سينما سعد عرفة... الانحياز للإنسان أولا

  • مقال
  • 02:30 مساءً - 11 يوليو 2020
  • 7 صور



عند الحديث عن أهم مخرجي السينما المصرية من النادر جداً أن تجد من يذكر اسم المخرج سعد عرفة، فدائما يتجه التفكير التقليدي إلى أسماء معينة مثل يوسف شاهين، عاطف الطيب، محمد خان وغيرها من الأسماء المكررة،

وهنا تأتي أزمة مجموعة من الأسماء التي يمكن اعتبارهم من مظاليم السينما المصرية، والتي تسقط أسماءهم وسيرتهم سهوا من الذاكرة، فمن الظلم اختصار صناعة ضخمة في مجموعة أسماء بعينها، ودائما تأخذ أفلامهم الأولوية في الدراسات والكتابة عنها وعرضها تليفزيونيا، وفي المقابل يتم تجاهل عدد آخر يستحق أن يأخذ فرصته كما حصلت المجموعة الأولى على فرصتها كاملة، لذا في هذا المقال سنحاول اعطاء نظرة سريعة على سينما المخرج سعد عرفة الذي يعد من مظاليم السينما المصرية الكبار.

المخرج سعد عرفة (1922-1998) دائما يُلحق باسمه بأنه والد المخرج شريف عرفة وكأن أهمية سعد عرفة مرجعها الوحيد أنه والد المخرج الكبير شريف عرفة، إلا انه سعد عرفة لسبب أو لآخر لم يأخذ التقدير الذي يستحقه رغم أهمية منجزه الفني وتقديمه عدد من الأفلام المتميزة على الصعيد الفني والتقني حيث لم تأخذ أفلامه حقها من الدراسات النقدية، والعروض التليفزيونية فمن النادر أن تجد فيلماً من إخراج سعد عرفة معروضاً على واحدة من القنوات التليفزيونية.

سعد عرفة المولود في عام 1922 بدأ حياته مساعدا للمخرج عاطف سالم في عدد من الأفلام منها الحرمان 1953، وقدم تجربته الإخراجية الأولى في عام 1961 بفيلم "لقاء في الغروب" بطولة رشدي أباظة، ومريم فخر الدين؛ لقاء في الغروب في الظاهر هو فيلم رومانسي عن علاقة بين امرأة متزوجة وشاب أعزب وتطور العلاقة بينهما. في هذا الفيلم يتجلى رغبة عرفة في تناول العلاقات العاطفية بين المرأة والرجل خاصة عندما تكون مرفوضة مجتمعياً، وخارج إطار الأعراف والتقاليد وهو ما يتجلى بوضوح في عدد من أفلامه سوف نتناولها بشرح مفصل،

يقدم بعدها عرفة فيلم "الاعتراف1965" وهو التعاون الوحيد الذي جمعه بفاتن حمامة في هذا الفيلم نرى ملمحاً آخر من أسلوبية عرفة، وهو الخروج من القاهرة حيث تدور أحداث الفيلم بالكامل في محافظة البحر الأحمر، وهو أمر وقتها لم يكن معتاداً أن تخرج الكاميرات من الأستوديوهات إلى أماكن بعيدة خارج العاصمة؛** الاعتراف** من الأفلام الجيدة لفاتن حمامة إلا انه لم يلق النجاح المطلوب حيث اعتبرته فاتن سقطة في مسيرتها.

لا ييأس عرفة ويقدم بعدها فيلم "مع الذكريات1966" في هذا الفيلم تظهر موهبة عرفة بوضوح حيث يقدم في هذا الفيلم تكنيكا سينمائيا متميزاً فالفيلم صوره المصور الإيطالي الكبير كليليو ، فصورة الفيلم أقرب لأفلام "النوار" الأمريكية في التباين الشديد بين الأسود والأبيض والإضاءة المنخفضة low key، كذلك في شكل السرد وهو ما كان جديدا وقتها على السينما المصرية حيث لم يتم سرد الفيلم بشكل تقليدي (بداية - وسط - نهاية) وإنما تم سرده من وجهات نظر الشخصيات فنرى الأحداث من وجهة نظر كل شخصية على حدا مما يعطي للمشاهد الصورة الكاملة. فالفيلم يضعك تماما في عقل كل شخصية يجعلك تعرف كيف تفكر وتشعر وترى الأشياء من وجهة نظرها، مع الذكريات من الأفلام المتميزة التي قدمت في فترة الستينات وبحاجة لإعادة اكتشاف وقراءة لتميزه البصري والسردي.

بعدها يقدم عرفة فيلم "ليلة واحدة" في عام 1969 وهو من الأفلام التي يمكن اعتبارها بحق فيلم رومانسي كوميدي كما قال الكتاب؛ الفيلم أحداثه بالكامل تدور في محافظة البحر الأحمر بعيدا عن القاهرة مثل فيلم "الاعتراف" ورغم تميز الفيلم فنيا إلا أنه لم يحقق نجاحاً تجارياً.

مع بداية السبعينات يدرك سعد عرفة تماما عن أى شيء يتمحور مشروعه السينمائي فالتيمات التي تدور عنها أفلامه في هذا العقد هى عن حرية المرأة في مجتمع ضاغط والعلاقة بين الجنسين، والأهم هو قدرته المبكرة على النظر إلى الخطر القادم من المتشددين دينياً وهى مرحلة لم يكن للمتشددين دينيا تأثيراً كبيراً بعكس فترات الثمانينات والتسعينات.

أول أفلام عرفة فى السبعينات هى "اعترافات امرأة 1971" وهو يمكن اعتباره فيلما نسويا بامتياز، ينحاز فيه عرفة لبطلته التي تبحث عن السعادة فيمجتمع يضغط على المرأة ويؤطرها في شكل معين وعندما تحاول الخروج عليه يحاربها بكل ما أؤتي من قوة، فبطلة الفيلم تخوض تجربة زواج غير ناجحة وتفشل في إقامة علاقة جنسية مع زوجها مما يترتب على ذلك أن تتحول حياتها جحيماً، إلا ان عرفة كان رحيماً ببطلته حيث جعلها تنفصل عن زوجها وتبدأ في التركيز على مسيرتها المهنية فتعمل كمحامية، وتتعرف على رجل آخر تستطيع أن تجد معه سعادتها. بعدها يقدم عرفة في عام 1972 فيلمه "بيت من رمال" والذي يتعاون فيه مع المصور السينمائي الأهم فى السينما المصرية عبدالعزيز فهمي كمصوراً ومنتجاً؛ في هذا الفيلم يطرق عرفة تابوه الجنس بقوة فالفيلم تدور أحداثه عن علاقة بين شاب وفتاة حديثي السن يقعا في الغرام رغم رفض عائلتهما والمجتمع لهذه العلاقة إلا أنهما يسيرا في طريقهما برغم كل العواقب إلا أن النهاية هنا لن تكون سعيدة على الإطلاق مثل فيلم اعترافات امراة، ففى مشهد نهاية ذات دلالة واضحة تتخيل البطلة 3 أشخاص قادمين إليها كل شخص ممثلا عن شيء معين فهناك ممثلا عن الدين وآخر ممثلا عن المجتمع وممثلا عن أسرتها وكأنهم يريدون خنقها عقابا لها على كسرها القواعد والأعراف، في هذا الفيلم يتجلى مشروع عرفة بوضوح في طرق مسائل الحريات الشخصية والجنسية وحق كل فرد في تقرير مصيره بعيدا عن تدخل الأهل ونظرة المجتمع ستكرر هذه التيمة بعد ذلك في أكثر من فيلم لعرفة.

في عام 1973 يقدم عرفة فيلمه الأهم والأجراً "غرباء" في تعاونه الأول مع السينارست الواعد وقتها رأفت الميهي هنا يضرب عرفة ضربته الأقوى في كشف ظاهرة التشدد الديني قبل أن تحدث بسنوات؛ بالتأكيد في بداية السبعينات لم تكن هذه الأزمة ظاهرة على السطح بقوة إلا أن عرفة انتبه لها مبكراً هنا يجب أن نشير أن البعض يستخدم مصطلحات من نوعية تنبؤ الفنان وقدرته المبكرة على استشعار خطر معين قد يواجه مجتمعه قد يكون هذا صحيحاً لكن ما يعتقده كاتب هذه السطور أن الأمر ليس له علاقة بالتنبؤ لكن تعود المسألة ببساطة أن هذا الفنان يراقب مجتمعه جيداً، واستطاع أن يرى هذه الأزمة وهى في بدايتها قبل تفاقمها واستفحالها من هنا يقرر تسليط الضوء عليها في محاولة لفهما ومناقشتها وهذا ما فعله عرفة. سعد عرفة تنبه مبكراً لمشكلة التطرف الديني، وطرح هذا بجرأة كبيرة في فيلمه "غرباء" من خلال شخصية شكري سرحان الذي يلعب دور شاب متطرف دينيا يتسلط على شقيقته بحجة أن ما تفعله مخالفا للدين مما يضعها فى أزمة كبيرة، ويجعلها تشعر بالضياع بين عدد من الاتجاهات كل اتجاه يمثله رجل معين في حياتها مما يدفعها هذا إلى الشعور بالاغتراب الداخلي، غرباء من الافلام المهمة التي قدمتها السينما المصرية في السبعينات ومن الصعب تقديم اليوم عمل فني بمثل هذه الجرأة، وعاد وطرح مسألة التطرف الديني بشكل أكبر وأعمق في فيلمه "الملائكة لا تسكن" الأرض، والذي قدمه في عام 1987 حيث طفت هذه المشكلة على السطح بوضوح وقتها.

يقدم بعدها عرفة فيلم "رحلة العمر1974" الذي تدور أحداثه هذه المرة في مرسى مطروح بعيدا عن القاهرة كعادة عرفة، الفيلم عن علاقة جنسية تحدث بين رجل كبير وفتاة صغيرة مرة أخرى يحاول عرفة تحطيم تابوه الجنس بجرأة كبيرة ولا شك أن عرفة استفاد من مساحة الحرية الكبيرة التي كانت موجودة في السبعينات حيث قدم مشاهد جريئة بين البطلي شمس البارودي وأحمد مظهر، ويمكن اعتبار الفيلم نظرة عن قرب على علاقة إيروسية بين رجل كبير وفتاة صغيرة.

يتوقف عرفة عدة سنوات ثم يعود لتقديم واحد من أفلامه الجيدة وهو فيلم "الحب قبل الخبز أحياناعام 1977" فمن عنوان الفيلم الغير مألوف يطرح عرفة مرة أخرى مشكلة حرية المرأة في مجتمع يرى أن المرأة دورها الطبيعي في الزواج وتربية الأطفال والعمل على خدمة زوجها لكن عرفة يقدم شخصية المرأة المتمردة التي تريد أن تحيا حياتها على طريقتها تضيق بكل قيود المجتمع، تدخل في علاقة خارج إطار الزواج فتلفظها أسرتها هنا تقع البطلة في حيرة كبيرة هى تريد أن تعيش حياتها كيفما تشاء لكن في المقابل تضيق بالقهر والكبت فتتمرد على ذلك فيتسبب لها ذلك فى أزمات كبيرة، ميرفت أمين جسدت شخصية نورا بتمكن شديد ويمكن اعتبار أدائها في هذا الفيلم من أفضل ما قدمت في مسيرتها.

إذا حاولنا فهم سينما سعد عرفة فسنجد إنها سينما نسوية منحازة للمرأة، سينما منحازة للفردانية، وحرية الفرد وحقه فى اختيار نمط حياته بعيدا عن ضغط المجتمع، سينما تنتاول بجرأة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بدون مواربة وتضعها فى إطارها الطبيعي لأن الجنس شيء حيوي في حياة الانسان، سينما تضيق بالقاهرة تحاول الخروج إلى عالم أرحب لذلك نجد أن عدد كبير من أفلامه تدور في أماكن ساحلية رغبة في الحرية والانطلاق، وكذلك هى سينما ترفض التطرف والتشدد بكل أنواعه وخصوصا الديني.




تعليقات