هل ما زلنا نُشاهد المسلسلات على «التلفاز»؟

  • مقال
  • 12:00 مساءً - 9 مايو 2018
  • 1 صورة



بالتأكيد اليوتيوب هام في حالة إذا أردت مشاهدة جميع حلقات مسلسلك المفضل، لكن ماذا إذا كان معروضاً الآن على التلفاز، هل ما زلت ستشاهده على اليوتيوب حينها؟

مما لا شك فيه أن اليوتيوب مؤخراً احتل مكانة ذات أهمية كبيرة بين محبي مُشاهدة المسلسلات المِصرية وغير المِصرية، فشركات إنتاج هذه المسلسلات تقوم بإطلاق حلقات مسلسلاتها على قنواتها الخاصة على الموقع، حيث أصبح اليوتيوب هو ملجأ جميع أنواع الڤيديوهات والأخبار ومختلف المقاطع التعليمية أو التثقيفية التي يريدها الجمهور في العالم، لكن ماذا عن التلفاز الآن، بإعتباره الوسيلة التي من المفترض أنها الأولى في عرض تلك المسلسلات؟، هل أصبح بلا قيمة وفَقَد بريقه إلى الأبد؟.

في حديثي بهذه المقالة، أريد أن أنظر للموضوع من منظور (التلفاز) بالتحديد، ولتتخيل معي قليلاً..

سألتُ عدداً من أصدقائي «لماذا اليوتيوب إذن؟»، ومعظمهم أول شيء أتى على ذهنهم هو أن مُشاهدة المسلسلات على اليوتيوب أفضل، ليس لأي شيء سوى أنهم يريدون اختيار أوقاتهم المفضلة في المشاهدة، لا الأوقات التي تُمليها عليهم مواعيد القنوات.

هذا كلام جميل، لكن ماذا عن (الإعلانات)؟!، أحد أهم أسباب انتقال المُشاهد من التلفاز إلى اليوتيوب في رأيي - إن لم يكن هو السبب الرئيسي- يكمن في أن القنوات المصرية تقوم بعرض المسلسل داخل الفقرات الإعلانية، لا العكس، حيث عادةً ما تكون مدة الإعلانات أطول من المدة الفعلية للمسلسل، مَن منا إذن سيشاهد في ساعة زمنية مسلسل لا تتعدى مدته عشرون أو خمسةً وعشرون دقيقة؟!.. يجيبوني: هناك من يُحبذ فكرة التلفاز حتى وإن كان مضيعةً للوقت، خاصةً كبار السن ممن يجدون صعوبة في التأقلم مع ما هو غير تقليدي، فعلى الرغم من استحواذ الإنترنت على حيواتنا وانتشاره في كل البيوت، إلا أن معظمنا ربما لا يزال يحب التلفزيون ويعتبره إرثاً ونشاطاً قديماً لن تتمكّن مواقع كاليوتيوب من زواله بهذه السرعة.

إذن هل هناك حلاً حقيقياً للموضوع، إذا كانت الإعلانات الدعائية هي المشكلة الأولى فلما لا يتوقفون عن عرض كل هذه الإعلانات بين الأجزاء المختلفة لحلقات المسلسلات؟.. ربما لأنهم يُنفقون على هذه الإعلانات ملايين الجُنيهات وبالطبع لن يوقِفوا عرضها لأنها ستسبب لهم خسارةً كبيرة.. ها!، الموضوع متعلق بالمال إذن، لكني لا أعتقد أن هذه الإعلانات مفيدة وتؤتي ثمارها على أية حال!.. لا أدري، لكن حتى وإن كانت تفعل، لا أعتقد أن فكرة دسّ هذا الكمّ من الإعلانات التي نراها عاماً رمضانياً تلو الآخر مفيداً لأيُّ الطرفين؛ الشركات المنتجة للإعلانات أو المُشاهد، إنها تُخمة معلوماتيّة وفعلاً مُهدراً، ونحن نعلم هذا، فلماذا إذن لا نغيّرها؟!

تلك المعضلة أراها تتلامس مع القضيّة الشهيرة الحاصلة منذ عامٌ مضى في "كان"، عندما هاجم القائمين على المهرجان شركة "نتفليكس" الأمريكية صاحبة فيلمان عُرِضَا في المسابقة الرسمية آنذاك بحجّة أن الشركة تهدد جوهر الوسيط السينمائي بالانقراض، حيث المُشاهدة الجماعية للأفلام في دار العرض هو ما يُميّز هذا الوسيط؛ هنا الأمر مُشابه لقضية نتفليكس، إذا عُرِضَت المسلسلات خارج الجهة الأولى المستقبِلة لها (أي التلفاز) فإنها -أيضاً- تخرج عن وسيطها.. فسواءً شئنا أم أبينا، لا بد من التكيُّف وتقبُّل فكرة أن هذه المُسمّيات لم تغدو ذات تعريفاً واحداً، بل تتداخل التعريفات في كل وسيط (مثلاً عُرِضَ "Inhumans" على شاشة سينما الآيماكس بمِصر في سبتمبر الماضي، وهو مسلسل كوميكس أمريكي من إنتاج مارڤل، ومكوَّن من ثمان حلقات)، فالتكنولوجيا هدمت كل التقاليد التي عرفناها، والتلفزيون الذي نعرفه الآن لم يعد هذا التلفزيون الذي كان قبل عشر سنين، حيث المكان الأول لمشاهدة الأفلام والمسلسلات.

ما اعتدنا رؤيته على التلفاز هي البرامج والأعمال الدرامية، وهذا ما كان عليه حال التلفاز منذ نشأته الأولى، حيث يقدِّم ما يعرف بالـ (soap opera) وهي المسلسلات التي تُشاهدها ربات البيوت في فترة الظهيرة، لذا اكتسبت المسلسلات أهميتها من حقيقة كونها تُصنع لكي تعرَض على التلفاز بتوالي الحلقات التي تأتي يوماً بعد يوم، فهذه الدراما الممتدة وفكرة (التتابع) الذي تشهده كانت بطبيعة الحال أحد الأبعاد المترسخة في عقلية صُنّاع الدراما التلفزيونية قديماً حين يفكرون عن قصصهم وحبكاتهم، وهو الأمر الغائب تماماً في وقتنا هذا بوجودها كاملةً على اليوتيوب.

لكننا في مِصر نعهد سياسة مختلفة عما تقوم به الدول الأخرى، فالسينما والمسلسلات عندنا مربوطة بالمواسم، والمواسم متصلة بعرض السلع التجارية والإعلانات، فيكون التلفاز في موسماً كشهر رمضان بمثابة المنصة التي تلفُظ فيها كل شركة إنتاج سلعتها في وجه المُشاهد، وتقوم بخداعه بعباراتٍ مثل "لمّة رمضان" وما شابه، دون تفكير منها للحظة هل هذا الأمر مفيد أم لا، وهل سيحقق الربح التي تريده أم لا.

الأكثر أسفاً في الموضوع، هو أن شركات تلك المسلسلات لا تلتزم بأجندة مُعيّنة في القطع بين مشاهد المسلسلات لعرض الإعلانات بمنتصفها (الفواصل الإعلانية)، أو حتى الأسوأ: في تحديد نهاية كل حلقة!، نسمع مثل هذه الأخبار كل حينٍ وآخر عن تحكُّم وسلطوية شركات الإنتاج في المسلسلات.. ونجد صُناعهم يُصرّحون بأن مسلسلاتهم الأصلية هي تلك المعروضة على القناة الرسمية على اليوتيوب، لا أي قناةً يوتيوبية أخرى.

دراما المسلسلات هي دراما "تلفزيونية" في الأساس، هذا ما عَهِدنا أن نطلقه عليها منذ الأبد، وهي دراما لا تصلح أن تتبناها السينما، ولا أعتقد على أي وسيط آخر، فهل يمكن أن يأتي اليوم الذي يتوافق فيه التلفاز مع اليوتيوب/الإنترنت دون مُشاجرات بينهم ؟.. هل سنظل نُشاهد المسلسلات على التلفاز؟، هل ما زلنا أصلاً؟

هناك مناظير كثيرة في هذا الموضوع الشائك، فربما ترى أن الأمر برُمَّته يتعلق بكيفيّة التفاعل مع الوسيط من قِبَل (المُشاهد)، لا بطبيعة الوسيط ذاته.. في كل الأحوال هي أسئلةٌ يجب أن نطرحها على أنفسنا، ونقوم بترك مساحةً لها في أذهاننا، على أمل أن نجد إجاباتٌ لها يوماً من الأيام.

وصلات



تعليقات