س: من واقع مشاهدتك لـThe Big Short... عرف (مقايضة عجز الائتمان)!

  • مقال
  • 04:03 مساءً - 11 فبراير 2016
  • 1 صورة



ملصق فيلم The Big Short

ج: على الرغم من كراهيتي الشديدة لاستخدام مصطلحات "فيلم فني" أو "فيلم تجاري" عند تناول فيلم ما لأنها تحصر الرؤية دومًا في زاوية محددة سلفًا لا تحيد عنها، لكن تجاوزًا سنقول إنه حتى لو كنت - كمخرج أو لنقل صانع أفلام -تصنع فيلمًا فنيًا يستهدف شريحة بعينها من المشاهدين الذين يملكون الاطلاع الكافي وفنون الثقافة التي تمكنهم من هضم هذه الأفلام، وليس حتى فيلمًا تجاريًا يستهدف السواد الأعظم من الجمهور، فإنك في داخلك تعرف بالضبط إلى من ستتوجه بفيلمك، وتعرف من هو جمهورك، وعندما لا تعرف من هو جمهورك الذي تستهدفه، فهذه بالتأكيد كارثة محققة.

وإذا أردنا أن نضع توصيفًا موجزًا للأزمة التي وقع بها فيلم The Big Short الذي يتنافس هذا العام في سباق الأوسكار بقوة، فهي "عدم معرفة الجمهور المستهدف على وجه الدقة"، مما أوقعه طوال وقت عرض الفيلم في المعضلة المتركزة حول ما إذا كان الفيلم موجهًا نحو عامة الجمهور بشكل عام بصرف النظر عن مدى اطلاعه وإلمامه بوقائع الأزمة الاقتصادية العالمية وبعالم الاقتصاد بشكل عام، أم إلى الجمهور المثقف الذي ربما يعرف شيئًا ما عن الاقتصاد بدون اشتراط التعمق بها، وهذا التخبط هو ما أدى لذهاب الفيلم إلى جمهور جديد، لكنه بالتأكيد أقل عددًا من الجماهير السابقة.

إن جمهور هذا الفيلم - مع الأسف - الذي سينجح في فهم هذا الفيلم بشكل كامل هو الجمهور العامل في مجال الاقتصاد بشكل كامل، هو الجمهور الذي يتابع ويحضر جلسات البورصة ويعمل في شركات السمسرة والاستثمار وينخرط حتى أذنيه في متابعة مستجدات سوق الاقتصاد، وهذا الجمهور وحده، ووحده فقط، هو الذي سينجح في فهم كل شيء يحدث أمامه، وإذا لم تكن من هذه الشريحة، أحب أن أبلغك بخبر سيء: لن تفهم شيئًا على الإطلاق من هذا الفيلم.

ربما لا تخلو جملة واحدة في حوار الفيلم من عشرات المصطلحات الاقتصادية التي تتلاحق بلا هوادة وبلا رحمة على أسماع المشاهد، وما أن يحاول التخمين في ما تعنيه الجملة الأولى كوحدة مترابطة، تحل الجملة التالية لتنسيك ما كنت تحاول فهمه في الجملة الأولى، وهكذا يصبح المشاهد في سباق وحشي من أجل ملاحقة هذه المصطلحات المعقدة كمثل من يشاهد فيلمًا ناطقًا باللغة الكورية بدون ترجمة.

لم تكن أزمة الفيلم في بنيته على الإطلاق، فالبنية واضحة بشكل كبير، أمامك ثلاث قصص مختلفة ومنفصلة لا يجمعها سوى اكتشاف أبطالها نفس الفكرة التي وردت إليهم، والتي لم أفلح حتى الآن في فهمها على الإطلاق حتى تطوع عدد من أصدقائي بمحاولة توضيح الأمر لي، وحتى مع محاولة استدراك صناع الفيلم لمدى صعوبة وكثافة المصطلحات الاقتصادية التي يحتوي عليها الفيلم.

وعلى ذكر الاستدراك، فمن الواضح أن صناع الفيلم عندما قرأوا السيناريو، قالوا لأنفسهم: "يا للسماء، هكذا لن يفهم هذا الفيلم سوى من يرتاد وول ستريت أو يقرأ الملحق الاقتصادي لجريدة نيويورك تايمز، ماذا سنفعل، ماذا سنفعل؟". ثم لمعت الفكرة في أذهانهم: "لماذا لا نحاول ببساطة أن نشرح لهم بعضًا من هذه المصطلحات المعقدة باللغة التي يفهموها؟ وبدون أن يبدو الأمر مبتذلًا بقدر الإمكان؟"

ولهذا الغرض، تأتي ثلاث مشاهد يظهر بها عدد من ضيوف الشرف على رأسهم مارجوت روبي و سيلينا جوميز ليقوموا بشرح ثلاث مصطلحات استغلقت على الجميع، أي نعم كانت مشاهد جذابة ومبتكرة وخفيفة الظل ومسموح بها أيضًا في إطار الشكل الفني الحر الذي اختاره المخرج آدم مكاي لبنية فيلمه، لكنها أيضًا لم تحل المشكلة، ولم تنجح في إيجاد الكفة المناسبة لكي يصير كل مشاهدي الفيلم على مستوى واحد خلال التلقي، بالإضافة إلى تمتعها بنزعة تلقينية رغم خفة ظلها إذا نظرت إليها بمعزل عن بقية الفيلم.

وبعيدًا عن شلال المصطلحات، ستجد نفسك مهتمًا إلى حد ما - لكن ليس إلى درجة التوحد - بالقصص الشخصية الجانبية التي نعرفها عن أبطال الحكايات الثلاثة بين السطور، سواء حكاية الدكتور بوري ( كريستيان بيل) مع عينه الزجاجية وقصة زواجه عبر إحدى مواقع المواعدة، أو عصبية مارك بووم ( ستيف كاريل) المستمرة بسبب ظروفه الشخصية، وربما كان هذا ما منحنا فسحة من الوقت قبل أن نواصل المطاردة الوحشية من جديد.

ورغم كل ما سبق، ورغم إنهاكي من مطاردة المصطلحات، إلا أنني أجد نفسي معجبًا بالمنهج الإخراجي لآدم مكاي هنا، وهو ما جعلني متقبلًا لتواجده مع المرشحين لجائزة الأوسكار في فئة الإخراج، فهو يمنح فيلمه من الخارج شكلًا وثائقيًا يسمح له بالحراك بحرية وهو سائر إلى الإمام، فيلجأ إلى استخدام مكثف للمادة الصورية والفيلمية من أجل التأكيد على هذه اللمسة الوثائقية، مع كاميرا متلصصة تتحسس خطواتها وتراقب دون تدخل وتقترب بعض الشيء من طريقة تصوير مسلسل The Office، كما سمح له هذا الشكل الحر بالتحرك بحرية شديدة بين الحكايات الثلاث، بالإضافة إلى لجوءه بالطبع إلى هدم الجدار الرابع ليتواصل أبطاله مع الجمهور مباشرة حتى مع صعوبة موضوع الفيلم وحتى مع عدم فاعلية هذه الوسيلة بشكل كامل.

وإذا كنت مصرًا على مشاهدة الفيلم، فعليك بحلين: إما أن تذهب إلى أقرب مكتبة في منطقتك وتطلب منهم قاموسًا اقتصاديًا متخصصًا، وإذا لم يكن هذا الحل عملي، فالحل الثاني هو الاستعانة بصديق لك لديه خلفية جيدة عن الاقتصاد لكي يترجم لك ما لا تفهمه هنا.

وصلات



تعليقات