The Salesman لحظة غواية قد تدمر حياتك

  • نقد
  • 01:37 مساءً - 26 مارس 2017
  • 1 صورة



The Salesman

فيلم The Salesman هو فيلم إيراني من كتابة وإخراج أحد أهم صناع السينما في العالم حاليًا أصغر فرهادي، وبطولة شهاب حسيني وتيرانيه عليدوستي، في تعاونهما الثاني مع "فرهادي" بعد فيلم "About Elly.

يعتمد "فرهادي" في بنائه الدرامي في أفلامه السابقة على الشكل التقليدي، حيث أنه يمكننا تقسيم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء; أولًا التمهيد ثم الصراع وأخيرًا الحل.

هذا الفيلم لا يختلف عن هذا الشكل كثيرًا، فيقدم "فرهادي" شخصياته ويرسم حدود عالمه في الثلث الأول من الفيلم، ثم يأتي الحدث المفجر للصراع الذي تظهر فيه براعة "فرهادي" في جذب المشاهد إلى عالمه، ما يجعل المشاهد في أقصى درجات الترقب للأحداث في الثلث الثاني، ثم يجمع الخطوط جميعها، معلنًا بداية الفصل الثالث ونهاية القصة.

التمهيد

عكس الثلاثة أفلام السابقة، كان التمهيد بطيئًا إلى حدٍ ما، ويبدو خاليًا من الأحداث، فقط نتعرف فيه على الشخصية الرئيسة "عماد"، المُعلم الذي يعيش حياة هادئة مع زوجته "رنا"، قبل أن يضطران لتغيير منزلهما الذي على وشك الانهيار، وينتقلان إلى منزل جديد كانت تسكنه امرأه غامضة. لعل أهم حدثين في هذا الفصل هما المسرحية التي يقوم "عماد" ببطولتها بمشاركة زوجته، وهي مسرحية "موت البائع الجائل" لـ آرثر ميلر، والتي كان لها تأثيرات غير مباشرة كثيرة على الأحداث، والتي يمكن ببساطة ربط المشاهد التي يؤديها الأبطال على المسرح مع ما يحدث في حياتهما، وتلك المرأة الغامضة التي كانت تسكن المنزل قبلهما، والتي لها التأثير الأكبر على الأحداث رغم عدم ظهورها، والتي نتعرف على طبيعة عملها شيئًا فشيء من خلال حديث الجيران عنها.

الصراع

تبدأ الأحداث الرئيسة للفيلم، وتشابك العلاقات في الظهور على السطح مع الحادثة التي تقع للزوجة، في هذا المشهد يمارس "فرهادي" هوايته المفضلة في جعل المشاهد متورطًا تمامًا في الأحداث من خلال قطعه على فتح باب المنزل قبل الحادثة فيجعلنا كمشاهدين نجهل ما حدث ونتشوق لمعرفة الحقيقة مع "عماد"، نتتبع الأدلة ونبني استنتاجات، وكالعادة يفعل "فرهادي" ذلك ببراعة حيث يرفع درجة التوتر إلى أقصاها ويكشف الحقائق الواحدة تلو الأخرى من خلال شهادات متناثرة للزوجة التي تخفي شيئًا ما وترفض تدخل الشرطة، والجيران، يملك كل منهم جزء صغير من الحقيقة، وترتفع درجة الشك في كل الشخصيات المحيطين بالجريمة كالساكنة السابقة الراغبة في الانتقام، والصديق الذي أخفى عنهم حقيقتها في البداية، ويرتبط معها بعلاقة غير مفهومة، وحتى الجار الذي يحثهم بشدة على عدم إدخال الشرطة في الأمر.

بعيدًا عن القصة الرئيسة يتعمق "فرهادي" بشدة في نفسيات أبطاله، فنلاحظ التوتر المكتوم بين "رنا" الخائفة دائمًا و"عماد"، الذي يعجز عن طمأنة زوجته ويرغب في معرفة الجاني.

كذلك يستخدم "فرهادي" ببراعة أحداث مسرحية "ميلر"، ويسقطها على يحدث بحياة الأبطال مثل بكاء "رنا" المفاجئ أثناء العرض، الذي يبين مدى تأثير الحادثة عليها وخوفها من مجرد نظرة أحد المشاهدين، ومواجهة "عماد" لـ"بوباك" الذي خدعه ولم يخبره حقيقة المنزل وتسببه بشكل غير مباشر فيما حدث له ولزوجته.

يستمر "فرهادي" طوال أحداث هذا الفصل في السير على هذين الخطين المتوازيين، فك غموض الجريمة، وتأثيرها على حياة الزوجين، حتى يصل "عماد" إلى الجاني وتبدأ أحداث الفصل الأخير.

الحل

يصل هنا "فرهادي" بقطار قصته إلى المحطة الأخيرة، ومشهد المواجهة بين "عماد" والجاني، كالعادة لا يكشف الحقيقة مباشرةً بل يقدمها شيئًا فشيء حتى تتجلى تمامًا، ويضعنا في صراع مع أنفسنا، نحن الآن نعرف الجاني ونعرف دوافعه ونعرف أنه لم يكن يريد إيذاء أي شخص، بل كانت "لحظة غواية". يضعنا "فرهادي" في مواجهة مع أنفسنا من خلال مواجهة "عماد" مع نفسه، هل نملك في داخلنا القدرة على المسامحة والغفران؟ في أحد مشاهد البداية قال "عماد" لأحد تلاميذه متحدثًا عن سيدة رفضت الجلوس بجواره "بالتاكيد شيء حدث لها سابقًا، جعلها تخشى الجلوس بجانب أي شخص"، وكانت نبرته منتقده للسيدة، الآن هو في موقفها، هل يغفر للرجل العجوز خطأ ارتكبه في لحظة ضعف؟ أم يدمر حياة زوجية امتدت لخمسة وثلاثين عامًا؟ ولماذا سيفعل ذلك؟ تدمير حياة الرجل لن يعيد الطمأنينة لزوجته ولن يعيد حياته كما كانت، هل يستسلم لرغبته في الانتقام؟ وفي هذه الحالة ماذا سيكون الفرق بينه وبين العجوز؟ كل منهما استسلم للحظة غواية.

لم يكن غريبًا أن تكون المواجهة الأخيرة في المنزل القديم الآيل للسقوط، ففي تلك المواجهة تبدو حياة ثلاث أسر آيلة للسقوط، "عماد"، الزوج الواقف بين ناري رغبة الانتقام وحياة زوجية ستنتهي، و"رنا"، زوجة قد تفقد زوجها، و"جاني"، ستكتشف زوجته خيانته بعد سنين من الزواج، و"ابنة"، على مشارف الزواج ستُصدم بحقيقة أبيها وتفقد حتمًا الثقة في زوج مستقبلي.

يضع "فرهادي" هامش صغير جدًا بين الصواب والخطأ، صحيح أن الجاني أخطأ ولكنه نادم بصدق على خطأه، هل يستحق تدمير حياته في سبيل لحظة غواية؟ في ذلك المشهد تبدو "رنا" البريء الوحيد في الصراع وتمثل صوت الضمير ورغم أنها الضحية فهي تدافع بشدة عن الجاني وترفض رد الخطأ بالخطأ.

يغلق "فرهادي" قصته بمشهد في كواليس المسرح، حيث يضع كل من "عماد" و"رنا" مكياجًا لشخصيات زائفة يخفيان تحتها شخصياتهما الحقيقية، التي ماتت، وقد تسببا في مقتل رجل عجوز.

تقييم نهائي

الفيلم بشكل عام جيد جدًا، يعيبه فقط تمهيده البطيء، ولكن بمجرد مرور النصف ساعة الأولى يكون الإيقاع متزنًا ويورطك في الأحداث ويضعك في ورطة أخلاقية شديدة.

كذلك يتميز بجودة الحوار، فلا توجد جملة حوارية بالفيلم بلا داعي، كل الجمل لها أهمية في الأحداث حتى لو بدت هامشية لحظتها، ولكنها تصبح مؤثرة على المدى الطويل.

أفضل مشهد في الفيلم هو بالتأكيد مشهد المواجهة الثلاثية بين "عماد" و"رنا" والجاني في النهاية.

ربما يعد هذا أقل أفلام "فرهادي" من وجهة نظري، بالتحديد أقل من "About Elly" و"Separation، ولكنه يظل فيلم ممتع ويثبت مرة جديدة أن الإبداع لا يحتاج ميزانيات إنتاجية كبيرة، أو حتى سقف عالِ من الحرية، فقط يحتاج إتقان وإيمان القائمين على العمل بقيمته.

وصلات



تعليقات