أراء حرة: فيلم - لا أنام - 1957


الأفلام الوجودية كما يجب أن تكون

بكلمات تحمل في حروفها الكثير من الألم والحسرة بصوت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة افتتح المخرج صلاح أبو سيف فيلم "لا أنام".. نادية لطفي (فاتن حمامة) طفلة تعيش مع أبيها (يحيى شاهين) بعد طلاقه من والدتها، بدأت الحكاية عندما كانت نادية طالبة في الثانوية وتحديدا بعد بلوغها سن ال 16، وهي المرحلة العمرية التي تتحدد فيها ملامح شخصية الإنسان وتختار فيها نفسه الطريق الذي ستسلكه.. طريق الخير والحق أم طريق الشر والباطل ؟ أخطاء قد تبدو بسيطة ولكن عواقبها وخيمة، فقد ارتكبت نادية أولى جرائمها الإنسانية حينما...اقرأ المزيد فرقت بين قلبي صديقتها كوثر (هند رستم) وابن خالتها ليس إلا بسبب الغيرة والأنانية الذين فتحا الطريق أمام صفات أبشع للاستقرار في قلبها.. مرت الأيام وتلقت نادية صدمة لما أخبرها والدها أنه ينوي الزواج، فهي تعلقت به بشكل جعلها تشعر أنه ملك لها ولم تتخيل أن يأتي اليوم الذي ينشغل فيه عنها بامرأة أخرى، وهو ما كان فعلا.. فلم تستحمل نادية ذلك وقادها للبحث عمن قد يعوضها ولو جزءا بسيطا من حنان الأب، وأول رجل صادفها (عماد حمدي) قررت الاتصال به، ولأن هذا الشخص في سن والدها تقريبا فقد صور لها لاوعيها أنه الرجل المناسب، ودخلت معه في علاقة غرامية ووقعت معه في الخطيئة أكثر من مرة بعد أن اعتادت زيارته في شقته.. لكن ذلك لم يخلصها من غيرتها على أبيها من زوجته (مريم فخر الدين)، فكان قلبها في الموعد ليقودها لارتكاب جريمة لم يضع لها القانون عقوبة رغم أنها أخطر من كل جرائم الكون، فقد نفذت خطة محكمة أوهمت بها والدها أن زوجته تخونه مع شقيقه (عمر الشريف)، وكان رده قاسيا حيث قام بتطليق الزوجة المخلصة التي غيرت حياة العائلة للأفضل، وطرد الأخ الذي ورغم شغفه بالجنس الآخر إلا أنه لم يفكر للحظة في خيانة أخيه.. وهكذا شتتت نادية عائلة كاملة استجابة لأوامر قلبها المليء بالسواد والحقد والأنانية.. وبين أخطائها التي لا تغتفر وتأنيب الضمير وقفت نادية حائرة نادمة على ما صنعته، فأرادت التكفير عن ذنوبها، وبمجرد أن التقت صدفة بإحدى ضحاياها، صديقتها كوثر التي سبق وأن فرقت بينها وبين حبيبها، عرفت والدها عليها ليتعلق بها ويقرر الزواج منها ولم يكن يعلم أنها على علاقة بشخص آخر (رشدي أباظة)، وبعد الزواج ظلت كوثر وفية لعشيقها فكانت تستغل انشغالات زوجها للالتقاء به، وكانت نادية على علم بهذه العلاقة إلا أنها لم تخبر والدها خشية عليه من صدمة أخرى، فادعت أن عشيق كوثر هو صديقها وينوي التقدم لها.. وعجزت طوال هذه الفترة عن مصارحة والدها بالحقيقة، وكانت نادية قد زارت صفية طليقة أبيها للاعتراف لها بأخطائها والاعتذار منها إلا أنها تفاجأت بحضور حبيبها السابق مصطفى وعلمت أنه خطب صفية فلم تقو على مواجهتها بالحقيقة.. وهكذا تكون نادية قد خسرت كل شيء وأصبحت حياتها جحيما، كل هذا وأكثر ليس إلا عقوبة دنيوية نظير ما ارتكبته في حياتها.. وفي أحد المشاهد الختامية الدالة على عبقرية العظيم صلاح أبو سيف تقوم طفلة بريئة خاطئة بإسقاط شمعة على فستان نادية لنشاهد النيران التي ترمز إلى جهنم تغطي ملامحها في دلالة على النهاية الحتمية لكل من يكرس قلبه في إلحاق الأذى بالآخرين لمجرد حبه الكبير لنفسه وأنانيته.. قال الله تعالى: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" صدق الله العظيم. رواية إحسان عبد القدوس، وإخراج عملاق الواقعية صلاح أبو سيف، والبطولة لكل من فاتن حمامة ويحيى شاهين ومريم فخر الدين وعمر الشريف وعماد حمدي وهند رستم ورشدي أباظة.. فيلم متكامل من سيناريو وحوار وإخراج وأداء تمثيلي، بالإضافة إلى موسيقى فؤاد الظاهري الرائعة التي تكاد لا تتوقف طوال الفيلم ما يضيف للمشاهد انسجاما واستمتاعا بأحداث الفيلم. كلماتي قاصرة عن تقييم أداء الممثلين أو نقد إخراج أبو سيف، إلا أن الموضوع الوجودي بالغ الأهمية الذي يناقشه الفيلم جعلني أكتب هذا المقال للتعبير عن مدى تأثري بهذه التحفة الفنية العظيمة.


لاأنام ....و عقدة ألكترا :

" يارب خذنى إليك لأسألك حكمتك فى تعذيبى ....خذنى إليك أو كف عنى العذاب لأستريح" ....هكذا بدأ فيلم لا أنام على طريقة النارشن narration و هى التعليق على أحداث الفيلم او التعريف بأبطاله و هى طريقة استخدمتها الفنانة فاتن حمامة فى كثير من أفلامها منها موعد مع الحياة و موعد مع السعادة و طريق الأمل و نهر الحب ...و تدور أحداث الفيلم حول الفتاة المراهقة نادية لطفى الذى إنفصل ابواها بالطلاق و عاشت هى معه تخدمه و ترعاه حتى أحست أنها مسئولة عنه ..فقد تعلقت به تعلقا شديدا كما فى أحداث قصة ألكترا التى كانت...اقرأ المزيد تحب اباها حبا جما ..و مقابل الفتاة ألكترا هو اديب الذى كان يحب أمه بنفس الدرجة ...و تصدم نادية عندما تعلم أن اباها سوف يتزوج مجددا ...فهى ترى أنه ليس فى حاجة الى الزواج طالما هى تقوم بخدمته و الإهتمام بشئونه...و تشعر نادية بالغيرة الشديدة و الحقد على الأخرين فهى تعانى من رغبة داخلية فى ايذاء المحيطين بها و ترجع ذلك لإنها كانت محرومة من حنان و عطف أمها ...فتحيك المؤامرات ضد زملائها بالمدرسة و تتسبب فى ايذاء الآخرين ...معتمدة على وجها البرئ الساذج ...و لذلك استخدمت اسلوبها الشرير فى الوقيعه بين اباها و زوجته صفية متهمة اياها بأنها على علاقة بعمها ...و بالفعل تتسبب فى طلاقها ...و تشعر نادية بالندم بعد ذلك و تجد صعوبه فى الاستسلام للنوم فهى تدرك جيدا برأتهما...و تتورط نادية فى علاقة مع رجل أكبر منها فى السن و تقع فى حبه و لكنه يتزوج من طليقة والدها صفية فتشعر بالغيرة و الندم ...و تضطر أن تزوج والدها لزميلتها بالمدرسة الفتاة اللعوب كوثر و التى تقبل بالزواج منه لثرائه رغم انها على علاقة بسمير عشيقها ...و تحتار نادية من تلك المرأة الخائنة فهى تخشى على والدها من الاعتراف عليها خوفا عليه من الصدمة مجددا و لكن كوثر تكون أكثر دهاءا منها ومكرا فتورطها فى الزواج من سمير حتى تضمن بوجوده بجانبها ...وهنا تلجأ نادية لعمها الذى ينصحها بالبوح بالحقيقة كلها و بالفعل فى يوم زفافها ترفض اتمام القران و تبوح لوالدها بكل شئ و لكنها تحترق نتيجة شمعة سقطت على فستان فرحها و تتشوه و تعترف لوالدها بالحقيقة كلها و أن صفية و عمها مظلومين و هى التى دبرت تلك المكيدة ..فيسامحها والدها و يطلب منها أن يبدأوا حياتهم من جديد ...و ينتهى الفيلم بالنارشن ايضا فتقول فاتن " يارب لا تتركنى للضلال و لاتتخلى عنى للخطيئة و أجعل الخير ينتصر فى على الشر ...يارب ألهمنى راحة الضمير حتى أستطيع أن أنام " ...وهكذا انتهى فيلم يعتبر من كلاسيكيات السينما المصريه و حقق نجاحا كبيرا وقت عرضه حتى أنه عرض فى سينمات الدرجة الاولى بعد سنوات طويلة من عرضه الاول ...و لكن هناك بعض السقطات التى وقع فيها الفيلم أحب أن أشير عليها ...منها كلمة أسالك حكمتك فى تعذيبى و هى هنا تخاطب الله عز و جل و لا ينبغى بالطبع أن تسأل الله فى ذلك فهو يسأل و لا يُسأل ...ثم عدم ظهور أمها طوال أحداث الفيلم و لو فى مشهد واحد رغم التأكيد على أنها على قيد الحياة ..ففى حفلة زفافها لم تظهر و عندما أحترقت لم نشاهدها ...وهى سقطة من مخرج الواقعية صلاح ابو سيف و كان من الاولى اختفائها بالموت مثلا طالما ليس لها أحداث مؤثرة فى الفيلم ...ثم زواج والدها من زميلة ابنته بالمدرسة ليس و اقعيا فكيف يتزوج من فتاة فى سن ابنته ...و لقد اعترضت الرقابة و النقاد وقت عرضه على بعض مشاهده ...منها ذهاب فتاة مراهقة لمنزل رجل أعزب ومشاهد القبلات بينهم و تبديل ملابسها المدرسية بملابس اخرى بالمصعد كأنها تعلم الفتيات كيفية التحايل على القيود ..فضلا على المكائد التى تقوم بها لخراب البيوت ...بقى أن تعلم أن فاتن حمامة رفضت القيام ببطولة هذا الفيلم لآنه دور لفتاة شريرة و هى تعودت فى أفلامها على أدوار الفتاة المنكسرة و الملغوبة على أمرها و خشيت من كره الجمهور لها و لكن المخرج اقنعها أنه لابد من أن تغير من أدوارها و لا تحبس نفسها فى دور و نمط واحد ...و عندما حضرت العرض الأول للفيلم سمعت سباب الجمهور لها فعاتبت المخرج و أكدت له ظنونها فأجابها إن هذا الهجوم يؤكد نجاحك فى أداء الدور ...و لكنها رغم ذلك قررت عدم أداء ادوار الشخصيات الشريرة بعد ذلك وهذا ما حدث ..و معلومة أخرى احب أن اضفها ..هى اختيار الفنانة نادية لطفى اسم بطله القصة كأسم للشهرة لها لان اسمها الحقيقى بولا محمد شفيق وذلك لاعجابها بالقصة و بطلته فضلا عن اعجابها بكتابات المؤلف احسان عبد القدوس الذى برع فى الغوص فى مشاكل امرأة و همومها ...و أخيرا كان أداء الابطال جميعهم على مستوى عالى من الجودة و قد حصلت مريم فخر الدين على جائزة عن دورها فى هذا الفيلم و كانت الموسيقى التصويرية مناسبة تماما لاحداثه وتمكن صلاح ابو سيف من الامساك بكل مشاهد الفيلم مع استخدامه للالوان استخداما معبرا ... ليبقى بعد ذلك فيلم لاأنام علامة هامة فى تاريخ السينما المصرية .