The Professor and The Madman.. في الجنون والمثابرة كل شيء

  • نقد
  • 08:18 مساءً - 24 مايو 2019
  • 1 صورة



قد تكون خطيئة واحدة ترتكبها كافية لتقبع روحك في زنزانة مخيفة يسكنها أشباح خطاياك ، كلما تظاهرت بالصمود والنسيان، كلما أسرع الخوف يتسلل إليك من نوافذها فيحلو له تعذيبك. ربما ستهرب حينها من كل ما ارتكبت، ستحاول أن تترك كل شيء وتدير ظهرك للماضي، ستقول أنك فعلتها لأنك مضطر أو ضعفت، ربما حقا كنت مهزوما من شئ اقوى ولكن من سيوقف مطاردة تلك الندوب والجروح التي تركتها في غيرك؟ في الظلمة مع بداية الفيلم، حين يخفت كل شيء، تعلو أنفاس متقطعة تحاول أن تخرج بصعوبة من صدر متعب، صوت سلاسل وأقدام مع موسيقى الكمان المترقبة وإضاءات خفيفة مرتعشة تنتقل ما بين رجلين يسير أحداهما بخطى متعرجة. حيث ندخل إلى عالم ويليام تشيستر ماينور، نقيب جراح متقاعد في الجيش الأمريكي (شون بن)، رجل مشوش مضطرب يعيش في عزلة. كثيرا ماتزوره أوهام وخيالات مرتبطة بماضيه أثناء فترة الحرب الأهلية في أمريكا، كلما حاول أن يجد بعض السلام أو النسيان، تندفع ذكرياته نحوه بشكل مخيف، وتدفعه لارتكاب جريمة أكبر، حيث يقوم بقتل جورج ميريت، متوهمًا أنه ديكلان رايلي، وهو أحد الجنود الذين قام بتعذيبهم. في ليلة باردة حيث يبدأ مشهد الفلاش باك، يلتفت ويليام حوله بجنون ليتأكد أنه لا أحد هناك ليلحق به، ما أن يشاهد ظل جورج على الحائط حتى يتوقف ويلاحقه ليقتله، معتقدًا أنه ديكلان رايلي، ولكنه لا يستطيع أن يفعلها سوى أمام زوجته وأطفاله. ذلك المشهد يعد أفضل مشاهد الفلاش باك داخل الفيلم لما يتمتع به من حيوية في جوانب كثيرة ففي الموسيقى، تأتي موسيقى الكمان لتبوح بكل الارتباك والذعر الذي يعانيه ويليام ويفقده اتزانه والتي تزيد في ملامسة مشاعرنا بحدة كلما اقتربت المطاردة من النهاية، كذلك تنوعت استخدامات الإضاءة سواء من حيث لونها أو تأثيرها النفسي، فمثلًا الإضاءة المنبعثة من بين المباني المجاورة لمنزل جورج جاءت تميل إلى الأحمر بعد مقتله، وأيضًا قد تعمد المخرج إظهار ديكلان بملامح مخيفة من خلال الإضاءة ليعبر عن حالة ويليام الداخلية تجاهه. وقد استطاع التصوير كذلك أن يجعلنا ألا نخطيء في اعتقادنا أن ذلك الرجل اقترب من انهياره، وذلك من خلال استخدام حركات كثيرة للكاميرا، منها حركة الكاميرا المحمولة باليد Hand held والتي وجدت هنا لتعمق ذلك الاحساس بالتشتت وعدم الاتزان. يتم احتجاز ويليام في مستشفى برودمور على أساس أنه مجنون وليس قاتل. عند دخوله غرفته الخاصة يعيد ترتيب الأشياء بداخلها، ذلك يلهيه لأن روحه غير قادرة على أن تتماسك، يقترب من الأرض بشكل طفولي متسائلًا في نفسه: هل سيعود أي شيء إن استطعت الهرب؟ إنه ليس مجنونًا، إنه ينكر ذلك دومًا، وتلك الرغبة المستمرة التي تلاحقه ليعيش حياة طبيعية جعلته هشًا ضعيفًا ينجذب إلى الأشياء التي تعيده حيًا غير مشوه بشكل هيستيري، لذلك نجده يرسم كثيرًا، لكن لوحاته ذات وجوه مرعبة فملامحها وألوانها مزعجة. على الرغم من مشاعره العميقة التي تتخبط ما بين القسوة والضعف والإحساس بالذنب، والتي أفقدته إتزانه إلا أنه لا يتردد في المحاولة من جديد، ففي أحد المشاهد التي يتم فيها نقل المساجين إلى الغرف، يقوم بإنقاذ أحد الجنود أثناء سقوط سياج حديدي عليه، لذلك يكتسب ثقة ومحبة حراس الغرف، ويقوم أحدهم بإهدائه كتاب يقرأ فيه التماس من قبل جيمس موري (ميل جيبسون) وهو المسئول عن التدقيق اللغوي لقاموس أكسفورد الجديد، ولكن لأن مهمته قد تستغرق مابين 5-7 سنوات يلجأ إلى وضع التماس في أغلب الكتب والجرائد ليساعده كل من لديه القدرة على ذلك. فيقتنع ويليام بالمهمة ويقبل على الكتب بصورة أكبر, يحيط نفسه بمئات الكلمات ويعلقها على الجدران، ففيها أمانه وهروبه من كل المطاردات، إنه يعلو عن طريقها على كل خطيئة! لذلك تتكون بين جيمس وويليام صداقة عن طريق الكلمات، هوسهما الخاص، رجل يعاد إليه إتزانه تدريجيًا من خلالها ورجل أخر (جيمس موري) يحاول أن يحصل على اللقب الذي يليق به من خلال إنجازه المهمة وخاصة أنه ابن بائع قماش ولم يكمل تعليمه. ربما نجح الفيلم في إبراز تلك العلاقة الناجحة التي تجمع بين جيمس وزوجته، والتي يعتمد عليها ويليام كثيرا في دعمه، فزوجته أدا (جينيفير ايلي) حنونة مطمئنة على الدوام، تغمر ويليام بالدفء والاحتواء، وتتمسك بحلمه كلما أغمضت عينيه عن الأمل وظن أنه قد أخفق. لذلك نجدها حازمة في أن جيمس لا يمكنه أن يستسلم وتمنع محاولة الأكاديميين في الجامعة من إخفاق عمل وجهود جيمس وويليام، ولكن الفيلم يجعل في علاقة الأكاديميين بجيمس نوع من الصراع غير المبرر من البداية، فهم قد فشلوا سابقًا في إنجاز ذلك القاموس بأنفسهم، كما أنهم اقتنعوا بكفاءته في أول لقاء معهم. كذلك الأحداث القليلة للغاية المتعلقة بقصة تجميع الكلمات لا يمكن أن تنشيء أي خلاف بينهم وعلى الرغم من ذلك، يحاول الفيلم أن يجعل اجتماعاتهم بها نوع من التوتر ويفشل في أن يجعل الحوار معبرًا أو عميقًا يليق بتلك العراقة والهيبة التي تسبق اجتماعاتهم، والتي يعبر عنها بصريًا في لقطات متعددة. منها أنه مع بداية ذهاب جيمس إلى جامعة أكسفورد، يتم استخدام لقطة Aerial shot بطيئة لجامعة أكسفورد، تليها لقطة أخرى يكون فيها مبنى الجامعة يشغل أغلب الكادر لتظهر فيها حركة الشمس التي تأتي بنورها لتزيح الظلال في دلالة على بداية تلك المعرفة القادرة على محو الظلام، مع الاعتماد على الموسيقى وخاصة التشيلو لنشعر بمكانة تلك الجامعة. كذلك كانت مشاهد لقاءاتهم تبدأ دومًا بلقطات مختلفة للجامعة، وكثيرًا ما تستخدم إضاءات الشموع المتوهجة الكثيفة داخل تلك المشاهد فهي بقدر ما استطاعت أن تضفي تلك الكلاسيكية المطلوبة في الفيلم ولكنها أيضًا بصريًا تشعرنا بذلك الوهج بأهمية كل خطوة لانشاء ذلك القاموس. وخاصة أن المخرج تعمد الاستخدام الكثيف للقطات القريبة سواء للجوابات والكلمات والأحبار لنقترب أكثر من الكلمات وإن كان بالفعل حدث ذلك، لكن لا يمكن أن تشاهد الفيلم دون أن تنزعج من حركة الكاميرا في تلك المشاهد، وخاصة أنها استخدمت دون ضرورة في أغلب مشاهد حتى وإن أضافت بعض الواقعية وكان لها جمالها ودلالتها في بداية الفيلم لكنها تفقد تأثيرها في أغلب المشاهد خاصة العاطفية أو الحزينة. لكن الفيلم بشكل عام استطاع من خلال الديكور والموسيقى والمونتاج أن يخفف نوع ما من إزعاج حركة الكاميرا، فعن طريق المونتاج ومشاهد الفلاش باك، تعرفنا على ويليام وما لديه من مشاعر متأججة ومتناقصة والتي يكسوها نوع من الهدوء الذي يختفي سريعًا من أبسط الأسباب. لذلك كان سؤالًا من إليزا أرملة جورج ميريت (ناتالي دورمر) " إذا كان حبًا.. فماذا إذا؟" كافيًا لانهياره. فمشاعر ويليام التي تحركت من جديد، جعلته يقع فجأة في حب إليزا، ولكن إذا كانت عقدة الذنب دومًا ما تلاحقه، فكيف يمكنه التكفير عن ذنب في حق امرأة يحبها، وكيف إن كان ما ارتكبه في حقها لا يمكن تعويضه؟ وعلى الرغم من أن علاقة حب التي تجمعهم تم تقديمها بشكل غير مقنع داخل الفيلم، خاصة أنه لم يقدم أي أحداث أو مبررات لحب إليزا لذلك الرجل والتي تحمل له مشاعر أكبر من أمومتها وحبها لزوجها. لكن لويليام أمر أخر، فتلك المرأة التي يسميها بالمستحيل منحته بمغفرتها وقبولها الكثير. الفيلم مأخوذ عن كتاب جراح كروثورن لسيمون وينشستر، وهو من إخراج فرهاد سافينيا.



تعليقات