"خيال مآتة" .. وابتعدت الطيور!

  • نقد
  • 11:43 مساءً - 17 اغسطس 2019
  • 1 صورة



أحمد حلمي في لقطة من الفيلم

قديمًا قال المؤلف الأمريكي "هارفي مكاي" "إن الوقوع في الخطأ لن يتسبب في قتلك، ولكن تكراره مرة أخرى سيقضي عليك لاحقا"، جملة يمكنها أن تراودك طيلة مشاهدتك لفيلم "خيال مآتة" لممثل يلفظ أنفاسه الإبداعية الأخيرة أمامك، يسقط إلى الهاوية ظننا منه أنه يصعد ليحتضن شمس الماضي، سقوطا لم يكن ليحدث ما لم يقترب من الشمس أكثر من اللازم فتحترق أجنحته التي قام ببنائها بعناية طيلة السنوات الماضية.

في عام 2007، قرر النجم الصاعد بقوة"أحمد حلمي" خلع عباءة الشاب الفقير المكافح، ليسلك طريقًا جديدًا من التنوع في شخصياته والوصول لمرحلة النضج الفني، حيث قدم فيلمه الأول في هذه البداية "كدة رضا" مع "منة شلبي" و"خالد الصاوي"، ونال العمل النجاح الكبير على كافة المستويات، ليقدم "حلمي" ثلاثة شخصيات مختلفة لا يمكنك أن تشعر للحظة أنهم جميعا نفس الشخص، ثم عاد بعد فترة قصيرة ليقدم "أسف على الإزعاج " ويصل لقمة إبداعه في واحدة من أفضل أعماله الفنية، وبعدها، قرر "حلمي" تقديم فكرة جديدة من الفنتازيا والكوميديا الإغريقية الأسطورية "سيزيف" في فيلمه "ألف مبروك " ليكمل سلسلة من النجاحات الكبيرة في فترة قصيرة.

لم يدرك "حلمي" أنه سيجسد يومًا أسطورة أغريقية جديدة دون أن يدري, "إياكاروس" الذي لم يستمع لنصائح والده وأقترب من الشمس ليسقط سريعا ويلقى حتفه، أعاد "حلمي" تكرار التجارب ذاتها على مدار الست سنوات الماضية، حاول نحت ما قدمه سابقا في "ألف مبروك" وفشل، جاهد من أجل الوصول لقمته في "أسف على الإزعاج " وسقط بقوة، ركض سريعًا نحو "عسل أسود" وحاول إعادة الأجواء ذاتها فلم يفلح كما فعل في "عسل أسود"، وهنا نتحدث تحديدًا عن أفلامه الأخيرة "على جثتي"، و"صنع في مصر "، و"لف ودوران"، على الرغم أن هذه الأفلام لم تفشل على مستوى شباك الإيرادات السينمائي في مصر، ولكنها فشلت في تحقيق الرصيد ذاته الذي بناه"حلمي" لدى الجمهور وخسر الكثير من ثقة محبيه.

تدور أحداث "خيال مآتة" حول الجد "يكن" والذي قام ببناء مع زملائه أمبراطورية من سرقة التحف الثمينة في فترة الستينات، حيث نجح في وضع خطة محكمة لسرقة بروش "أم كلثوم " النادر والذي كان من أشهر إكسسواراتها التي تحرص على ارتدائها دائمًا، وأهدته لها الشيخة الكويتية "منيرة الهلال"، وبعد مرور أكثر من 50 عامًا يعود الكيان الذي ينتمي له "يكن" في محاولة لبيع البروش الثمين، ولكن "يكن" يقرر وضع خطة محكمة مورطا حفيده "زيزو" بها من أجل خداع الكيان والإبقاء على البروش.

قدم "عبدالرحيم كمال " في فيلمه حبكة ضعيفة وغير منطقية، تقوم في الأساس على الصدف الغير مبررة والتي تم بناء الفيلم بأكمله عليها. في بداية العمل تشعر أن الفكرة جيدة وسريعة، يتنقل بها المخرج "خالد مرعي" من الستينات إلى العصر الحالي ليقدم شخصياته المختلفة، ولكن بعد مرور بضعة دقائق، يسقط العمل في فخ الملل والتكرار لتشعر أنك تشاهد إعادة إنتاج لفيلم "عيال حبيبة" للممثل والمطرب "حمادة هلال"، ولكن بلمسة من "كدة رضا".

لم يستطع "عبدالرحيم كمال" الحفاظ على عناصر العمل بشكل جيد، فبدلًا من مشاهدة عملية سرقة كبيرة متوقعة، تجد نفسك لأكثر من نصف مدة الفيلم تشاهد سيناريو داخلي ضعيف يقوم على الصدف والحظ من أجل خداع رجل مسن وبناء عالم كامل من أجله، ثم يعود الكاتب ليتذكر أن عليه تقديم الخدعة المنتظرة، ولكن بشكل شيء مبالغ فيه ومكرر.

على مستوى الأداء التمثيلي قدم "حلمي" شخصية "يكن" بشكل جيد، وإن كنت أري أن هذه الشخصية ظلمت بوجودها في فيلم ضعيف كهذا، وعلى النقيض تماما قدم"حلمي" الشخصية الأخرى وهي شخصية "زيزو" بشكل ضعيف للغاية وقد يرجع ذلك لضعف الشخصية نفسها على الورق فتكاد تشعر أنك أمام شخصية الممثل الحقيقية دون تعديلات، يكفي أن تتذكر ذلك المشهد الدرامي الذي جمع بين شخصيتين لنفس الممثل وترى الفارق الشاسع بين الأداء الجيد والأداء المتواضع. لم يقدم الفيلم المساحة الكافية لبقية الممثلين، لك أن تتخيل أن الفيلم ضم العديد من النجوم الكبار ولم نراهم لأكثر من 5 دقائق طوال العمل باستثناء "حسن حسني" والذي كان له الحضور المميز في العمل. ماهو الدافع الذي حرك منة شلبي" لقبول دور متواضع مثل هذا، وهو نفس الدافع الغير منطقي الذي دفع ""خالد الصاوي" للأمر نفسه.

على المستوى الإخراجي لم يقدم الفيلم الكثير، كانت تجربة بصرية عادية تميل للمتواضعة، مثلها مثل عناصر كثيرة في العمل، ولكن أكبر مشاكل العمل كانت في التقنيات الصوتية الغير واضحة. من ضمن العناصر القليلة في العمل جاءت الموسيقى بشكل لا بأس به وخدمت المشاهد بشكل جيد.

"خيال مآتة" خدم بشكل كبير عنوانه، فكان الفزاعة التي أبعدت الطيور عنها، وتقمص دورها "حلمي" ليحطم جسر الثقة من جديد مع جماهيره ويضع مسيرته على المحك، فتبتعد طيوره تدريجيًا بلا رجعة.



تعليقات