الهدوء العاصف قبل زحمة الصيف

  • مقال
  • 10:54 صباحًا - 14 ابريل 2016
  • 1 صورة



قبل زحمة الصيف

فيلم "قبل زحمة الصيف" تقع أحداثه في قرية بالساحل الشمالي، قبل زحمة الصيف، ولا يمكن اعتبار الاسم مجرد تعبير عن زمن الفيلم، فحين يتعلق الأمر بـ محمد خان يصبح للاسم معنى أعمق، ففي سينما محمد خان يصبح للمكان والزمان دور في الفيلم وكأن القرية بطل من أبطاله وزمن قبل زحمة الصيف تحديدًا يلعب دور أكثر من مجرد اختيار عشوائي من قبل المخرج.

يركز الفيلم على خمسة شخصيات رئيسية، كلهم حدث وأن تجمعوا في وقت واحد في قرية ساحلية قبل زحمة الصيف، كل منهم معبأ بمشاكل قاهرية جاء هربًا منها، أو معبأ بفراغ جاء بحثًا عما يملأه وكلمة "قاهرية" من محافظة القاهرة، فعلى الرغم من أن أحداث الفيلم تقع في الساحل الشمالي إلا أن جو الفيلم قاهري بحت، وهو شيء منطقي نظرًا لأن محافظة القاهرة هي عشق المخرج محمد خان.

هالة سري : تقوم بدورها هنا شيحة، امرأة مطلقة، أم لطفلين، مثيرة جدًا، جاءت للقرية وحيدة لتقابل حبيبها "هشام" الممثل الثانوي الذي تقيم معه علاقة غير شرعية.

هشام: يقوم بدوره هاني المتناوي، ممثل في الرابعة والأربعون من عمره، لم يحقق أي نجاح في عالم التمثيل، جاء القرية بناءً على إلحاح من "هالة".

دكتور يحيى: يقوم بدوره ماجد الكدواني، دكتور ومدير مستشفى في نفس الوقت، لديه طبيعة متلصصة، جاء القرية هربًا من قضية قد تتسبب بالزج به في السجن.

ماجدة: تقوم بدورها لانا مشتاق، زوجة الدكتور يحيى، سيدة مجتمع من عائلة غنية، جاءت القرية في محاولة للتخلص من توترها نظرًا لزواجها المهدد وزوجها نفسه الذي يعاني من الخطر.

جمعة الجنايني: يقوم بدوره أحمد داوّد، يعمل على خدمة سكان القرية بدلًا من أخيه الغائب بسبب زواجه حديثًا، مبتسم دائمًا على الرغم من فقره، خدوم ولكنه مزعج أحيانًا كثيرة.

"الجنس"

باعتباره محرك أساسي للأحداث: يمكننا قراءة الفيلم من منظور جنسي وباعتبار حقيقة أن الجنس يؤثر في أفعال البشر مباشرة، فخلال الفيلم إما يرفضه البعض، أو يقبله البعض أو يشتاق إليه البعض دون الوصول إليه. فهالة سري تحتاج للجنس وأصر المخرج على إخبارنا أن هالة ليست فقط في حاجة إلى الحب ولكنها في حاجة إلى رجل بكل ما في كلمة رجل من معنى شعوري وجسماني أيضًا، ولكي تحصل هالة على هذه العلاقة تخلت عن "بريستيجها" كأم مطلقة ولها وضعها الاجتماعي، بل وتخلت عن كرامتها أيضًا، فنجدها تلح إلحاحًا شديدًا على هشام أن يمكث معها للصباح على الرغم من صياحه في وجهها وإخبارها بوضوح أنه ليس زوجها وليس لها أن تتحكم فيه.

أما دكتور يحيى فزوجته مثال لسيدات المجتمع من الطبقة الوسطى، لا تهوى الجنس كثيرًا، نعم، تحب زوجها ولكنه حب خال من الشبق، حب بمعناه العادي، ولا يحتاج الرجل عادةً إلى هذا النوع من الحب، فيلجأ دكتور يحيى لصور عارضات الأزياء النحيفات –نظرًا لزيادة وزن زوجته- ثم تشاء الأقدار أن تمكث بجوارهم أنثى "هالة سري" تحمل درجة جمال وإثارة عارضات الأزياء، فلا يستطع الدكتور يحيى عند هذه النقطة -نظرًا إلى طبيعته المتلصصة- إلا أن يتحول تركيزه بالكامل إليها، وعلى الرغم من أنه ضد فكرة الجنس خارج منظومة الزواج كأي رجل شرقي لكنه لا يستطيع أن يقاوم جمالها الواضح، هو لا يريد تحديدًا أن يمارس معها الجنس ولكنه لن يرفض إذا جاءته الفرصة، هو لن يخون زوجته ولكن إذا جاءته الخيانة لن يجعلها تمر مرور الكرام.

وهناك جمعة الجنايني، شخص فقير، دوره في الفيلم هو تنفيذ أوامر سكان القرية وفي هذه الحالة كانوا دكتور يحيى وزوجته وهالة سري فقط، مستواه الاجتماعي لا يؤهله لأن يكون جزء من الأحداث، ولا يؤهله لأن يخوض معهم حوار أكثر من توصيل الجرائد لهم كل يوم، على الرغم من بؤس حياته تجده مبتسمًا دائمًا، ونتيجة لمكوثه في القرية يقابل ربما لأول مرة أنثى لا ترتدي زي صعيدي، وليست أي أنثى هي امرأة بالغة الأنوثة، لا ترتدِ شيء إلا ويظهر مفاتنها، هو يعلم تمامًا أنها بعيدة عنه كبعد المشرق عن المغرب وعلى الرغم من رفضه لفكرة الجنس خارج إطار الزواج مثله مثل دكتور يحيى -بدليل أنه لا يجد حرج من ملاحقة شاب أجنبي وصديقته يقبلان بعضهما على الشاطئ- إلا أنه يجد نفسه يتخيل نفسه معها على نفس السرير، وبكل تفاصيل العلاقة كأنها تحدث فعلًا، هو على عكس أستاذ يحيى يريد ممارسة الجنس معها بكل جوارحه والشيء الوحيد الذي يستوقفه هو إدراكه لفرق المستوى الاجتماعي بينهما، من الممكن هنا كمشاهد أن ترفض هذا الفعل باعتباره بادئة تحرش، ولكنك لا تملك سوى أن تتعاطف مع جمعة، فأنت تعلم أنه لن يقدم على ذلك الفعل في الواقع بل هو مجرد حلم في خياله سينتهي ما أن تأتي زحمة الصيف.

في الفيلم هناك مشهدان جنس، الأول يجمع هشام بهالة في الواقع، والثاني يجمع هالة وجمعة ولكن في خيال جمعة فقط، ويمكن بسهولة إدراك أن المشهد في خيال جمعة أكثر التهابًا من المشهد الواقعي، هو يرى في نفسه رجل قادر على إشباع غرائز هالة أكثر من ذلك الممثل الثانوي، هو في تلك اللحظات ينسى تمامًا كونه جنايني فقير وفي خياله تتساوى الرؤوس بل وتتفوق على اختيار هالة، فنجده يقبلها بقوة بالرغم من أنه على الأرجح لم يقبل أي أنثى في حياته من قبل.

الأبواب والشبابيك المفتوحة والمغلقة ورمزيتها

تظهر الأبواب والشبابيك المغلقة والمفتوحة في الفيلم بشكل يصعب عليك تجاهله، ففي الفيلم ترمز الأبواب والشبابيك المفتوحة والمغلقة للحياة بشكل عام، وحياة شخصيات الفيلم بشكل خاص، فالحياة ما هي إلا أبواب تفتح وتغلق بعشوائية شديدة.

هشام يدخل على هالة سري الشاليه في بداية الفيلم أساسًا لأنه وجد الباب مفتوحًا، وكأن مشاعرها وحياتها متاحة لكل الناس، الأمر الذي سينتهي أخر الفيلم، حين تغلق الباب في وجهه وللأبد كأنها ملت بعثرته لكرامتها في أي حديث خارج حدود السرير. وفي علاقة دكتور يحيى بزوجته ماجدة تعبر الأبواب دائمًا عن طول المسافة بينهما، فهي دائمًا ما ترفضه وتغلق الأبواب في وجهه وتخبره مرارًا وتكرارًا أن الكيل فاض بها وأنها عازمة على الرحيل، أيضًا إغلاق هالة سري للشباك في وجه جمعة الجنايني تارة والباب تارة أخرى يعبر عن رفضها المستتر له فعلى الرغم من أن جمعة جنايني خدوم ولكنه مزعج أحيان كثيرة ويزعجها إلحاحه ونظراته الوقحة. إذًا فالأبواب المغلقة أو المفتوحة تعبر في الفيلم عن عدة أشياء وظفها محمد خان بذكاء شديد كالعادة.

مشاهد العشاء وتوظيف عكس الدارج

من الصعب تجاهل مشاهد الأكل حينما يتعلق الأمر بسينما محمد خان، ففي أفلامه دائمًا ما يعبر الأكل عن شيء ما، أما عن الألفة أو الصداقة أو الحياة أو حتى الطمع.

فيلم قبل زحمة الصيف يحتوي على مشهدان عشاء، كل منهم يعمل عمل القنبلة الموقوتة فبعدهما تنقلب الأمور رأسًا على عقب. المشهد الأول هو ذلك الذي يجمع هشام وهالة في الشاليه، وهو نفس المشهد الذي سيترك فيه هشام هالة للأبد دون رجعة، والمشهد الثاني هو مشهد العشاء بين كلا من دكتور يحيى وهالة وماجدة زوجة دكتور يحيى، وهو نفس المشهد أيضًا الذي ستنقلب فيه ماجدة على زوجها وتهدده بالرحيل، بسبب ملاطفته الواضحة لهالة على سفرة العشاء، دون وضع وجود زوجته معهم على نفس السفرة في الاعتبار!

سفرة الطعام التي من المفترض أن تجمع شتات الناس بحميمية في هذا الفيلم كانت مليئة بالتوتر، فيتحول الحب والكره وبوادر الصداقة لخبث.

نهاية جميلة كالعادة

لا أتذكر أن شاهدت فيلم لمحمد خان ولم أخرج منتشية من جمال النهاية، أتذكر على وجه الخصوص نهاية فيلم " الحريف" والجملة الأخيرة "خلاص يا بكر.. زمن اللعب راح"، وفيلم " أحلام هند وكاميليا" ومشهد إيجاد الطفلة أحلام وكأنها أحلامهم الضائعة. هنا أيضًا في فيلم "قبل زحمة الصيف" يسطر محمد خان نهاية من أجمل ما يكون، فيها تأتي زحمة الصيف وتموت المشاكل أو تسكن، فودعت هالة صديقها المستغل للأبد، وسقطت قضية دكتور يحيى، حتى ماجدة هدأت ثورتها ولم تترك زوجها أو تهاجر لابنها كما هددته، نعلم أن هشام وجد نفسه في عالم النجومية وجمعة ترك القرية أخيرًا وسافر إلى مصر. وكانت هذه طريقة المخرج لإخبارنا أنه على الرغم من التوتر الموجود بوضوح في حياة شخصيات الفيلم وحياتنا كمشاهدين جميعًا ستأتي حتمًا.. يومًا ما.. زحمة الصيف لتملأ فراغات حياتنا كما ملأت فراغ القرية في الفيلم.

في نهاية المقال أود تهنئة ثلاث أشخاص: محمد خان لأنه مجددًا يتناول الجنس من منظور مختلف عن الدارج حاليًا، فالجنس هنا على الرغم من خروجه عن إطار الزواج إلا أنه يعبر عن الحب وليس عن العهر. وهنا شيحة لقبولها دور كانت لترفضه معظم ممثلات الجيل الحالي، كانت شجاعة منها أن تقبل الدور في ظل تزايد "مهابيل" السينما النظيفة مؤخرًا في مصر. وأحمد داوًد: لآداءه الاستثنائي في الفيلم، في رأيي كان هو أعظمهم.

شاهدت الفيلم ليلة الأحد 10 أبريل في العرض الخاص، وأنا لا أعلم اشياء كثيرة في العالم، ولكني خرجت من العرض وأنا أعلم شيئًا واحدًا علم اليقين وهو ان الفيلم وإن انتهى على شاشة السينما لكنه لم ينتهِ داخلي، فشكرًا محمد خان.



تعليقات