسه، يأبى أن يرضخ، والسيّد بدوره يحب فريدي أيضًا ولكنه حب امتلاك، لأنه سيّد وتعود أن يكون سيّدًا لا يقبل بأسياد غيره.

"إذهب يا فريدي وحاول العيش دون أن تكون خادمًا لسيّد، فلنرى إذا كنت ستنجح في أن تصبح أول شخص يعيش بدون سيادة".

يقولها السيّد لفريدي في المشهد الأخير، هو غير قادر على قبول حقيقة أن في العالم أسياد أخرى، آلهة أخرى، أنه غير مميز في شيء، أن فريدي حقًا غير مملوك لأي شخص آخر، سوى نفسه.

يرحل فريدي ببساطة، بدون سابق إنذار حتى، يرحل لحبه القديم، حياته القديمة كأن شيئًا لم يكن، كأن فترة وجوده في حضرة السيّد لا تمثل بالنسبة له أي شيء سوى مرحلة، يخبر والدة حبيبته أنه كان يتجول، كما لو أن محطة وجوده في منزل السيّد ليست سوى فترة تجوال سبقت الرحيل، هو متمرد بهذا القدر، يكون بمثابة ابن مخلص للسيّد في يوم وفي اليوم التالي يرحل ولا يذكر عن هذه الحقبة سوى أنها مجرد ترحال، آدم من نوع آخر، آدم غير النادم، غير المنتظر لإغواء حواء ليخطئ، غير المتألم لمغادرته الجنة، فهو قادر على صنع جنة أخرى، قادر وسيفعل.

لا يمكننا العيش بدون سيّد

هذه الحقيقة، لا يستطع البشر العيش بدون سيّد، سواء اعترفنا أو لم نعترف فكلنا يعبد شيئًا ما، حتى الملحدون منّا مُستعبدون لشيء ما، الشيء الذي لا يعيب البشر إطلاقًا إلا أن في الحياة استثناءات، لا يقبلوا إلا أن يكونوا أسياد، كما قلت في البداية، البعض خُلق متمرّد.

في نهاية الفيلم يُخيّر فريدي بين البقاء والرحيل، ولكن البقاء يعني خلعه لرداء التمرّد، وتنازله بإرادته عن سيادته لنفسه، فكما قالت له زوجة لانكستر: "هو شيء إما تفعله طوال حياتك أو لا تفعله على الإطلاق".

ولأن فريدي متمرد في الأساس لا يستطيع منحها هذا الوعد، هو يريد البقاء لأنه يحب السيّد ولكنه غير مستعد للإيمان به، غير مستعد للتخلي عن سيادته لنفسه، خصوصًا أنه في النهاية علم أن الرءوس متساوية وأنه وهذا "السيّد" كانا في نفس كتيبة الجيش، يعملان على نفس المهمة، محققان نفس النتائج المبهرة، هو مدرك منذ البداية أنه يصلح كسيّد ولكن هنا يثبت له الماضي أن الرءوس حقًا متساوية وأن الحب والخضوع هما شيئان مختلفان تمامًا فيقرر فريدي الرحيل، إلى الأبد، غير مكترث بتهديدات السيّد أنه في الحياة الأخرى سوف لن يرحمه، هو على الأرجح غير مؤمن بوجود حيوات أخري، يرحل لأنه سيّد نفسه، لأن البعض خُلقوا أسيادًا.

بنهاية الفيلم لن تسقط ألوهية السيّد وسيبقى له محبين وأتباع بل وسيزدادون، لكنهم أتباع لا يعلم هو إن كانوا يحبونه أم فقط يحبون إيمانهم، يعبدونه أم يعبدون راحتهم الممثلة في شخصه، هو يعلم تمام العلم أن أحدًا لن يحبه كما أحبه فريدي، ولكن سيادته مهددة بوجوده، يرحل فريدي ليؤسس مملكته الخاصة، أما لانكستر.. السيّد، يظل في حيرته بين الحب والسيادة، بين السيطرة والإنسانية، فأيهما سيختار؟ هو لا يعلم، ونحن لا نعلم، في الحقيقة.. لا أحد يعلم.

وصلات



تعليقات