ناقوس الخطر يبدأ من "كفرناحوم"

  • نقد
  • 01:06 مساءً - 15 ابريل 2019
  • 2 صورتين



"وين أهلك؟" ليس مجرد سؤال طُرح على الطفل " زين " بل سؤال يضع خطًا عريضًا تحت الفكرة الأساسية التي يناقشها فيلم "كفرناحوم" الفكرة التي تمثل قنبلة موقوتة في مجتمعات كثيرة من الشرق للغرب، وهى الجُرم الكبير الذي يرتكبه الآباء والأمهات في حق ابنائهم قبل أنفسهم، فقراء لا دخل لهم ولا مأوى آدمى ولا مأكل أو مشرب يصلح لأناس، وليس لبضعة بهائم يتخذون قرار الزواج والإنجاب، أي مجرد زحام بين أربع حوائط -إن وجدت – بعدد من الأطفال دون الشعور بأدنى قدر من المسئولية تجاههم، كيف يوفرون لهم الطعام الصحي والملبس الذي يسعدهم، والمسكن الذى يأويهم من البرد ووحشة الشوارع والفراش المناسب للنوم، ناهيك عن التعليم والصحة التي تؤهلهم لحياة إنسانية لا حُكم بالدونية والظلم مدى حياتهم. كلها تفاصيل تشكل حياة ملايين الأسر في مختلف المجتمعات، فبين أنانية الأهل وقسوة قلب طفلهم عليهم ومطالبته بمعاقبتهم على إنجابه، تقف أنت حائرًا أين يقع الخطأ الأكبر أو بمعنى أصح من المسئول الأول عن كل ذلك؟ تساؤل طرحه فيلم "كفرناحوم" يضغط على جرح يعانى ألمه مجتمعات مختلفة سواء عربية أو غير عربية، ويتركك كمشاهد تعاني وتتألم معايشةً مع بطله "زين" أثناء رحلته رحلة المعاناة التي ينضم إليها طفل آخر إثيوبي "يونس" وطفلة سورية "ميسون" ليؤكد فكرته ويترك أثرًا لعلنا نصل لحل يبتر ذلك الألم من جذوره ويضع حدًا لتلك المعاناة. واقعية سوداء عبرت عنها المخرجة نادين لبكي وصناع العمل الفني من خلال صورة سينمائية تتصف بالواقعية في جميع عناصرها بدءًا من كادرات التصوير مثل كادر واسع جدًا بزاوية مرتفعة لمجموعة من البيوت في منطقة عشوائية فقيرة تجاور بعضها البعض، مما يعبر عن تشابه وتكرار أزمة البطل، ومعاناته مع غيره ممن حوله، كما استخدم مدير التصوير "كريستوفر أيون" كادرات ضيقة كثيرة لتوضيح تفاصيل البيت الفقير والملابس المهلهلة المتسخة وطريقة النوم والمأكل والمشرب، واستخدم كادرات ضيقة على وجوه الأبطال، الطفل زين والأب والأم والأم الإثيوبية وابنها يونس ليعبر عن مشاعرهم من ألم أو فرح أو حسرة أو تناقض أو ندم، أيضًا حركة الكاميرا جاءت معبرة كل التعبير عن الواقعية بشكل زائد عن الحد بالنسبة للبعض، حيث اتصفت حركة الكاميرا في معظم المشاهد بالإهتزاز وعدم الثبات حتى يجعلك كمشاهد تتعايش مع حالة تلك المشاهد، وتنسى أنك تشاهد فيلمًا أو دراما، بل أنت الآن تعيش واقعًا، فتهتز الكاميرا في مشاهد جري البطل أو صعوده السلم أو جلوسه بالأتوبيس أو أثناء سيره بالشارع، وتهتز وهو ينظر لمن حوله، فأنت كمشاهد في كثير من الأحيان تراقبه بالكاميرا وفي أحيان أخرى تحل محل عينه، فترى وتشعر بكل شيء مثله تمامًا، وهنا تحدث المعايشة الكاملة. تلك الحالة الأقرب إلى الحياة منها إلى الدراما ما عبر عنها إلا مجموعة من الممثلين الذين يمتلكون الموهبة وإحترافية استخدام تفاصيل الوجه والجسد للتعبير عن مشاعرهم دون حوار طويل ممل، بل من خلال حوار مقتضب اختيرت كلماته من قلب الشارع، ومن رحم الواقع فخرج سلسًا بسيطًا وشكّل كل ذلك أداء يتصف بالسهل الممتنع، خاصة وهو يعبر عن صراعات يعيشها أبطال العمل، صراع الطفل زين مع أهله -قَدَره المؤلم- وصراع الأم الإثيوبية لتحقيق الإستقرار والأمان وصراع أم زين مع نفسها فهى في حالة تشوش وتناقض بين حبها لأبنائها وبين الواقع المزري الذي تعيشه ويجبرها على اختيارات قاسية لا ترضى عنها. مشاعر مختلفة وعميقة تمس كل من يشاهد هذا العمل الفني الذي يستحق لقب piece of art، فهو غنى أيضًا بالموسيقى التصويرية التي لعبت على أوتار دقيقة من مشاعر المتلقين فعبّرت وشرحت دون الحاجة لكلمات، وهنا يكمن الإبداع الذي جعل المتلقي ينغمس بكل حواسه، خاصة مع مشاركته في الأحداث، فظل يفكر مع بداية الأحداث ويتساءل "ما الذي أوصل هذا الطفل لهذه النهاية ؟" ففيلم "كفرناحوم" يعتمد على حبكة الكشف، أي يصدمك في بدايته بالنهاية، ثم تكتشف معه مشهد تلو آخر كيف آلت الأمور إلى تلك النهاية. رسالة قاسية في مضمونها، مبهرة في شكلها الفني تُشبعك كمتلقى فنيًا وتؤثر بك نفسيًا وتتركك تفكر وتفكر في حل لتلك الأزمة، وهنا نصل لقمة الإبداع.



تعليقات