فيديو | صناعة الأحلام من موسيقى الأفلام

  • مقال
  • 12:41 مساءً - 26 يناير 2017



هل نسمع أولًا قبل الرؤية مثل الطفل الذي خرج لتوه من بطن أمه، فيستمع لكل الأصوات المحيطة دون أن يدركها وهو مغمض العينين؟ أم نرى الأشياء دون أي صوت فنُكون صورة بدون صوت.

كيف عرفنا من صوت الشجرة أنها شجرة؟ وكيف تخيلنا الشجرة بهذا الشكل الذي نعرفه؟ وهل تخيلنا الشجرة في شكل آخر قبل أن نراها عندما استمعنا لصوت حفيف أوراقها؟

لا توجد إجابات لدي على هذه الأسئلة، هي مجرد أفكار تدور في الذهن كلما تعلق الأمر بالصوت والصورة، وكيف تعمل عقولنا وعيوننا وآذاننا معهما؟!

عندما كنت طفلًا، لم يتخط العاشرة بعد، كانت موسيقى البرامج والمسلسلات والأفلام تصيبني بالجنون المبهج. كنت أستمع لموسيقى برنامج "أوسكار" تقديم سناء منصور، المأخوذة من مقطوعة Also Sprach Zarathustra للمؤلف الألماني ريتشارد شتراوس، والتي كانت موسيقى البداية لواحد من أشهر أفلام الخيال العلمي في تاريخ السينما للمخرج ستانلي كوبريك "2001: A Space Odyssey".

أما درية شرف الدين فقد كانت المقطوعة الشهيرة Moonbirds Supernova هي مقدمة برنامجها "نادي السينما"، مصاحبة لمجموعة من اللقطات الفيلمية في المقدمة، وخاصةً الطفلة التي ترتدي فستانًا أبيض مع نهاية التتر.

أيضًا برنامج جلال علام "مواقف وطرائف" اُقتبست موسيقى التتر من الأغنية الشهيرة "Money for Nothing".

أما برنامج "اخترنا لك" فلا يمكن أن تنسى موسيقى تتر البرنامج التي كانت إحدى علامات التسعينات "Mongo Santamaria, Cloud 9".

يوم الجمعة بعد الصلاة، البرنامج الإخباري "أنباء وآراء" بموسيقاه المميزة للموسيقار فرانك بورسيل "Amore Danse et Printemps"، تخيل كيف تحولت موسيقى تتحدث عن الحب والرقص إلى تتر برنامج إخباري علق في أذهان الكثيرين.

سامية الإتربي وبرنامجها "حكاوي القهاوي"، بموسيقاه الشهيرة للفنان يحيى خليل من ألبوم يسمى "قمر"، والتي ارتبطت بصورة مصر بكل تفاصيلها ووجوه بسطائها. تتر البرنامج كان عبقريًا، فتناغم الآلات الغربية والشرقية معًا صنع أثرًا عظيمًا في النفس.

كلما صادفت أذناي عملًا موسيقًا شهيرًا تذكرت أفلامًا ومشاهد ارتبطت بهذه الأعمال. وللموسيقيين الروس إسهام ملحوظ في الموسيقى التصويرية للسينما المصرية، خاصة في مرحلة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، تلك الفترة التي مُزج فيها بين الموسيقى التصويرية المصرية والعالمية، فظهرت أعمال موسيقيين كبار مثل فؤاد الظاهري والمؤلف اليوناني المصري أندريا رايدر، على الساحة وأظهرت أثرًا كبيرًا في شخصية الفيلم المصري.

الكثير من الأعمال الخالدة لتشايكوفسكي أثرت في خيال الكثير منا. لن أذكر أسماء الأفلام التي ارتبطت بأعمال هؤلاء الموسيقيين، فقط استمعوا إلى هذه المقطوعات لتروا أمام أعينكم كم الصور المتتابعة مثل مقطوعة "Marche Slave"، أو العملين البديعين لإيجور لسترافنسكي "The Firebird" و"The Rite of Spring"، كذلك مودست ماسورسكي ومقطوعتي "Night on Bald Mountain" و"Dance of the Persian Slaves"، وريمسكي كورساكوف بمقطوعته الشهيرة "Flight of The Bumblebee"، وبالتأكيد عمله الأشهر "Scheherazade".

من الصعب تخيل صراع بين الخير والشر في أفلام الأربعينات والخمسينات دون أن ترى بعينيك المشاهد مصحوبة بهذه المقطوعات العبقرية. لقد كان صناع السينما بمصر في هذه المرحلة مطلعين بشكل واسع على السينما العالمية والإنتاج الموسيقي الإنساني، فتجدهم استخدموا هذه الأعمال الكلاسيكية في محلها.

خلال الستينات كانت موسيقى وتوزيعات الموسيقار العبقري مانتوفاني "Annunzio Paolo Mantovani" منتشرة في الأفلام المصرية الرومانسية مثل مقطوعة "Mandolin Serenade"، التي قام مانتوفاني بتقديم توزيع جديد لها بعد ذلك واُستُخدم في كثير من الأفلام الرومانسية. فالعمل في الأساس من صناعة عبقري السينما الأول تشارلي تشابلن.

عندما استمع لتوزيع هذا العمل البديع لا أستطيع سوى مشاهدة فيلم "عاشت للحب" أمام عيناي، وذلك الألم الذي عاشته زبيدة ثروت عندما أحبت كمال الشناوي، الذي تركها بسبب شكوكه.

مقطوعة أخرى لتشارلي تشابلن تكررت كثيرًا في الأفلام المصرية الرومانسية أيضًا وهي مقطوعة "Limelight" وهي نفس عنوان الفيلم الذي قام تشابلن ببطولته مع كلير بلوم، ومنافسه الأشهر باستر كيتون الذي كان ضيف شرف للفيلم.

صَاحَبَ كل نوع من الأفلام موسيقى معينة، فمثلًا للأفلام الكوميدية الشهيرة كـ"سكر هانم" صاحبتها مقطوعة موسيقية شهيرة للموسيقار الفرنسي فرانك بورسل وهي "Les Hanches"، التي يرتبط بها مشهد "أنا مش شايف قدامي أيوها ست" لـعبد الفتاح القصري وعبدالمنعم إبراهيم متنكرًا في زي "سكر هانم"، وتطول القائمة لأفلام أخرى مثل "إشاعة حب"، و"لوكاندة المفاجآت و"ابن حميدو".. إلخ.

إلى جانب القصة والتصوير والإخراج، كانت الأفلام الكبرى في هوليوود أو أوروبا في القرن الماضي تُخلَد بموسيقاها، وكان السينمائيون المصريون يستمتعون باستخدامها في أفلامهم، فمثلًا: بعض أعمال الموسيقار المجري Miklos Rozsa خَلدت أفلامًا أصبحت من الكلاسيكيات مثل موسيقى فيلم ويليام وايلر "Ben-Hur" بطولة تشارلتون هيستون، والتي اُستخدمت كثيرًا في السينما المصرية في أفلام الحركة والإثارة.

خلال مرحلة الستينات والسبعينات استمر استخدام الموسيقى التصويرية المقتبسة من الأفلام العالمية أيضًا، فقد كان لـبرنارد هيرمان -رفيق أفلام هيتشكوك- تأثيرًا بموسيقاه على أفلامنا، فموسيقى فيلم Vertigo ميزت الكثير من أفلام الإثارة والتشويق.

مونتي نورمان وجون باري، لهذين الرجلين تأثير كبير على أفلام السبعينات، فموسيقى سلسلة أفلام جايمس بوند التي قدماها للعالم منذ عام 1962 كانت من علامات أفلام الحركة التي قدمها كثيرًا حسام الدين مصطفى فمثلًا فيلمه "جريمة في الحي الهادي" يعتمد بشكل كامل على موسيقى فيلم "Golden Finger". كذلك أفلام الـParody التي تألق فيها فؤاد المهندس بسخريته من العميل البريطاني الخارق في ثنائية "مستر إكس"، التي اعتمدت أيضًا على موسيقى نورمان وباري. وحتى اليوم لاتزال هذه الموسيقى تستخدم في السينما المصرية.

موسيقار آخر أثر في سينمانا بأعماله المستمرة حتى اليوم، والتي بدأت منذ أكثر من نصف قرن، الإيطالي إينيو موريكوني، صاحب واحدة من أشهر المعزوفات في تاريخ السينما "The Good, the Bad and the Ugly" بطولة كلينت إيستوود وإيلي والاش وإخراج سيرجيو ليوني.

هنري مانسيني/مانشيني، بموسيقاه الأشهر مع المحقق الفرنسي جاك كلوزو "بيتر سيلر" في فيلم " The Pink Panther"، التي جالت العالم مع صوت الساكسفون الذي يخلب القلوب.

في السبعينات أيضًا، تأتي واحدة من أشهر الأعمال التي استخدمت في الأفلام الكوميدية، وهي مقطوعة "The Via Veneto" للموسيقي الأمريكي بيرت باكاراك، من فيلم After the Fox بطولة الممثل البريطاني بيتر سيلرز. الموسيقى عبقرية لا يمكن أن تستمع إليها دون أن تتذكر المشهد الأشهر في فيلم "الحفيد" عندما التهم وحيد سيف وأسرته الطعام.

مقطوعة أخرى مميزة جدًا اُستخدمت كثيًرا في أفلامنا، اُقتبست من فيلم "Goodbye Charlie" بطولة ديبي رينولدز وتوني كيرتس.

معزوفة ثانية مليئة بالبهجة والحركة اُستخدمت في أفلام مثل "حكاية جواز" و"البحث عن فضيحة"، وهي المقطوعة الرائعة "Love is A Fabulous Thing" للموسيقي الأمريكي لي باكستر.

نضيف لهذه القائمة عبقري آخر، هو جون ويليامز، الذي قدم للعالم موسيقى لا ترحل عن الأذهان منذ أكثر من نصف قرن. واحدة من الموسيقات الشهيرة التي استخدمت في أفلام مصرية عدة هي موسيقى فيلم "How to Steal a Million" بطولة أودري هيبرن وبيتر أوتول. كذلك موسيقاه في فيلم Jaws لـسبيلبرج ليست بعيدة عن السينما المصرية، وإن لم تُستخدم كثيرًا فستجدها اُستخدمت في أحد البرامج التي تتحدث عن الطبيعة وعالم البحار، فالخوف الذي ارتبط بالاستماع لهذه الموسيقى مازال يصيب جسدي بالقشعريرة والقلق في كل مرة أستمع إليها وكأنها المرة الأولى.

موسيقى نينو روتا الأشهر على الإطلاق من ثلاثية The Godfather، لهذه المقطوعة تحديدًا أثر لا يمكن وصفه. أتذكر عندما كنتُ أشاهد التليفزيون في التسعينات كانت هذه الموسيقى تأتي في الفاصل بين البرامج ومعها بعض الفيديوهات التي ترسم جمال الطبيعة.

فانجليس أو Evangelos Odysseus Papathanassiou، المؤلف اليوناني الذي قدم مجموعة من أشهر المقطوعات الموسيقية للسينما خلال العقود الأربعة الأخيرة منها على سبيل المثال "Chariots of Fire" و"Conquest of Paradise".

القائمة طويلة، ولن تنتهي بمقال واحد أو حتى عشرات المقالات، لذا أود أن أختم بأغنيتين وليس موسيقى تصويرية، لهاتين الأغنيتين أثر رائع على النفس، الأولى هي أغنية "Somewhere Over the Rainbow" لـجودي جارلاند، والتي غنتها في الفيلم الكلاسيكي "The Wizard of Oz" والنسخة التي أود مشاركتها معكم هي من فيلم "You've Got Mail بصوت هاري نيلسون، تحديدًا مشهد الختام عندما قام "جو" بتجفيف دموع "كاثلين" قائلًا: "Don't Cry Shopgirl!"

الأغنية الأخرى، والعمل بأكمله في الواقع، واحد من أحلى أفلام الـMusical في تاريخ السينما بطولة الراحلين جين كيلي وديبي رينولدز ودونالد أوكونور "Singing in the Rain"، واحدة من أغاني الشتاء التي تمنحك هذه السعادة اللانهائية عندما تشاهد جين كيلي وهو يرقص ويغني تحت المطر.

أخيرًا فيلم Fantasia إنتاج عام 1940 هو واحد من الأعمال العظيمة لوالت ديزني، التي تستحق المشاهدة لمعرفة مدى قيمة الموسيقى في خلق الخيال لدى صناع الأفلام.

ملاحظة:

-هذا المقال ليس سوى محاولة لجمع بعض هذه المقطوعات في بنية واحدة، ولا أدعي معرفتي بهذه المقطوعات دون البحث على الإنترنت والاعتماد على كثير من المعلومات الموجودة على منتدى سماعي، كذلك مشاهدة عدد من هذه الأفلام التي تصادف أن اكتشفت معها الموسيقى، أو الاستماع بالصدفة على الـYoutube وفي أحد التعليقات تم كتابة الاسم الأصلي للمعزوفة.

-يمكن مشاهدة حلقتي برنامج "صاحبة السعادة" عن موسيقى السينما بعنوان نادي السينما.




تعليقات