أراء حرة: فيلم - قفطان الحب - 1988


فيلم " قفطان الحب " لمومن السميحي : بين ثراء الصورة وغرابة المعنى .

فيلم " قفطان الحب " لمومن السميحي بين ثراء الصورة وغرابة المعنى فيلم " قفطان الحب المنقط بالهوى " للمخرج السينمائي المغربي مومن السميحي ، يحاول أن يقارب موضوعتين نفسيتين هما النرجسية والازدواجية . وقد اعتمد المخرج من أجل تحقيق هذا الغرض عالم الأحلام بكل ما يحمله من غرائب وعجائب ومتناقضات ، الشيء الذي جعله يتجاوز قانون التاريخ والأخلاق والعقل . لقد أراد أن يعبر عن واقع موجود بواسطة حلم ينذر أن يتحقق ، مما أضفى على البنية الدلالية لخطابه السينمائي كثيرا من الالتباس والغموض ، ففتح...اقرأ المزيد المجال واسعا أمام المتفرج ليطرح أسئلة من هذا النوع : ماذا يريد السميحي تبليغه ؟ لماذا التجأ للحلم من أجل التعبير عن الواقع ؟ أي نوع من الجمهور يريد مخاطبته ؟ . الواقع أنك تغادر قاعة العرض – إذا كنت قد شاهدت الفيلم لأول مرة – وذاكرتك مملوءة بمجموعة من الصور التي يصعب أن تستجلي منها فكرة واضحة . إنك بكل بساطة أمام صور تتحرك أمامك دون أن ترسم في ذهنك أحداثا متماسكة تكون بناء دراميا متناميا واضح المعالم حافلا بعنصر التشويق الفني ، ذلك أن مومن السميحي تبنى طيلة فيلمه تقنية التكسير على الرغم من اعتماده قصة شفوية منطق تشكلها الفني يوحي بالمحافظة على التسلسل الزمني والترابط المنطقي . تبدأ عملية الزج بالمشاهد في عالم الأحلام منذ المشهد الأول من الفيلم ، حيث يقدم لنا المخرج البطل ( خليل ) في صورة إنسان حالم يرغب في الزواج من فتاة جميلة يصادفها على شاطئ البحر . هناك في ذلك المكان يستقر شيخ أعمى يقربه من هوية معشوقته ( رشيدة ) . وينقطع المشهد ، ليكتشف البطل أن ما رآه ما هو إلا حلم لذيذ ، وليكتشف المشاهد معه أن ما كان يشاهده لا يمت إلى الواقع بصلة . وينقلنا المخرج من هذا العالم الحالم إلى عالم الواقع حيث بطل الفيلم إنسان عاد يباشر عمله بما يستحقه من الجدية ، وتربطه بمؤسسات المحيط الذي يحتضنه علاقات طبيعية ، إلا أن الشيء الوحيد الذي يملأ حياته أكثر من غيره هو ذلك الحلم ، حلم تلك الفتاة الجميلة التي يسعى للارتباط بها . من هنا يبدأ إحساس المتفرج بالغرابة ، فتشتد حيرته ، وتكثر تساؤلاته ، وتتعدد افتراضاته : هل من المعقول أن يصادف الإنسان فتاته النموذجية أثناء الحلم ، ثم يعتقد للتو أنها ستكون شريكة حياته ؟ وتتبدد عناصر هذا السؤال حينما يطالعنا المخرج بمشهد تلتقي فيه عينا الحالم بالصورة ذاتها التي ظهرت على الشاطئ فابتلعها البحر بعد ذلك . وكأن المخرج يدعو المشاهد لتصديق هذا الحلم ، وليتابع معه سيناريو الأحداث الواقعية التي ستبتدئ بالخطوبة ، ليتبعها الزواج بعد ذلك . كل ذلك مر في لحظات سريعة تم فيها اختزال الزمن والمسافات ، حتى إن المشاهد نفسه اكتشف أن عليه أن يركز جيدا لكي يفهم ما يمر أمامه ، عليه ألا يحلل الأحداث لكي لا تفوته أخرى ، بل إنه بدأ يكتشف أن ما يجري أمامه على الشاشة مجرد وهم في صورة واقع ، خصوصا أثناء بعض اللحظات التسجيلية من الفيلم التي حاول المخرج من خلالها تلخيص الجو العام الذي تمر فيه بعض الأعراس المغربية حيث جماعة من النساء يرددن أغنية مصرية ، يرقص على إيقاعها جسد أنثوي لا يتورع في الكشف عن مفاتنه . هنا يتساءل المشاهد : هل هذا النوع من الأعراس موجود بمنطقة الشمال خصوصا وأن المكان الذي يحتضن وقائع الفيلم هو مدينة طنجة ؟ أم أن الأمر يتعلق بتصور معين لعرس ينبغي أن يتحقق ؟ أم أنه مجرد حلم من الأحلام التي تشكل نسيج الفيلم ؟ إلا أن هذه التساؤلات تبقى مطروحة ، ولن تتحدد معالم الإجابة عنها إلا من خلال متابعة بقية الأحداث التي تتسم عموما بسرعة التوارد لدرجة أن المشاهد يفاجأ بمشهد ما لم تكن الأحداث السالفة قد بشرت به . وتنطلق مرحلة أخرى من الفيلم مباشرة بعد انتهاء حفل الزواج ، حيث تبتدئ المشاكل التي لم يكن بطل الفيلم يحسب لها حسابا . فزوجته الحسناء إنسانة غير عادية ، معجبة بجسدها إلى درجة الجنون ، فهي تقف ساعات طوال أمام المرآة للتمتع بجماله ، مما زاد في تعميق مرضها ، فأصبحت تتخيل أن الصورة التي في المرآة ليست صورتها ، وإنما هي صورة إنسانة أخرى أكثر منها بهاء وجمالا وتريد أن تسرق منها زوجها الذي تعشقه عشقا مرضيا . وتنجب ( رشيدة ) صبيا ويتم الاحتفال به على عادة الكثير من الأسر المغربية التي تذبح كبشا كلما ازدان فراشها بمولود ذكر . في هذه اللحظة بالذات تبدأ أول ملامح الفاجعة . ذبح الكبش بسكين لا تستخدم عادة إلا للحلاقة ، ولقطة مكبرة للدم الأحمر يسيل غزيرا من عنق الكبش . ويحس المشاهد حينئذ بالكثير من التقزز وهو يشاهد هذه اللقطات . أما ( رشيدة ) – باعتبارها امرأة غير عادية – فلم تتأثر بهذا الطقس الاحتفالي المروع ، بل أحست بأن هذا الطفل الصغير هو بمثابة جسد غريب عنها ينبغي التخلص منه في أقرب مناسبة . وبالفعل تم لها ذلك في جو تورع فيه